2012/07/04

واجهة العرض التي لم تعد تتسع لنا!!
واجهة العرض التي لم تعد تتسع لنا!!

حكاية الدراما السورية (2)

شكري الريان

من الآخر مرة أخرى.. لا يوجد منتج تلفزيوني في سوريا... وهذه مسألة لا اعتقدها ستثير احتجاج أحد لأنها باتت من البديهيات.. فنحن في غالبيتنا الكاسحة نعمل منتجين منفذين لما يطلبه أو يقرره غيرنا.. يمكن استثناء اسما أو اسمين ممن خلقوا لأنفسهم سمعة مميزة ورصيدا لا يمكن إنكاره عبر سنوات عمل طويلة وبات مجرد تعاملهم مع أية شبكة أمرا يعني أنهم هم من سيقررون طبيعة العمل، بل ويمكن القول أن الشبكات هي من يسعى للتعامل مع أولئك المميزين.. ولكنهم وللأسف وككل المميزين، عددهم قليل ولا يتجاوز "نصف" أصابع اليد الواحدة!!..

ولا يمكن القول أيضا بأن الحال التي وصلنا إليها تشير إلى تردٍ من نوع ما.. هذه طبيعة الحال في أي عمل انتاجي من أي نوع.. هناك سوق وهناك عارضين لمختلف أنواع البضائع في السوق.. وهم، أي العارضين، من يمتلكون حق تحديد نوع البضاعة التي ستعرض على واجهاتهم.. وهذا الحق بدوره ليس مطلقا، بل يخضع لحالة الطلب في السوق.. وبالتالي لا يمكن لصاحب واجهة العرض أن يعرض مالا يطلبه المتسوقون (المشاهدون في حالتنا).. وهذا كلام عام لا غبار عليه.. ولكن إن دخلنا في التفاصيل  فسنجد أنفسنا أمام أطنان من الغبار.. تتعلق بالعارض وبالمادة المعروضة وبمنتج هذه المادة على السواء.. ولأن المجال لا يتسع في هذا المقال المفترض أن يكون على طريقة خير الكلام ما قل ودل (لا أضمن أن أحقق هذا الشرط بتاتا).. لذلك سأكتفي في هذه المقالة بالحديث عن العارض وهمومه ورهاناته.. وبعض غباره..

العارض في حالتنا (الشبكة التلفزيونية) ليس صاحب دكان، وإن كان أسلوب الإدارة في معظم شبكاتنا التلفزيونية ليس بعيدا عن منطق العمل في الدكاكين. والعارض بالإضافة إلى أنه يمتلك واجهة العرض يمتلك أيضا القرار فيما يمكن أن يعرضه على هذه الواجهة وبالتالي يمتلك شركة الإنتاج التي تمده بما يريد، أو على الأقل يمتلك القرار في توجيه سياسة المنتج إن لم يكن تابعا له مباشرة.. وهذه حالة ليست بغريبة على قطاع الترفيه في العالم خصوصا في زمن التجمعات الاستثمارية الكبرى.. فالمجموعات الاستثمارية في هذا القطاع لا تمتلك فقط الشبكة وشركة الإنتاج وأستوديهات التصوير فحسب، بل يمتد نفوذها للمشاركة مع المعلن نفسه في جزء من رأس المال كنوع من تنويع مصادر الدخل الذي سيعود لاحقا ليصب في أقنيتها.. ومنطقتنا العربية لا تقع خارج العالم بالطبع.. بل إن هناك إضافة أخرى تجعل أمر السيطرة على القطاع الإنتاجي مطلوبا وبإلحاح كون معظم هذه الشبكات وفي غالبيتها الكاسحة ممولة من قبل دول لها برامجها التنموية وأهدافها التي يجب بدورها أن تصب في قنوات التنمية الخاصة بمجتمعات تلك الدول.. والتنمية الثقافية جزء مهم جدا من المشروع التنموي العام الذي يفترض في أية دولة أن ترعاه وتسهر على تنفيذه.. وتطوير الدراما بعد أن أثبتت الأخيرة أنها خير سفير لمجتمعاتها، بات ضرورة ملحة عند الجميع.. سواء أكانوا قدماء في المهنة أم حديثي عهد بها، كما يحلو لكثيرين الافتراض..

وحداثة العهد بالذات مسألة تتطلب التوقف عندها ووضع النقاط فوق الحروف، كما هو مطلوب دائما.. فقد شهد الإنتاج الدرامي في سوريا تطورا كبيرا خلال العقدين الماضيين، مستندا من جهة إلى رصيد كبير حققته هذه الدراما مع بدء البث التلفزيوني في المنطقة العربية ككل، ومن جهة أخرى إلى دعم مالي كبير ساهم في رفع إنتاجنا التلفزيوني كما ونوعا على حد سواء.. وقد لعب القطاع الخاص دورا محوريا كبيرا في التطور الأخير، ليس على حساب القطاع العام الذي اضمحل دوره تدريجيا حتى كاد أن يختفي، بل بدعم ومساندة من رأسمال عربي (خليجي تحديدا) وجد في سوريا تربة خصبة للعمل والربح، خصوصا وأن شبكات التلفزة العربية الرئيسية الممولة خليجيا مع بدء البث الفضائي كانت تطلب الكثير لسد ساعات البث التي بدأت تغطي اليوم كله.. وككل التجارب كان لابد لهذه التجربة أن تصل مداها وتبدأ بالتحول إلى طور آخر، نشهد الآن بداياته.. وهذا التحول يعني أن مصدر التمويل لابد أن يلتفت إلى أولويات أخرى بدأت تظهر على السطح فارضة نفسها.. وبقيت أولوية الربح في مكانتها المعتادة دون ريب.. ولكن مع ظهور منافسين جدد ليس للدراما السورية فحسب، بل للعربية ككل، كان لابد من الالتفات إلى هؤلاء المنافسين، خصوصا وأن منتجهم أقل تكلفة وأكثر مردودا (التركي).. وكان أيضا لابد من الالتفات إلى متطلبات التنمية الثقافية التي بدأت تفرض نفسها بوضوح بعد تحول منطقة الخليج العربي إلى مركز إعلامي عربي بامتياز.. وهنا يأتي دور حداثة العهد.. فتلك مسألة اعتدنا أن نغمز من قناتها دون أن نتوقف قليلا لنراجع الحقائق التي بين أيدينا جميعا ومنها مثلا أن التجربة الدرامية العربية ككل بدأت فعليا في وقت واحد تقريبا مع بدء البث التلفزيوني في مختلف الدول العربية (عقد الستينات وبداية عقد السبيعنات).. وأن السبق الذي أحرزته الدراما السورية، على وقع قبقاب غوار أولا، لا يعني بتاتا أن الآخرين كانوا فقط متفرجين.. بل كانت هناك تجارب وإن لم تخرج بدورها عن النمط التقليدي إلا أنها بدايات تزامنت مع بداياتنا وبالتالي لا مجال للحديث عن حداثة عهد هنا.. وما توجه رأس المال العربي والخليجي بالذات إلى السوق السورية إلا لتحقيق هدف مشروع لكل المستثمرين وهو ربح مضمون وأكيد.. وكان هذا واردا فعلا، خصوصا وأن الرصيد الكبير الذي كونته الدراما السورية قبل بدء البث الفضائي كان كفيلا بجذب المستثمرين. ولكن دوام الحال من المحال ونحن نشهد منافسة لا ترحم.. ولن ترحم بالتأكيد..

إذا فنحن أمام حالة كان لابد أن نصل إليها إن عاجلا أو آجلا فالممول الرئيسي وهو هنا شبكات التلفزة الرئيسية في المنطقة، بات يفكر باتجاهين.. التنمية الثقافية المحلية والربح.. الأول لا مجال لنا فيه بصفتنا منتجين لدراما أسمها الدراما السورية، إلا اللهم إن احتاجوا إلى بعض الخبرات من طرفنا وهي هنا ستكون تقنية في معظمها، وتلك بدورها لن يلبث أن يخبو الطلب عليها بعد أن يظهر لنا منافسين آخرين، ودائما أكثر كفاءة وأقل تكلفة.. وبالتالي لم يعد أمامنا من فرصة أمام "صاحب القرار" إلا أن نبقى مشروعا مربحا بحيث نبقي على مساحتنا كاملة في واجهة العرض، بل ونسعى أيضا إلى توسيعها.. وللوصول إلى هذا الهدف شروط ذكرنا بعضها في المقالة السابقة لهذه.. وهناك شروط أخرى أكثرها أهمية أن يكون لدينا منتجين سوريين فعلا.. وتلك مسألة سنهرب منها إلى مقالة لاحقة..