2012/07/04

وداعاً عمر أميرالاي..
وداعاً عمر أميرالاي..

بشار سلمان


كان لي شرف لقاء عمر أميرالاي منذ فترة ليست بقصيرة وعن طريق الصدفة، فقد اتصل بي وعرفني عن نفسه، وطلب مني أن نتقابل، وكان اللقاء في مشروعي "المدينة التلفزيونية في يعفور"..

أؤكد أنه عندما انتهت المكالمة بيني وبينه شعرت بشيء مختلف عن أغلب المكالمات التي كانت تأتيني للحديث عن التعاون والعمل معي في استوديوهات المشروع. لقد كان صوتاً مختلفاً، وحضوراً مختلفاً، بلغة فيها من البلاغة والتعبير والثقة والأدب والتواضع الشيء الكثير. ربما يقول البعض: «من مكالمة هاتفية؟»، أقول: «نعم.. من مكالمة هاتفية».

وكان اللقاء بيني وبينه، والذي امتد ساعات. لم أشعر بمرور الوقت، على عكس الكثير من الاجتماعات التي كنت أعقدها.

قلت له في أول جملة: «أنا آسف أستاذ، لكنني لم أشاهد أياً من أفلامك، باستثناء فيلم "الحريري"». قطع الحديث وهو يضحك قائلاً: «العلاقات مع الحريري كانت منيحة بهداك الوقت، لهيك شفتوا الفيلم». قلت له: «إنت عم تصور أفلام ما بعرف ليش ما عم يعرضوها».

لا أنكر أنني شعرت بشيء من الذنب لأني لم أشاهد أياً من أفلامه، خصوصاً وأنني كنت قد قرأت عنها كثيراً، وبالتحديد عن آخرها "الطوفان"، لكنني لم أشاهد فيلماً واحداً، لأنها بشكل أو بآخر غير معروضة للعموم، ولم يسلط أحد الضوء عليها.

كان محور الاجتماع يدور عن مشروع يحاول المخرج عمر أميرالاي بكل جهده أن يتم القيام به في سورية، وهو عبارة عن منحة من إحدى الدول في الاتحاد الأوروبي تختص بتعليم مجموعة من الشباب في سورية والدول المجاورة، وبطريقة أكاديمية، "علوم السينما" من إخراج وإضاءة وتصوير.. إلخ.

شرح لي عمر أنه بحاجة إلى مكان مناسب لهذا المشروع، فهو بحاجة إلى مكان متفرغ للمشروع، يتمكن فيه الطلاب من الإقامة والدراسة، ولهذا فهو يحتاج إلى قاعات للتدريس، وأخرى للتدريب، إضافة إلى غرف للنوم.

لا أذكر الآن تفاصيل المنحة وطبيعتها، لكن ما لا أنساه هو كلام عمر أميرالاي ورغبته الشديدة في أن يكون المشروع من نصيب سورية، لأن هناك منافسة مع لبنان والأردن. ما أذكره هو أن النقاش والحديث الذي دار بيننا كشف لي رغبته الشديدة لفي تطوير هذه الصناعة، وإدراكه لأهمية العلم في ذلك.

قدمت له عرضي المتواضع بأنني معه إلى نهاية الطريق في هذا المشروع، وأنني مستعد أن أرصد كامل المبلغ المالي -المخصص من قبل المنحة لاستئجار مكان- لصالح تطوير المكان الذي أملكه بما يتناسب مع شروطهم، بمعنى أنني لا أريد أي ربح مادي من المراحل الأولى للمشروع ، ونحن مستعدون أن نقدم كل الإمكانيات المالية والمعنوية لنوطن هذا المشروع في سورية. ناقشنا مكان إقامة الطلاب وسكنهم، والإطعام وقاعات التدريس، إمكانية تحويل القسم الهندسي واستوديوهات الإعلان إلى قاعات للتدريس.

في ذالك الوقت أخبرني عمر أنه يبحث عن خيارات أخرى تكون مناسبة أكثر، وقلت له: «حتى لو لم يكن المشروع هنا، فنحن معك إلى النهاية»، قال لي إنه من الممكن أن يكون التدريب ضمن الاستوديوهات، والتدريس في مكان آخر.

وأقول، وأنا مسؤول عما أقول، بأنني لم أسمع هذه اللغة والصدق، ولم أقابل هذا الشغف والرغبة والثقافة عند الكثير من المسؤولين وأصحاب القرار في هذه الصناعة، صناعة السينما والدراما، سواء عند القائمين على هذه الصناعة في القطاع العام أو في القطاع الخاص.

بعد عدة أسابيع تواصلنا مع بعضنا. بادرته بالسؤال عن مشروعه وأين وصل به، ضحك على الهاتف، وقال بلغة فيها شيء من الحسرة: «تتم دراسة الموضوع. يوجد بعض العوائق والمشاكل». طبعاً المشروع لم يتم، ولم أعرف طبيعة العوائق ولا المشاكل.

ولكن ما أعرفه، أنه من الصعب جداً والمحزن حتى الصميم أن يكون لديك الكثير لتفعله وتقوم به، وأنت تملك القدرة على هذا الفعل، ولا تستطيع أن تقوم بكل ذلك، لأن أحداً ما.. شخصاً ما.. قراراً ما.. قانوناً ما.. وجهة نظر ما.. شيئاً صدر في زمن ما.. يمنعك من القيام بما خلقت للقيام به..

وداعاً عمر أميرالاي..