2013/10/24

وديع الصافي
وديع الصافي

 

بديع منير صنيج – تشرين

 

 

 

إن اجتماع كل من الإعلامي والناقد الفني المصري «وجدي الحكيم» والباحث الموسيقي اللبناني الدكتور «فيكتور سحاب»، إلى جانب الفنان معين شريف والفنان جميل شوفاني من الناصرة، 

يحسب لقناة الميادين ضمن الحلقة التي خصصتها الأحد الماضي  للحديث عن رحيل الفنان وديع الصافي وحملت عنوان «وداع الصافي» وقدمها زاهي وهبي، فالحكيم معروف بأنه صديق عمالقة الفن الجميل وصاحب مكتبة من أهم المكتبات الإذاعية في الوطن العربي، وسحاب من أكبر الباحثين الموسيقيين والمتتبعين لمسيرة الصافي الفنية، أما شريف فقضى ثلاثة وعشرين عاماً من حياته صديقاً للصافي وعائلته، في حين أن شوفاني عمل مع الصافي مدة ثماني عشرة سنة متعهداً لأكثر من أربعين حفلة من حفلاته التي أقامها في الأردن، لكن كان المأمول من معد هذه الحلقة ومقدمها «وهبي» ألا يكتفي بإعادة طرح ما سبق أن أوضحه «الصافي» ضمن العديد من لقاءاته التي عرضها الكثير من القنوات الإعلامية بعد رحيله مؤخراً من علاقته بأصوات محمد عبد الوهاب وأم كلثوم، إلى غنائه للبنان وجماله وتشجيع المغتربين على العودة إلى أحضانه، مروراً بسفره إلى مصر سنة 1944 مع نور الهدى وصباح، وظهوره ممثلاً في فيلم أوحد باسم «الخمسة جنيه»، وحكاية غنائه أمام عبد الناصر مع فرقة الأنوار سنة 1960... وغير ذلك، بل كان من الأجدى الغوص في ذاكرة ضيوف الحلقة للحديث عن «وجدانيات فنية» إن صح التعبير، والتخلص من الأسئلة النمطية من مثل «قالت الدكتورة رتيبة الحفني أن وديع صاحب أقوى أصوات الرجال في الوطن العربي. ما رأيك في ذلك؟» والاتجاه نحو سرد من نوع آخر لسيرة هذه القامة الفنية والعلاقة معها، كما في الشهادة التي سجلها الريبورتاج مع أبناء ضيعة «نيحا» مسقط رأس الصافي.

 

كنا نتطلع إلى الحديث عن خصوصية صوت هذا المطرب العملاق، عن فرادة أدائه ورحابة حنجرته ومرونة حباله الصوتية، وكان من المفيد الاستئثار بشهادات للضيوف عن مواقف فنية جمعتهم بالراحل الكبير، أو معرفة ما كان يبوح لهم عن أحلامه الفنية، عن أفكاره الواقفة وراء آهاته القديرة، عن رغباته الصاعدة مع «أوفه» الفريدة، عن شيطناته وملائكيته في ارتجالات النغم.

الفنان معين شريف استطاع أن يشد الحديث نحو رهافة علاقته مع صاحب «ولو» متحدثاً عن إيمان الصافي وتواضعه وأخلاقه وتفانيه وإخلاصه لفنه ووطنه، الأمر الذي استغله «وهبي» للتحدث عن رفض وديع القاطع للاحتلال الصهيوني والسلام مع هذا الكيان الغاصب، كيف ذلك وهو الذي غنى لبيت صامد في الجنوب، ولقانا، وللعرب ومصر ودمشق... الحكيم أكد ذلك مستشهداً بأغنية «عظيمة يا مصر» التي رددها الشباب المصري في الخامس والعشرين من كانون الثاني 2011 دلالة على حجم تأثيرها فيهم، معتبراً أن غناء الصافي للوطن العربي حالة من المقاومة.

 

يجيب سحاب بعدها عن سؤال «هل وديع الصافي أفضل من لحن لنفسه؟» بقوله: «لا، فأنا أعتقد أن القيمة الكبرى لوديع الصافي هي بصوته، أما إبداعه اللحني فتمثل في ارتجالات وتفريدات ضمن أغنيات مثل «لوين يا مروان»، وموال «ولو»، و«أنا وها البير، أو ألحان قصائد المْعَنّى والقصيد التي لها علاقة مباشرة بتراثه الريفي، أمــــا الغنـــــاء الكلاسيكي المدني والقصيدة فكان مستوى صوته أعظم من ألحانه لها بكثير، رغم أنه كملحن لا يقل عن غيره من الملحنين». ليعقب «الحكيم» على ذلك بقوله: «كان وديع يؤكد دائماً التزامه باللون الشرقي المتفرد، والطرب الأصيل، لأنه ظهر بلون غنائي فريد من ألحانه مثل «الله يرضى عليك يا ابني»، وهذا النوع هو ما أوصله إلى قلوب المستمعين في العالم العربي كله.

على المستوى الإخراجي، أدرك المخرج «بسام خطار» أنه لا بد من إبراز بطولة الصوت سواء في الخلفيات الغنائية بصوت صاحب «ليش يا بني ليش طولت الغياب»، أو في الانسيابية أثناء غناء الفنان معين شريف، أو في المقاطع المدخلة من حفلات الصافي، لنكون في النهاية أمام «وداع الصافي» مكسوري الوجدان، بلا ترانيم جديدة تحاكي الأرز ولا مواويل بصوت «أورفيوس القــــــــــــرن العشرين».