2012/07/04

وديع الصافي: الفن الآن "مزعزع" ونصيحتي الالتزام بالأخلاق
وديع الصافي: الفن الآن "مزعزع" ونصيحتي الالتزام بالأخلاق


صحيفة السياسة الكويتية

تناول العملاق والنسر العتيق وديع الصافي في لقائه مع "السياسة" جانبا من طفولته المبكرة في بلدة "نيما الشوف" ونبوغه المدرسي وتربيته الصارمة, حتى انه خشي عقاب والده حين اهدته, الست نظيرة جنبلاط تسع ليرات ذهبية اعجابا بصوته وادائه قصيدة مهداة من تلاميذ مدرسته بمناسبة تعافيها من وعكة صحية ألمت بها.

في اللقاء الحميمي مع الصافي يتطرق الى جملة من القضايا الفنية والحياتية مستدعيا ذكرياته بين الماضي والحاضر بكثير من الحكمة والشفافية.

أي مِنَ العائلة اكتشف بأنك صاحب موهبة صوتية هائلة?

خالي نمر, وكان عازف عود شهيراً, وغالباً ما كان يصطحبني معه إلى حفلاته الخاصة في نيحا وفي قرى الجوار وبالأخص في "بيت الدين".

متى انتقلت العائلة من الجبل إلى العاصمة بيروت?

بحكم وظيفة الوالد (خيال في الدرك اللبناني) كنا مضطرين للانتقال معه إلى حيث يقوم بأداء وظيفته في أكثر من منطقة لبنانية, لكننا في الصيف كنا نعود إلى نيحا للاصطياف وتدبر مؤونة الشتاء. وخالي كان أيضاً من خيالة الدرك.

متى تعلمت العزف على العود?

كان عمري 16 سنة. وكنت قبلها أعزف على الربابة لأن معظم المواويل كانت من اللون "الشروقي" الذي يُنشد عليها.

بعد مجيئك إلى بيروت كيف سلكت درب الفن?

مارست مهنة التعليم وأنا في الثامنة عشرة من عمري في معهد خاص في الجديدة. فنصحني شقيقي توفيق بالمشاركة بمباراة للمواهب الصوتية في الإذاعة اللبنانية, وكان اسمها إذاعة بيروت وهكذا ذهبت وكان عدد المتبارين 24 وخضعنا جميعنا لاختبار على الصوت والأداء. وكان بين اللجنة ألبير أديب, سليم الحلو, غنطوس الرامي, ميشال خياط. وبعد الانتهاء قال لي ميشال خياط "يا أستاذ لم يحالفك حظ النجاح مع المتبارين". فأجبته: "أنت لم تنجح وليس أنا". (ضحك) وقال لي: "أنت الأول على كل المتبارين". ولم أزل حتى اليوم الأول في كل شيء.

هل تذكر السنة التي جرى فيها هذا الاختبار?

أعتقد قبل اندلاع الحرب العالمية الثانية وكان عمري يومها 20 سنة.

هل تذكر أحداً من الرعيل الذي كان ينافسك في تلك الأيام?

كانوا كُثراً, لكن بعون الله تفوقت عليهم لأن اللجنة كانت نزيهة.

بعد هذا الاختبار كيف بدأت احتراف الفن?

في بداية المشوار كانت نصيحة والدي لي, باعتماد التواضع, وكان والدي يملك صوتاً رائعاً وكذلك والدتي وجدي لأبي وجدي لوالدتي, لقد كانت أصوات الجميع جميلة جداً. ومنذ تلك اللحظة بدأت بالجهاد الفني فتعرفت على الفنانة صباح وبدأنا بإحياء الحفلات مع بعض, فاعتمدنا أسلوب "الديو" الحواري وكانت من أصحاب الأصوات القادرة.

من هم الشعراء الذين غنيت لهم في تلك الأيام?

أسعد سابا, أسعد  السبعلي, عبد الجليل وهبي, سعيد عقل الذي كتب لي قصيدة: "ربي رد الأهوال" وسجلتها في العراق بمساعدة ثلاث فرق موسيقية عراقية, مصرية, لبنانية.

متى بدأت التلحين?

وأنا بعمر 17 سنة.

ماذا كان أول لحن غنيته?

"رتلي لحني هواك بشفائي وشفاك, والهوى جنات خلد وبها أنت ملاكي".

لماذا اعتمدتم القصائد الموزونة?

لم نركز فقط على القصائد باللغة الفصحى, بل كنا نغني "أبو الزلف" و"العتابا".

من الملحنون الذين تعاملت معهم?

ميشال خياط, سليم الحلو, وكانت ألحاني مميزة لأنني درست علم النغم.

ماذا عن مميزات الفنان الناجح?

الأخلاق والتواضع وإلا لا يمكن لفنه أن يصل لقلوب الناس.

ما رأيك بما يجري في العالم العربي وكيف تنظر إلى انهيار الأنظمة?

سلطة. وهذا مكتوب في "الجفر" فإذا ألفت لا تؤلفان وتقوم مملكة على مملكة أخرى ويكون فناء العالم.

كيف تصف تعاونك مع بيت الرحباني?

تعاون مصلحة, وعندما يحتاجون إلي يتم الاتصال ونتعاون.

كم مسرحية شاركت فيها مع الرحابنة?

لا أذكر بالتحديد لكنها عدة أعمال.

هل غنيت من ألحان فيلمون وهبي?

نعم لقد خدمته بمجموعة ألحان.

وروميو لحود?

أيضاً تعاونت معه.

بين السيدة فيروز والفنانة صباح نجدك ميالاً للصبوحة أكثر, ما سبب ذلك?

مع صباح تعاونت فترة طويلة وكانت مرحلة حلوة وصوتها يجانس صوتي. وفيروز فنانة عظيمة أيضاً.

كم سنة غبت عن لبنان أثناء الحرب?

12 سنة.

كم أغنية قدمت في هذه الفترة?

تقصد كم مزموراً? خمسة مزامير لن تتكرر, لأن ظروف كل عمل فني ليست مشابهة لبعضها, بالإضافة إلى قصيدة "عصفور شق الفجر شو جايبك بكير" للشاعر توفيق العطار وقد شاهدت دموعه على أطراف الورقة التي كتب عليها هذه القصيدة.

أين كُرِّم وديع الصافي أكثر, في لبنان أم في الخارج?

أول دولة كرمتني هي سورية, وثاني دولة عربية مصر, لم تكتفِ بتكريمي بل منحتني الجنسية المصرية, كما أن فرنسا منحتني الهوية أيضاً كذلك جرى تكريمي في كوستاريكا والبرازيل ودول أخرى.

هل من مردود مادي مقابل منح الجنسية?

لا.. لأنها تقدير معنوي فقط, وجنسية شرف لا أكثر.

كيف تصف علاقتك بعبد الوهاب?

صداقة روحية تجاوزت حدود العلاقة الفنية, وكان بيننا تقدير متبادل, ولقد استفدنا منه كثيراً وهو بالمقابل تعرف إلى الفن اللبناني, وعلى الصعيد الشخصي أخذت منه عدة أفكار.

والسيدة أم كلثوم?

كانت صديقة هي الأخرى وهي منحتني لقب "سيد العرب".

أسمهان وفريد الأطرش?

كنت أطرب لصوت أسمهان فهي "ست صالون" وصوتها ملائكي أحببته وأحببت الاستماع إليه , أما شقيقها فريد فكان من أعز أصدقائي.

هل تعرفت إلى عبد الحليم حافظ?

بالتأكيد... وكنا في سهرة بحضور عبد الوهاب والسنباطي وعندما أديت إحدى الأغاني, قال عبد الحليم: "أمام صوت وديع الصافي يجب أن نبيع الترمس".

وماذا عن نور الهدى ونجاح سلام?

كانت صلتي بهما روحية تقوم على التقدير المتبادل, لقد جاهدتا وكافحتا حتى وصلتا بأخلاقهما وفنهما.

من أصدقاؤك من الفنانين السوريين?

معظمهم, كباراً وصغاراً, سورية منبع الفن والتراث. وهنا لا بد من الإشارة, عندما غنيت "ع اللوما" قال لي حليم الرومي: "هذه الأغنية ليست من مستواك". وعندما ذهبت إلى سورية وسجلتها "كسَّرت الدنيا".

من تتذكر من الفنانين العراقيين?

العراق مليئة بالأصوات الجميلة. لكنهم يؤدون ألوانهم.

ما رأيك بالأصوات اللبنانية الواعدة, خاصة أولئك الذين تخرجوا في مدرسة وديع الصافي: معين شريف, غسان صليبا وغيرهما?

جميعهم تربوا على أعمالي وعلاقتهم معي وطيدة جداً وأنا بدوري أتمنى لهم التوفيق. وخاصة الشباب الذين ذكرتهم: معين, وغسان هذا الشاب كله أخلاق.

هل أنت راضٍ عن مستوى الفن في هذه الأيام?

مع الأسف الفن "مزعزع", ولكن لا أحد يعرف متى تظهر الظاهرة الفنية.

من يلفتك من الفنانين الجدد?

أصوات عديدة بعضها واعد والبعض الآخر عادي. يبذلون جهداً ولكنني لا أطرب لأي صوت باستثناء عبد الوهاب وأم كلثوم.

هل تعتبر أنك كُرِّمت في بلدك ووفيت حقك وبدل أتعابك مادياً ومعنوياً?

لقد كُرِّمت في بلدي, من أكثر من جهة, ولكن كل هذه المناسبات بقيت في إطارها المعنوي. أما المادي فبقيت بعيداً عنه. كما نلت العديد من الأوسمة. فالرئيس اللبناني أميل لحود كرمني تكريماً رئاسياً عندما وضع طائرة خاصة بتصرفي جابت بي فوق كل المناطق اللبنانية من دون استثناء. فالشكر له ولقيادة الجيش برئاسة العماد سليمان آنذاك بتخصيصهما يوم وديع الصافي الأخضر.

ما وصيتك للبنانيين?

أن يكونوا مخلصين لهذا الوطن الحبيب, لأنه أمانة في رقابنا, "أرضك عرضك, وطنك شرفك".

وماذا تقول للفنانين, نصيحة من أب لأبنائه?

الأخلاق, الأخلاق, وثم الأخلاق...

ماذا عن أخبار العائلة: الأولاد والأحفاد?

رزقني الله أربعة شباب وبنتين: فادي, طوني, جورج, ميلاد, دنيا ومارلين. دنيا لديها أربعة أولاد: صبيان وبنتان ومارلين ثلاثة أولاد: صبيان وأنثى وفادي: صبي وبنتان, وطوني أيضاً: صبي وبنتان, جورج: صبيان وبنت, ميلاد: صبيان وبنت.

كنت في الماضي تهتم بدعم سهام زوجة فادي لتكون فنانة ذات مستوى, فهل ما زالت بالطموح نفسه?

لقد توقفت عن الفن لأسباب خاصة بها.