2013/06/21

وقفة في مسرح «سعد الله ونوس» العـربيد: من الجيل الذي عاصر صعود الأمـة وانكسارهـا
وقفة في مسرح «سعد الله ونوس» العـربيد: من الجيل الذي عاصر صعود الأمـة وانكسارهـا


أبو القاسم: كان منشغلاً بالواقع السياسي والاجتماعي


لبنى شاكر – تشرين

أراد للمسرح كما أراد غيره كما يدعون، فكان أن كتب كما لم يكتب سواه، ولأنه رأى في نفسه مشروعاً لكاتب مسرحي لن يحترف الكتابة يوماً، كتب سعد الله ونوس كهاوٍ حتى اللحظة الأخيرة.

وفي وقفة للحديث عن حياته ومسرحه، أقام المركز الثقافي العربي في «أبو رمانة»، وضمن سلسلة أعلام خالدون، ندوة شارك فيها الفنان عبد الرحمن أبو القاسم، ود. تامر العربيد المدرس في المعهد العالي للفنون المسرحية.

في إنتاجه المسرحي

في الحديث عن ونوس كاتباً مسرحياً، أشار د. العربيد إلى انتمائه لجيل من المثقفين العرب الذين عاصروا مرحلتين مهمتين في تاريخ هذه الأمة، الصعود والانكسار.

تمثلت الأولى في المد القومي، والفكر الغني الاشتراكي العربي والقومي، والذي كان سائداً حتى منتصف السبعينيات، أما الانكسار فهو ما جاء بعد هزيمة 67، والتي تركت أثراً كبيراً على هذا الجيل، الذي وجد نفسه أمام أسئلة كبيرة تحتاج أجوبة مقنعة. ومن هنا يتوجب إعطاء قيمة كبيرة في النظر والتحليل لمشروع ونوس المسرحي. ورأى أن مشروعه كان حاضراً في النصوص التي كتبها، بشكل متصاعد.

واللافت هنا أن ونوس من المثقفين العرب القلائل الذين اتسمت مشروعاتهم بهذا النمو. أما إنتاجه المسرحي فقد مر بثلاث مراحل بحسب العربيد، الأولى مسرحة الفقر، قدم فيها /9/ مسرحيات، أما الثانية فظهر خلالها ما يعرف بمسرح التسييس، ويبدو أن ونوس أراد لمسرحه فيها أن يكون شيئاً آخر، تالياً قدم نصوصاً جريئة في طرح الأسئلة الكبيرة، وفي تناول قضايا تحتاج حواراً وتقييماً كالعدالة الاجتماعية والسلطة، والحرية وكرامة الإنسان. أما الثالثة فكانت الأكثر نضوجاً في طرحها ومواضيعها، وبدت أكثر التصاقاً بالإنسان.

في الواقع والقضايا


وأشار أبو القاسم إلى أن المسرحيات التي كتبها ونوس في المرحلة الأولى صدرت في كتاب واحد بعنوان (حكاية جوقة التماثيل)، ونرى فيها أثر الثقافة الغربية والمسرح الغربي، وضبابية الرؤية من حيث عدم وضوح الموقف، من قضايا كثيرة حاول معالجتها، وعلى الأخص تجاه قضية السلطة، والتي طرحها في مسرحية (بائع الدبس الفقير). ناهيك عن شيوع التجريد واللجوء إلى الترميز المتعمد.

ورأى أبو القاسم أن ونوس كان منشغلاً بالواقع السياسي والاجتماعي في زمنه، ولاسيما بالفئات البسيطة من الناس، والتي تشكل موضوعاً للقهر.. كما عالج قضية فلسطين، في أكثر من عمل، وعاد إليها في المرحلة الثالثة.

وفي مسرحية (فصد الدم) مثلاً حاول أن يبتعد عن الإنشائية والتقريرية والخطابة، على عكس من سبقوه إلى معالجة القضية الفلسطينية، فكان بعيداً عن الاستجداء الميلو الدرامي والارتجال، وانطلق من رؤية عقلانية حيث أعلن رفضه لموقف التلاؤم مع الواقع الراهن، وجعل شخصية «علي» الرافض لكل ما من شأنه تكريس الخنوع والاستسلام للواقع ينتصر على شخصية «عليوه» الذي يرى أنه لابدّ من التكيف مع الواقع الراهن، ونسيان القضية برمتها.

وعن علاقته بونوس، قال أبو القاسم: كنت مديراً للمسرح الوطني الفلسطيني، وكان همي وشغلي الشاغل، وقتها استكتبنا ونوس فكتب لنا (الاغتصاب)، وهي مأخوذة عن الكاتب ستيفان أورغيني، عن القصة المزدوجة للدكتور بالمي، وقدمنا هذا العرض كرؤية عربية فلسطينية للعلاقة بين العدو والصديق، وكيفية تعاملهما مع بعض.

وأضاف أن (الاغتصاب) كان عملاً مفصلياً بالنسبة لونوس، فهي قراءته الثانية للمسألة الفلسطينية، ولأنه أعده عن عمل مسرحي عالمي، وأدلى عبره بدلوه عربياً وسورياً وفلسطينياً.. ومما قدمه أيضاً (حفلة سمر من أجل 5 حزيران).

في حياته وتجربته


حصل سعد الله ونّوس على منحة لدراسة الصحافة في مصر، وكان للانفصال أعمق أثر في كتاباته، بدأ الكتابة في مجلة الآداب التي نشر فيها مقالاً عن الانفصال، ودراسة عن رواية «السأم» لألبرتو مورافيا.

عمل في وزارة الثقافة السورية وكذلك محرراً للصفحات الثقافية في صحيفتي السفير اللبنانية والثورة السورية.. وحين كلف بإصدار عدد خاص من مجلة المعرفة عن المسرح، لمع اسمه بين الأوساط الثقافية، وفيها قدم دراسة تحليلية عن مسرح توفيق الحكيم.

عام 1969 أسس مع رفاقه لانعقاد الدورة الأولى لمهرجان دمشق المسرحي، والذي شهد تقديم عملين مسرحيين لونوس (الفيل يا ملك الزمان) أخرجها علاء الدين كوكش، و(مأساة بائع الدبس الفقير) أخرجها رفيق الصبان.

كلف مديراً للمسارح والموسيقا لكنه اعتذر بعد أشهر ليتفرغ للكتابة والفن، كلف أيضاً برئاسة القسم الثقافي في جريدة البعث، ورئاسة تحرير مجلة أسامة، وعمل على تأسيسها وإصدارها مع عادل أبو شنب.

كما كلف لأكثر من مرة خلال فترات متعاقبة برئاسة تحرير القسم الثقافي في جريدة السفير اللبنانية، ثم كلف بإصدار وتأسيس مجلة الحياة المسرحية.

أسس مع رفيق دربه الراحل فواز الساجر ما يعرف بمشروع المسرح التجريبي، وكان باكورة أعماله (يوميات مجنون)، والذي أعده ونوس عن نص لينكولاي غوبل، وأخرجه الساجر، ثم (رحلة حنظلة من الغفلة إلى اليقظة).

عام 1989 كرم ونوس من قبل مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي، وكرمه كذلك مهرجان قرطاج المسرحي. عام 1990 حاز جائزة سلطان عويس الثقافية، وأصدر مع عبد الرحمن منيف وفيصل دراج كتاباً دورياً بعنوان قضايا وشهادات.

سنة 1992 أصيب بورم، وبدأ العلاج بين دمشق وباريس، كتب وقتها أربع مسرحيات خلال عامين ثم عاوده المرض لكن في الكبد هذه المرة.

أول عمل قدمه ونوس مسرحية طويلة بعنوان (الحياة أبدا)، لكنه لم ينشرها، ورحل وهو عازم على ذلك، أما النص الأول الذي شاهده الجمهور له فهو (ميدوزا تحدق في الحياة).

عام 1997 شهد آخر مسرحية له، وهي (الأيام المخمورة)، ثم توقف قلبه في 16- 5 في العام نفسه.

محكومون بالأمل

في حديث له، قال ونوس (لنتفق على نقطة، انقطعت عشر سنوات عن كتابة المسرح، خلال هذه السنوات كنت أعلم أنني لا أستطيع أن أواصل الكتابة إلا بعد مراجعة جديدة لما أنجزته، وإلى ما آل إليه المسرح في بلادنا، وكذلك مراجعة التدهور الذي أصاب المشروع الوطني على امتداد الوطن العربي، وفي هذه المرحلة وجدت أني لم أركز بما فيه الكفاية على تخلف البنى الاجتماعية في بلادنا.

عام 1996 انتخب ونوس من قبل المعهد الدولي والجمعية الدولية للمسرح، ليكون أول عربي ومسرحي يختار لكتابة وتوجيه الخطاب العالمي للمسرح، وهذا كان اعترافاً حقيقياً بأهميته كمسرحي ومبدع، ومهتم بالشأن الثقافي عربياً وعالمياً، وهو الذي قدمت أعماله على مسارح باريس وألمانيا.

في كلمته أكد أهمية الحوار بين الجماعات، هذا الحوار الذي يقتضي تعميم الديمقراطية واحترام التعددية، وكبح نزعة العدوانية عند الأفراد والأمم على السواء.

وأكد فيها أيضاً كما أشار أبو القاسم إلى أن المسرح ليس تجلياً من تجليات المجتمع المدني فحسب بل هو شرط من شروط قيام هذا المجتمع، وضرورة من ضرورات وازدهاره، وهو أيضاً ظاهرة حضارية مركبة سيزداد العالم وحشة وفقراً لو أضاعها. وختم كلمته يومها (إننا محكومون بالأمل)، أما ما يحدث اليوم، يقول أبو القاسم (فلا يمكن أن يكون نهاية التاريخ).