2013/05/29

ياسين بقوش.. طير الوروار الدمشقي
ياسين بقوش.. طير الوروار الدمشقي


سامر محمد اسماعيل - تشرين

هو صبي القهوة الذي ظفر بمعلمته في نهاية المطاف، انتزعها من براثن المثقف الحائر بسؤاله الوجودي العجيب: إذا أردنا أن نعرف ماذا في إيطاليا يجب أن نعرف ماذا في البرازيل،

خلصها من مقالب «غوار» عاشقها المجنون المُدمن على تعطيل أعراسها، هو «ياسينو» العاشق الصامت لحيص بيص حبيبته بين مقهى دياب مشهور وفندق النوم الصحيح، هو هذه الشخصية المكتوبة بشفاهه الغليظة الحنونة، بصوته المخضرم ينحت الأسف الجماعي، بصدّارته الشامية و«شرواله» العربي؛ يتنقل بين غرف نزلاء الضحك؛ مُزهراً بصواني البابونج، بقدرته على تجسيد سذاجة الإنسان ولهوه الطفولي، بتلقيه الرحب لصفعات معلمته الشابة، بموهبته الغامضة الدفينة في تعلمينا معنى التسامح، وجرأته في ارتداء أزياء النساء أمام كاميرا الستينيات؛ هو ياسين أيها العالم... ياسين الذي كان يستيقظ صباحاً ليرتب برنامج قهوته الموسيقية، لينفض الغبار عن كادر الأيام المُرهقة من شعار «الدين ممنوع» هو آرلكينو السوري، الحائز كيمياء المضحك المبكي، الواقف على مسرح الدبابيس بأقدامٍ حافية، العامر بوجهه الحزين اللافت مقتحماً مبنى التلفزيون؛ أنيقاً، عابساً، بشوشاً حين يلتبس على الآخرين: (لست طيباً بما يكفي، أنا لست ياسينو الساذج، لا يمكن مخادعتي، لست ياسينو، أنا صانعُهُ، خالقُه المريب، لست ياسينو المغفل كما تطيب لكم رؤيتي).

لقد بالغ في دقته، بالغ في حذافير رسمه، حتى خلناه هو، خلناه صنيعته، نسيج وحده، يتحدى قبضة عنترة في لوحة التيناوي الشهيرة، ينقر على بوابير الكاز: يهز أكتافه بخفة كائن خرافي، يبحلق في كاميرا الأبيض والأسود، يتأكد من وجوده، ثم يشرع في غناء «طير الوروار.. واحد.. اثنين» ينتظر رفاق «جامعة البستوني والكوبا» على شرفة أمه، يشتري حماراً نفاثاً ليكتشف بعد هطول المطر أنه كان حماره القديم، هو ياسين بقوش مَنْ لمحتُهُ مرةً في باصات النقل العمومي صامتاً حزيناً حين اكتشف باباً  يُغلقُ لحارته التي كانت مفتوحة على السياح والنحاتين وعشاق السينما؟ حين تفادى بلباقة شماتة المعجبين! هو ياسين المعافى من نجوميته، النائم الآن إلى جانب جده محي الدين ابن عربي...