2012/07/04

«يوميات مجنون» لأسعـد فضة من أوائل عروضها..هل «المونودراما» فن مسرحي ناقص؟
«يوميات مجنون» لأسعـد فضة من أوائل عروضها..هل «المونودراما» فن مسرحي ناقص؟


نضال بشارة - تشرين

ربما شهدت مدينة حمص أكثر من المحافظات الأخرى إقدام الممثلين فيها على تقديم المونودراما، بعضهم من فرق الهواة الذين لأسباب مختلفة لم يحترفوا التمثيل كعمل مهني ومصدر رزق ( حسن عكلا، تمام العواني، عبد القادر الحبال) ومن المحترفين ( نمر سلمون،.

نوار بلبل، حسام الشاه، أحمد منصور). والمتابع لحركة المسرح في سورية يعرف أن أول عرض مونودراما قدم في أوائل السبعينيات كان للفنان أسعد فضة عن نص غوغول << يوميات مجنون>> إخراج الراحل فواز الساجر، وكانت أكثر تجربة لافتة للنظر قدمها الثنائي (الراحل ممدوح عدوان، والممثل زيناتي قدسية)، ولا تقل أهمية عنها تجربة فرقة الرصيف (للكاتب التونسي المقيم في دمشق حكيم مرزوقي والمخرجة رولا فتال)، التي تعاون معها في تقديم العرض الواحد أكثر من ممثل ( سامر المصري, نوار بلبل, رائفة أحمد , مها الصالح). ولعل أسباب تقديمها مختلفة لدى الممثلين الذين عملوا في فرق الهواة والتي لم تعد مجالس المدن تقدم لها الدعم المالي فاضطرت للتوجه لإنجاز عروض مسرحية بأقل التكاليف، وهي طبعاً ليست الأسباب ذاتها التي دفعت بالممثلين المحترفين الذين خاضوها في أعمار متفاوتة من تجربتهم على الخشبة رغم تقاطعها مع بعض الأسباب

لماذا المونودراما

حاولت «تشرين» تلمس أسباب تقديم «المونودراما» لدى الممثل «تمّام العواني» الذي قدّم في حمص خمس مسرحيات, شارك فيها في أكثر من مهرجان محلي وعربي ودولي، رغم عدم احترافه التمثيل، كما تلمست رأي الممثل نوار بلبل خريج المعهد العالي للفنون المسرحية، واختتمنا برأي الكاتب نور الدين الهاشمي الذي كتب وأخرج مسرحاً للكبار والأطفال،ولم يقارب المونودراما، فضلاً عن كتابته القصة القصيرة والسيناريو التلفزيوني: ‏

بشروط الآخرين ‏

يقول الممثل تمّام العواني عن الأسباب التي دفعته لتقديم هذا الشكل المسرحي إن «المونودراما» فن صعب للغاية, والممثل الذي لا يملك موهبة وتجربة كبيرة, لا يمكنه الخوض فيها لأنها تعتمد على طاقة الممثل المجتهد الذي يبحث دائماً عن أساليب وأدوات ومفردات جديدة يقدمها للمتلقي. ويضيف ولم أجرؤ على خوضها إلاّ بعد الوقوف 20 سنة على خشبة المسرح وبتشجيع من المسرحي الراحل وليد فاضل، وذلك بعد أن جلسنا طويلاً نقرأ ونبحث في هذا المجال وخرجنا بعدها بمسرحية «المشنقة» من تأليفه وإخراجه، وقدمتها في إحدى دورات مهرجان «حمص المسرحي». هذه التجربة أعطت الممثل تمّام –كما يقول- وعياً فنياً وفكرياً ودفعته لأن يقدم الأفضل خاصة بعد مشاهدته لتجارب مسرحية محلية وعربية في هذا المجال. ثم كانت التجربة الثانية مع المخرج محمد بري العواني حيث قدما معاً مسرحية «العقرب». وانطلاقاً من هذه المسرحية أصبحت المونودراما هاجسه. أمّا لماذا توجّه لكتابتها لأن نصوص المونودراما قليلة في سورية والوطن العربي فاضطررت لأن أكتب وأمثّل وأختار موضوعاتي المسرحية كما أختار أحياناً المشرف أو المخرج. وهكذا كتبت مسرحية المطرود، وكواليس، والكهف، وكلها طرحت موضوعات حياتية تلامس الإنسان المهمّش على صعيد المجتمع ثم يعود مرة أخرى الممثل تمّام ليستكمل أسباب خوضه مضمار المونودراما فيقول: الفرق التي عملت فيها ممثلاً, جميعها فرق هواة ليست متفرغة للعمل المسرحي، وجميع عناصرها إما هي موظفة أو تعمل بعمل خاص، ولهذا كنت محكوماً بأن أنسّق وقتي معهم، وضمن شروطهم، وبعد انتهائهم من عملهم، ومن ثم العمل المسرحي لا يأخذ القسط الكافي من البروفات, والبحث الدائم حول العرض المسرحي. تلك التفاصيل كانت تزعجني كثيراً لأن البروفات لم تكن تكتمل وأحياناً نتوقف لأسابيع بسبب انشغال بعض الممثلين بعملهم الخاص. فكانت المونودراما إنقاذاً لي من تلك الظروف فخضتها لأنها أتاحت لي أن أفكر وأبحث وأجرّب وأجلس ساعات طوال في البروفة دون أي كلل أو ملل. فضلاً عن أن هذا الفن «المونودراما» غير مكلف مادياً بينما العروض المسرحية الجماعية بحاجة للمال الكثير. تلك العوامل ساهمت في إنجاز الأعمال المسرحية المونودرامية التي شاركت بها في مهرجانات محلية وعربية ودولية فزادت خبرتي في هذا المجال. ‏

للمجتمع عامة ‏

وإن كان يرى أن المونودراما حققت جماهيرية تذكر أم هي للنخبة فقط؟ يقول: من وجهة نظري أن عرض المونودراما فن طالما قدم حكاية ذات حبكة محكمة وممثلاً مجتهداً,وامتلك مصمم إضاءة رائع وسينوغراف ممتاز، إذاً نحن أمام عرض مسرحي خلاّق. وما تقوله عن «مونودراما»أنها نخبوية، أنا أرفضه لسبب بسيط هو أنه ما دامت العملية الإبداعية مكتملة بشروطها كما قلت قبل قليل، من ممثل ومخرج وجمهور، إذاً نحن أمام عرض مسرحي حقيقي طالما يطرح هموم الإنسان والمجتمع عامة، وهذا لا مجال للشك فيه على أنه عرض للجمهور والمجتمع عامة دون هذه التصنيفات». ‏

الحب الأول ‏

ولعل من الإنصاف أن نأخذ رأي ممثل محترف بهذا الفن فالممثل نوار بلبل الذي جسّد مونودراما «إسماعيل هاملت» أليف حكيم مرزوقي، وإخراج رولا فتال، عام 1999، ثم كتب وأخرج «عالم صغير» جسّدها الممثل حسام الشاه خريج دفعته في المعهد العالي للفنون المسرحية ونال عليها جائزة أفضل ممثل في مهرجان «طهران – زمين» الدولي، لا تزال مونودراما «إسماعيل هاملت» بمثابة الحب الأول الذي لا ينسى حينها لم يكن قد مضى على تخرجي أكثر من ثلاثة أشهر، عندما بدأت خوض التجربة وكانت أيضاً بالنسبة لي بمنزلة التحدي للوقوف على خشبة المسرح منفرداً لإثبات وجودي كممثل بعد التخرج مباشرة، ولعل ما حفزني تلك الثقة المفرطة التي تتوافر لدينا كشباب، ولم يذهب تعبنا أدراج الرياح، هو استقبال العرض بالكثير من الرضى والنجاح، وتم عرضه في أكثر من دولة عربية وأجنبية، فضلاً عن عرضه في سورية، كما أتذكر أن تدريبات العرض كانت تستمر لأكثر من ثماني ساعات يومياً، وأنبه إلى أن «إسماعيل هاملت» هو العرض الذي سبق وأن قدمه الممثل سامر المصري، لكننا قدمناه بصيغة أخرى مختلفة عن صيغته الأولى. أمّا عن كتابته وإخراجه للمونودراما فيما بعد يقول بلبل بعد ما قدمه «إسماعيل هاملت» كممثل بدأت تتشكل فكرة الاستمرار في العمل المسرحي، ولكن هذا يتطلب إمكانيات مادية وبشرية وتقنية، بالإضافة لجهة تتبنى هذا العمل بعيداً عن التسويف والمماطلة، وأذكر حينها أننا دخلنا إلى مكتب مدير المسارح وكان فايز قزق، أستطيع القول إنه تقريباً طردنا لأننا لا نملك أنا وحسام الشاه خبرة كافية ليقوم المسرح القومي بإنتاج عرض لنا، فدخلنا وقتها دون إذن إلى مسرح القباني وعملنا بالخفاء، وخرجنا بعالمنا الصغير الذي تبناه المسرح القومي فيما بعد، وسافرنا به إلى إيران وانتزع حسام جائزة أفضل ممثل، وكنا قد اشتغلنا على هذا العرض بكل شغف وحب وجد، لمدة تتجاوز ستة أشهر. ‏

مسرح الفقير ‏

وأما عن جماهيرية المونورداما, أو نخبويتها فيرى بلبل وبكل صراحة المونودراما بطبيعة الحال هي حاله هروب إلى الأمام من قبل العاملين في المسرح كونها لا تتطلب إمكانيات بشرية ومادية وتقنية كبيرة، وهذا لا ينفي طبعاً أنه أحياناً يتطلب العرض البذخ في هذه الموارد، لكن بالعموم وكما هو معروف المونودراما مسرح ينتمي للمسرح الفقير، والمونودراما شأنها شأن بقية أنواع عروض المسرح يمكن أن تكون للنخبة, ويمكن أن تكون لعامة الناس، كل ما في الأمر كيفية التعاطي معها، أنا شخصياً لم(ولن) أتعاطى يوماً من الأيام مع العرض المسرحي على أنه نخبوي أو عادي، فالتسميات هذه للهروب، المسرح للناس الذين كانوا ولا يزالون الحامل الأساسي للعرض المسرحي. ومن أخطر المعادلات وأصعبها التوفيق ما بين العمل المسرحي المتقن الذي يحترم ذائقة الجمهور وفكره وانتماءاته، وبين العمل الذي لا يحتاج إلى شيفرات ليصل لهذا الجمهور بداعي التجريب, لأنني أكون بهذه الحال أجرب بالجمهور وليس بالعمل المسرحي، فالعرض المسرحي يفترض به أن يكون قريباً من نبض الشارع يلامس همومه وأوجاعه ويحترم ذائقته الجمالية بالوقت نفسه، وهذا ما يسمى بلغة النقد « السهل الممتنع». ‏

على قدم واحدة ‏

لكن عن ماذا تعبّر «المونودراما» حتى دفعت بالممثلين لتأديتها؟ يقول الكاتب نور الدين الهاشمي: إذا كانت المونودراما هي تعبير عن كسر للمألوف وخرق للسائد في سبيل اكتشاف فن مسرحي جديد يعبّر عن الحاجة الدائمة لدى أبناء الغرب للتجديد فإن هذا الفن في بلادنا ليس سوى تعبير عن تصاعد الأزمة التي نعيشها على مختلف الصعد الفنية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية. فالفرق المسرحية التي تتشكل لدينا سرعان ما ينفرط عقدها لأكثر من سبب والكاتب المسرحي صار ثانوياً بالنسبة للمخرج – المعد ثم إن فقدان الحوار مازال يسمم حياتنا ويمنع عنها الضوءِ والانطلاقِ مما أوجد معوّقات لتطور المجتمع فانكفأ نحو القبيلة والعائلة والطائفة. تلك الأسباب جعلت «المونودراما» من أفضل وسائل التعبير عن الحالة المأزومة التي نعيشها. وإن كان يرى الهاشمي أنها ذات تأثير في الجمهور، فيذكر هذا هو السؤال الجوهري الذي يجب أن نسأله هل هذا الفن قادر على التأثير في مجتمع يعاني الجمود والنكوص والدوران المريض المفجع حول ذاته؟ ويجيب إن المونودراما التي أنتجها مجتمع مأزوم هي أسيرة نرجسية الممثل والنص الضعيف والحضور النخبوي. ومن هنا يمكن القول: إن المونودراما فن مسرحي ناقص يحاول السير على قدم واحدة للأسباب الآتية: عندما تشكّل المسرح في عمق التاريخ البشري كان في أحد أطواره حواراً بين الممثل والجوقة التي تعلّق على أفعال البطل خوفاً أو تشجيعاً أو إشفاقاً.. إذاً هناك صوتان يضعان الحدث بطريقة مختلفة تكشف عن التباين وتدفع الحدث للأمام وحين وُجِد الممثل الثاني بدأ المسرح الحقيقي، لأني اكتشف ذاتي من خلال الآخر والآخر يكتشف ذاته من خلالي. والمسرح في جوهره ليس إلاّ كشفاً عن جوهر الذات الإنسانية وخاصة في منعطفات التطور البشري واشتداد الأزمات الوجودية. وتكمن مشكلة المونودراما في نظر الهاشمي في أنّ الآخر مغيَّب أو غائب خلال العرض, والبطل يرسم ذلك الآخر من موشور ذاته فهو الذي يرسمه/ها ويتحدّث عنه/ها، وقد لا تكون كذلك لأنّ المونودراما كفن ممثل وحيد لا يعطيها فرصة الدفاع عن نفسها وتبرير أفعالها بصورة تكاد تقنعنا وهذا ما نراه في النصوص العظيمة. ‏

نحو الخلف ‏

المشكلة الثالثة في المونودراما في نظر الهاشمي هي طريقة روي الأحداث. فهي لا تُروى إلاّ بصيغة الماضي (كان) لأن الأحداث منجزة والنمو الدرامي يسير إلى الخلف كي نكتشف الأحداث التي آلت بالبطل إلى ما هو عليه. وهذا يُفقد العمل المسرحي عنصراً أساسياً وجوهرياً هو التشويق والمتعة والترقب وكشف المجهول وهو الأجمل. كما أنّ فعل (كان) المسيطر يُوقع الدراما غالباً في فن السرد ويكاد الممثل يسير على حبلين خطرين هما الفعل والروي ومن الصعب أن يجمع دائماً بينهما. أما المشكلة الرابعة التي تعاني منها «المونودراما» فتتعلق بالحوار المسرحي وهو الحامل الأساسي للعمل المسرحي إلى جانب الفعل..، فالحوار يتطلب اثنين أو أكثر يتحاورون، ومن أهم وظائف الحوار هو الكشف عن جوهر الشخصية. وكما قال أحد فلاسفة اليونان « تكلم حتى أراك « وحين يغدو الحوار فردياً إثر أزمة عميقة تعصف بهذا الفرد يصبح منولوجاً يختلط فيه الوعي باللاوعي والحقيقي بالمجازي وتختلط الأزمنة والأمكنة، ويبقى في النتيجة حواراً فردياً أسير صاحبه ومأسوراً به. ورغم ذلك لا ينفي الهاشمي حق المونودراما من أن تحيا وتشق طريقها كأي إبداع جديد. لكنها في وضعها الراهن ليست سوى فن فردي ولو ارتدى هذا الفن ثوب المسرح. ولن يستطيع أن يجاري مطلقاً فن المسرح الحقيقي الذي هو فن جماعي في الأساس أوجده البشر لحاجة ملحة كتعبير عن حاجتهم إلى الاجتماع والخروج من ذاتهم الفردية إلى الذات الكبرى للجماعة كي يشعروا بالأمن والأمان ويشاركوا في صنع العرض المسرحي وهم يصنعون الحياة. ‏

ليس أخيراً ‏

صحيح أنه لا يمكن الإدّعاء بقول فصل في فن «المونودراما» وصحيح أن بعض العروض توافر لها عناصر جذب من نص وإخراج جيدين وأداء ممتع، وتظل الآراء الأخرى ممكنة للاختلاف، لكن تظل «المونودراما» غير محفزّة لنا للمضي نحو صالة المسرح للأسباب التي ذكرها الكاتب الهاشمي، إذ إن المفاجأة في الفن إن لم تتوافر فهي مقتل له، ومن المؤكد أن لغيرنا آراء تختلف وربما تناقض رأينا. ‏