2012/07/04

الجزيرة.. الرقم الصعب في الإعلام العربي
الجزيرة.. الرقم الصعب في الإعلام العربي

عهـد صبيحـة


استطاعت قناة "الجزيرة" إشغال الشارع العربي، في الآونة الأخيرة، بتغطيتها المميزة لبطولة أمم أسيا في كرة القدم المقامة حالياً في دولة قطر، وليس ذلك بغريب على قناة اعتادت شغل الرأي العام بمتابعتها لأي حدث، بل وبمشاركتها في صنع الحدث أحياناً. أما بالنسبة لبطولة آسيا فإنني أكاد أجزم أن تغطية الجزيرة الرياضية للبطولة أضافت نكهة خاصة لها سواء بالتحليل الفني أو التحكيمي أو الإخباري أو حتى بأصوات معلقيها العذبة على آذان عشاق الكرة العرب.

ولكي لا أتَّهم بالانحياز فوراً (كما هي عادتنا عندما يشيد أحدنا بمؤسسة ما) أقول إنني في هذا المقام أتحدث عن مهنية وحرفية هذه القناة في التعامل مع أي حدث، فقط، بعيداً عن اتجاه معين صبغَت به القناةُ نفسها في السنوات الأخيرة في تعاملها مع القضايا العربية، وبعيداً عن دورها الايجابي في تعاملها مع قضية العرب الأولى، النزاع العربي الإسرائيلي، والذي يحلو للكثيرين من المتابعين العرب التشكيك بصدق هذا التعامل لأسباب تتعلق بسياسات بلادهم، ربما، أو لمواقف شخصية لا تفصل بين الحرفية والموقف السياسي. هنا أطرح مثالاً القنوات الأمريكية المحترفة التي، بشكل ما، مع محافظتها على حرفيتها، تنحاز لمواقف بلادها وان كانت تحاول جاهدة عدم الوقوع في هذا الفخ، لكن هذا الأمر برأيي مرتبط بالطبيعة الإنسانية فلا أعتقد بوجود مؤسسة إعلامية في العالم مستقلة تمام الاستقلال.

بداية لم تُظهِر القناة، على مدى سنين عمرها الممتدة منذ عام 1996، انتماءً لأية دولة أو نظام، ومع أنها تبث برامجها من قطر لكن ذلك لم يجعل قطر محور ساعات بثها بل إن شؤون هذه الدولة هي الأقل في ساعات بث القناة، كما غطت القناة، بشكل مهني، كلَّ الأحداث التي مرّت بالعالم العربي وكانت موجودة بمراسليها وتقاريرها في مكان الحدث دائماً، ولم تعتمد المراجع الرسمية مصادر أخبارها بل تعدتها إلى المصادر غير الرسمية، وبذلك انتهجت منهجاً جديداً في الإعلام العربي المنبثق من أرض عربية، منهج مخالف لسابقه المعتمد على المصادر الرسمية في أخباره لعقود.

كذلك ساهمت القناة في توجيه وتثقيف الرأي العام العربي من خلال البرامج التفاعلية والإضاءة على رأي الشارع، وتميزت ببرامجها المثيرة للجدل والمبنية على الرأي والرأي الآخر، ولمَعَ نجم مقدمي هذه البرامج من فيصل القاسم ببرنامجه "الاتجاه المعاكس" إلى أحمد منصور ببرنامجه "بلا حدود" إلى غسان بن جدو ببرنامجه "حوار مفتوح"، وبذلك استطاعت إشباع حاجة المشاهد العربي من خلال متابعة الخبر بالتحليل والنقد وإظهار تباين الآراء واقتران الأخبار بالتسجيل الصوتي أو التلفزيوني المرتبط بالخبر.

في جانب آخر اعتمدت القناة سياسة التدريب والتأهيل، فبالإضافة إلى تأهيل معديها ومحرريها ومقدمي برامجها الواضح، أنشأت مراكز تدريب لها في عدة دول عربية ترفدها دائماً بالجديد، كما امتد بثُها ليشمل العالم كله من خلال قناتها الناطقة بالانكليزية والتي تنافس حالياً كبريات المؤسسات الإعلامية العالمية، وشغّلت عدداً من القنوات المتخصصة كقناة "الجزيرة للأطفال" وقنوات "الجزيرة الرياضية" و"الجزيرة مباشر" و"الجزيرة الوثائقية".

بالميزات التي ذكرت، تقف "الجزيرة" وحيدة في السيطرة على سوق الإعلام الفضائي المحترف في العالم العربي، بعيدة عن منافسة افتراضية مع زميلاتها الفضائيات اللاتي جئن بعدها مثل "العربية" (أسست عام 2003) أو "بي بي سي" العربية (2008) أو "يورو نيوز" العربية (2008) أو "روسيا اليوم" (2007).

أجدُ نفسي، في زخم الحديث عن مهنية العمل الفضائي الإعلامي، متسائلاً: هل ننتظر "الجزيرة دراما" لتحقق المعادلة الصعبة في سوق الدراما العربية؟!