2013/05/29

وداعـــــاً.. مهــــران يــــوســـــــف مـــــذيـــــــــــع ســــــــوريــــــة الأول
وداعـــــاً.. مهــــران يــــوســـــــف مـــــذيـــــــــــع ســــــــوريــــــة الأول


أمينــة عبــــاس - البعث


>  ها هو يبين في بعض حواراته أنه وبعد نيله شهادة الثانوية سعى لتحقيق حلم الطفولة في أن يكون طياراً، وكاد أن يتحقق حلمه هذا بعد أن تم استدعاؤه للالتحاق بالكلية الجوية التي نجح فيها، إلا أن خوف أخيه الكبير عليه والذي تولى تربيته بعد وفاة والده وهو في عمر العشر سنوات جعله يضحّي بهذا الحلم ليعمل مديراً لمدرسة ابتدائية خاصة، ولأنه في هذه المرحلة كان مولعاً بسماع الإذاعات فما إن تمّ الإعلان عن مسابقة لاختيار مذيعين عام 1962 حتى تقدم إليها فكان من الناجحين فيها إلى جانب عدد من زملائه أمثال محمد قطان، فاطمة خزندار، أحمد زين العابدين، لتكون البداية كالعادة من خلال الإذاعة، وفي هذه الفترة أهمل الراحل يوسف دراسته في الجامعة وانتقل من كلية إلى أخرى دون أن ينجح في الحصول على الشهادة الجامعية بسبب انشغاله بالعمل الإذاعي، وقد ظلّ كذلك إلى أن التقى ذات يوم بمدير الإذاعة والتلفزيون آنذاك عطية الجودة الذي أسمعه كلمات قاسية بسبب إهماله لدراسته الجامعية، حينها قرر متابعة الدراسة إلى أن حصل على إجازة في الأدب العربي .

وبعد عمله لفترة في الإذاعة انتقل إلى التليفزيون، وفي المرحلة الأولى لتأسيسه قدم عدداً من البرامج المتميزة رغم الإمكانيات المتواضعة التي كان يمتلكها التلفزيون آنذاك، ليعاصر فترة البرامج التي كانت تأتي من القاهرة نتيجة التبادل أيام الوحدة، وفترة الانفصال، ومن ثم ثورة الثامن من آذار، فمرحلة الانتقال من البث بالأبيض والأسود إلى البثّ الملوّن وقد قدم الراحل في بداياته البرامج السياسية، ولاحقاً برنامج "مجلة التلفزيون" إلى جانب العديد من برامج المسابقات، وكان يعتز كثيراً ببرامجه التي قدمها كـ "أبيض وأسود" و"حظّك" وبرنامج "أبراج" وكلها بالأبيض والأسود، وعندما صار البثّ بالألوان قدم برنامجه الشهير "الحظ وشيء آخر" الذي جمع بين فقرات المسابقات والفقرات الفنية الغنائية التي استضاف فيها بعضاً من نجوم الغناء في سورية والوطن العربي، كما لا يمكن للمشاهد أن ينسى تغطيته المميزة لرحلة الفضاء السورية-السوفييتية عام 1987 كماارتبطت صورة الراحل وصوته بالأحاديث التي كان يدلي بها القائد الراحل حافظ الأسد وهو الذي تخصص بقراءتها بشكل دائم عبر الإعلام، ولذلك يؤكد في حديث له أن قراءته لنبأ وفاة القائد حافظ الأسد كانت من أصعب المواقف التي مرّ بها خلال مسيرته الإعلامية، خاصة وأن الراحل الخالد كان لا يرفض للإعلاميين طلباً.

أما برنامجه "سؤال عالماشي" فكان آخر برنامج يقدمه في التلفزيون وكان يعتمد على المعلومة السريعة حول مسميات الشوارع والساحات والأحياء في دمشق وبعض المدن السورية، ليبقى حتى المرحلة الأخيرة من عمله التلفزيوني يقدم نشرات الأخبار المحلية بأسلوب اتسم بالجرأة وهو يتابع فيها قضايا المواطنين من خلال طرح مشاكلهم على المعنيين مباشرة عبر الهاتف .

المذيع ليس موظفاً


كان الراحل مؤمناً بأن التلفزيون أداة للتوعية والتثقيف والتسلية، كما كان مدركاً لأهمية تحقيق التواصل بين الجمهور ومعدّ البرامج، وكان دائماً يرى أن الإعلامي الواثق من نفسه والمطّلع والمتفاني في عمله قادر على مواجهة كل الصعوبات التي قد يواجهها أثناء عمله: "إذا لم يحبّ المذيع مهنته فلا يمكنه أن ينجح، فالمذيع ليس موظفاً عادياً يأتي إلى دوامه ويذهب في آخر النهار" كما كان يؤكد على أن أول ما يحتاجه المذيع هو اللغة السليمة والنطق السليم والصوت المميز والثقافة العامة الجيدة والحضور وسرعة البديهة، فهذه العناصر برأيه تخلق المذيع الجيد وتتيح له الاستمرارية، ولطالما تحدث الراحل في حواراته عن الرقابة على كل ما كان يقدمه المذيع، وخاصة في مجالات الأخبار فيُسأل عن الأخطاء التي يقع فيها وهذا ما جعل المذيعين من أبناء جيله لا يستسهلون عملهم فيتعاملون معه بالجدية المطلوبة التي أصبحت شيئاً فشيئاً مفتقدة لدى الأجيال الأخرى اللاحقة التي عاصرها: "كنتُ أحضر إلى مكتبي قبل ساعتين لتحضير نشرة الأخبار، في حين أن البعض من المذيعين الجدد كان يأتي قبل خمس دقائق من بدء النشرة، وكل همّهم الشهرة والنجومية" .

«بلدي بالدنيا»

أخلص الراحل لعمله في التلفزيون السوري لآخر لحظة وكان يحزنه كثيراً أن مشاهدنا كان يلجأ إلى المحطات الأخرى لمتابعتها، ومن هنا كان حلمه أن تصبح شاشاتنا السورية مشاهَدة من قبل الجمهور السوري أولاً ومن ثمّ الجمهور العربي، لذلك وعلى الرغم من كل المغريات الكثيرة التي قدمت إليه لم يغرِه العمل في المحطات الفضائية العربية، وقد رفض كل العروض المقدّمة إليه لأنه كان يحب العيش في بلده على الحلوة والمرّة وهو الذي كان يردد : "عندي بلدي بالدنيا" .