2013/09/30

الحكواتية الدمشقية
الحكواتية الدمشقية

 

سامر محمد إسماعيل – تشرين

 

 

لا يمكن إسقاط اسم سامية الجزائري من جيل الرواد، فهذه المرأة التي أطلت علينا في ستينيات القرن الفائت وجهاً من وجوه كوميديا الأبيض والأسود التي كان أبرزها مسلسل «صح النوم»

أو بداية عصر التلوين في التلفزيون العربي السوري نهاية السبعينيات في « وين الغلط»  استطاعت على الفور أن تشد الأنظار نحوها، مرةً عبر أنموذج المرأة النزقة، ومرةً بشخصية المرأة القوية طيبة القلب، إذ لم تلجأ «الجزائري»  إلى تصنيع الكاركتر أسوةً بأبناء وبنات جيلها، فالمرأة التي رأيناها في أوتيل «صح النوم»  بدور «أم عنتر»  المرأة الشامية الخارجة لتوّها من الحرملك الشامي، ستعود إلينا في دور «أم ياسين»  كامرأة شابة وجميلة، وقد تبدو أول وهلة من عمر ابنها «ياسينو- الراحل ياسين بقوش»  لكنها ستحتال علينا مجدداً عبر قِماط الرأس ومِقشّة ربات المنازل في مشهد لا يُنسى من أرشيف الكوميديا الشعبية المعاصرة، مشهد صاحبة البيت التي تضبط مستأجريّها «غوار وأبو عنتر»  في حلق ثلاجة منزلها، روح مرحة لهذه المرأة حتى عندما تسدد الضربات لرجلين أمام الكاميرا، أو حتى في تلك المشاهد التي يحتفظ بها أرشيف التلفزيون لفنانة أجادت تشخيص أنموذج المرأة الدمشقية الحكاءة، امرأة الأمثال والمأثور الدمشقي، امرأة الطرفة «أم جندل»  المغرمة بمباريات كرة القدم. حوارات مطوّلة لهذه الفنانة قوامها الذاكرة الشعبية، مرونة نبرتها أمام الكاميرا، وسليقة تعابيرها في تصنيع الشائق والمرح والنقد اللاذع من دون الإخلال بأنموذج الشخصية التي تريد تقديمها بأبهى حُللِها القريبة من قلب المشاهد.

الجزائري ستغيب قليلاً لتعود في أجمل حللها «عيلة خمس نجوم»  مع المخرج هشام شربتجي؛ إذ ستُفاجئ الجميع بهذه القدرة على التجدد، لتقدم في هذا العرض برفقة أمل عرفة وأندريه سكاف ورياض شحرور فاتحة مسلسلات السيتكوم، طاقة أخاذة لشخصية «أم أحمد»  في عشرات المشاهد لأم تتدبّر أمر بيتها وأولادها بعد رحيل زوجها.. لعبٌ لانهائي ستديره هذه السيدة بتلوينات صوتية ونسج لحوارات متصاعدة؛ ناهلةً من معينها الشعبي. مرةً أُخرى ستسلب هذه المرأة قلوب متفرجيها، مرةً أخرى ستثبت لنا «أم أحمد»  أنها قادرة على مواكبة العصر والتفوق عليه، بل تصنيعه إلى ما لا نهاية؛ قدرة على مزاولة التمثيل رغم مزاج شركات الإنتاج، والهبوط بمستوى الكوميديا الشعبية التي راهنت عليها الجزائري منذ بداية مشوارها الفني، لكنها في الوقت ذاته حافظت على كيانها الشخصي في أعمالها الاجتماعية الأخرى، ولاسيما في أداء نوعي لدور الأم في مسلسل «شتاء ساخن»  فمن يصدق أنها هي ذاتها تلك المرأة السليطة اللسان في أعمال السيتكوم؟ من يصدق أن الجزائري لديها هذه القدرة العجيبة على الانتقال من الكوميديا إلى التراجيديا بهذه السلاسة، راقبوها فقط في دور «الحجي»  الذي أدته في مسرحية «غربة»  مع «أسرة تشرين» ، لاحظوا تلك المهارة في تقديم سامية لدور العرافة، الأم الجماعية لضيعة الغربة، الجدة والأم في آنٍ معاً.