2013/10/24

أمية ملص
أمية ملص

مجلة لها

 

 

بعد تخرجها من المعهد العالي للفنون المسرحية عام 1992 ومشاركتها في أفلام السينما السورية «الليل»، «أحلام المدينة»، «باب المقام» ومسلسلي «الخوالي» و«باب الحارة»، تُصرّ أميّة ملص بوجهها القريب من قلب المشاهد على أن الحياة أكبر بكثير من تنظيرات الفنانين، فهل كان خيارها الذهاب نحو مهنة التمثيل نتيجة حلم أم أنه أتى بالمصادفة؟

«لها» التقت النجمة السورية أميّة ملص وكان هو الحوار:

 

 

- كيف جئتِ إلى مهنة التمثيل؟ وما هي بداياتكِ في هذا المجال؟

 

الحكاية بدأت من العدوى التي نقلها لي والدي المخرج السينمائي محمد ملص ومن المشاوير الأولى معهُ إلى صالات السينما، لكن وبعد أن كبرتُ قليلاً أصبح الموضوع مختلفاً تماماً، وتحوّل الأمر من عدوى إلى غيرة أصابت تلك الصبية الصغيرة تجاه الأب السينمائي المثقف والمتحدث بطلاقة، فحاولت أن أخطف بعضاً من ذلك الضوء الذي يحيط أبي بهالة من الحضور الاجتماعي، ومع ترددي إلى حفلات السينما الأسبوعية التي كانت تُقام في النادي الاجتماعي في الطلياني برفقة أبي وصديقه المخرج الراحل عمر أميرلاي أعجبتني نجمات السينما في الأفلام، جمالهن وجرأتهن وقدرتهن على خطف الأضواء.

 

- لكن أين أنتِ اليوم من النجومية ولماذا نرى أميّة ملص غالباً في أدوار الصف الثاني بدلاً من البطولة؟

 

أن أكون نجمة شباك تذاكر للسينما هو أمر يتعلق بالإنتاج السينمائي السوري خصوصاً والعربي عموماً، وإذا ما قصدتُ على صعيد الدراما التلفزيونية بأن أكون نجمة شركات الإنتاج التي تضع فنانات تحت الطلب وتحدد لهن مواصفات، فهذا له علاقة بذوق المنتج وعلاقاته الشخصية مع الممثلات، ثم أنني لا أخضع لأي مزاج تفرضه عليّ شركات الإنتاج، ولست ممن يستهويهن منتجو الدراما في سورية، فعلاقتي واضحة مع الجميع وبعيدة عن كل الشبهات التي تتعلق بهذه الأذواق التسويقية.

 

- ماذا عن التوفيق بين الإبداع الفني والالتزام العائلي تجاه ابنتيكِ وعائلتكِ؟

 

هناك الكثير من المبدعين والفنانين الذين أهملوا أسرهم لأجل فنهم ومشاريعهم الثقافية، هذا السلوك يجعل من المثقف أو الفنان مجرد خزان من المعلومات دون أن تكون هذه المعلومات سبباً لزيادة الوعي عند هذا المثقف، أي بلا أية ممارسة للأفكار الأخلاقية والروحية التي يتبناها، بل التنظير إلى ما لا نهاية دون أي شعور بالآخر.

بالنسبة إليّ كأم، عليّ أن أكون على تواصل دائم مع ابنتيّ وهذا برأيي لا يتعارض مع كوني فنانة أو مثقفة، بالعكس يجب أن أستغل ثقافتي ومعرفتي الفنية في إقامة أقوى العلاقات مع أبنائي، وهذا ما أقوم به اليوم مع ابنتيّ شاهي وشيرين عبر اهتمامي اليومي بأدق تفاصيل حاجاتهما ومشاكلهما حتى الصغيرة منها.

 

- أفهم من كلامكِ أنكِ منسجمة مع فنكِ وعائلتكِ الصغيرة؟

 

طبعاً منسجمة، فلماذا يذهب الفنان للابتعاد عن أسرته وقطع أواصر العائلة والتركيز على عمله، بينما الفن في نهاية الأمر هو رسالة إنسانية تحض أولاً على صلة الرحم وتعزيز العلاقات الإنسانية بين أفراد الأسرة الواحدة. ولهذا أعترف ومن خلال تجربتي بأن التاجر أو العامل يعيش حياة أُسرية سعيدة أكثر من المثقف أو الفنان.

 

- ماذا عن قرب الشخصية التي لعبتها في مسلسلات البيئة الشامية كمسلسل «باب الحارة» من شخصية أميّة ملص؟

 

الشخصيات التي أديتها في «باب الحارة» تشبهني كثيراً... فرغم دراستي للتمثيل في أكاديمية عليا وقراءتي للأدب العالمي أبقى امرأة دمشقية، امرأة تحب حارات الشام وروائح نباتاتها وأزهارها، أحب النارنج والياسمين الأصفر.

ورغم أني أسكن في حي حديث بدمشق، زرعتُ مع أمي في حديقة البيت كل أنواع الأشجار والأزهار الشامية. طبعاً لا أحب ذلك الجانب المتخلف من الحارة الدمشقية، لكن علينا الاعتراف بأن للرجل دوراً مختلفاً عن دور المرأة، ولكل وظائفه التي يجب عليه القيام بها في الأسرة الواحدة، وهذا ما لا تستطيع الثقافة أن تزوّره أو أن تحتال عليه مهما بلغت المرأة من المراتب العلمية والثقافية في المجتمع، ففي النهاية أنا امرأة تحتاج إلى الحنان والكلمة الرقيقة، وإلى كتفٍ قوية ألقي عليها رأسي المتعبة.

 

- لكن هل تؤيدين سطوة الرجل التي تصوّرها مسلسلات البيئة الشامية على النساء؟

 

 لا أحب ذلك، لكنني لا أستطيع أن أكون رجلاً وامرأة معاً، فلكل صفاته الجسدية والعاطفية التي لا ينبغي الخلط بينها، وهذا لا يتعلق بحبي لسطوة الرجل، بل بمعرفتي بواجباتي تجاهه، شرط ألا يتغاضى هو عن واجباته تجاهي، وأن يكون هناك احترام وثقة متبادلان بينهما.

فما ألاحظه اليوم أن هناك هيمنة للمرأة على الرجل، وهذا ليس مستحباً في مجتمعاتنا الشرقية، ولهذا أحب شخصية «أبو عصام» في «باب الحارة» فرغم ما يبدو عليه من قسوة وسطوة إلا أنه عاطفي من الداخل وحساس ويهتم بشؤون أسرته، وأعتقد أن شخصية «أبو عصام» لم تعد موجودة اليوم، وأنا شخصياً أبحث عن شبيه بهذه الشخصية في الواقع لكني حتى الآن لم أجدها.

 

- ما الذي لفت انتباهكِ في شخصية «أبو عصام» لتذكريها بعد انقضاء هذه السنوات من مشاركتكِ في مسلسل «باب الحارة»؟

 

ما لفت انتباهي في شخصية «أبو عصام» أنها شخصية تقدّر المرأة وتحترمها، وتعتبرها أساساً من أساسيات استقرار البيت والأسرة، فأنا أقدّر عالياً «أبو عصام» الذي استطاع أن يكسب احترام زوجته دون أن يفرض ذلك عليها، ومن الجميل أن تحترم النساء في «باب الحارة» رجالهن بإرادتهن وليس لسببٍ آخر، كما هو اليوم في عصرنا هذا.

 

- لعبتِ في «باب الحارة» دور ابنة «أبو عصام» فهل كنت ترغبين في أن تلعبي دور زوجته؟

 

لا لم أرغب أن أكون في دور الزوجة، بل أحببت جداً أن أكون ابنته، شخصياً أحب أن يكون أبي هو «أبو عصام»، حقيقةً أتمنى أن أتزوج شخصاً عادياً وليس رجلاً مثقفاً، وما خرجت به من تجربتي الشخصية هو أن قيم مجتمعنا هي الطريق الأسلم لأي نوع من الحياة المشتركة الأسرية والزوجية.

 

- لكن ماذا تقولين عن المفارقة التي يعيشها المشاهد هذه الأيام بما تطرحه مسلسلات البيئة الشامية عن نموذج «المرأة –الحرملك» وبين نموذج «فطوم حيص بيص» التي قدمتها الدراما التلفزيونية في بداياتها؟

 

صحيح هناك مفارقة. هذا يتعلق بشركات الإنتاج التي تحاول أن تكرّس نوعاً واحداً من النساء أو الرجال، و نمط «فطوم حيص بيص» كان نمطاً لامرأة مستقلة مادياً، فالرجال يشتغلون عندها وهذا النموذج انتهى مع المسلسلات التي قدمها الثنائي دريد ونهاد، لكن عليكَ أن تلاحظ أن «فطوم» كانت أيضاً تسعى أن يكون الرجل الذي تحب من نصيبها، وكانت تفعل كل شيء من أجل الفوز به.

للأسف ما تفعلهُ شركات الإنتاج أنها تعيد تدوير شخصيات نجحت في هذا المسلسل أو ذاك لمجرد نجاحها في سوق التوزيع، وهذا برأيي خطأ فادح على الدراما أن تتجاوزه...

 

و الفن وما هي مهمة الفنان تجاه أسرته؟

 

الفن برأيي هو أن نتمسك بالأسرة لأنها النواة لكل القيم التي يعتز بها الإنسان، أما قشور الثقافة وحب الظهور الذي يميّز معظم فنانينا فتقودهم إلى نظرة غير عميقة إلى معنى الحياة ودفء الأسرة التي تصبو المرأة إلى بنائها، للأسف.