2013/11/02

دنيا سمير غانم
دنيا سمير غانم

 

مارلين سلوم – دار الخليج

 

 

كيف يخرج الضوء من عتمة ثقافة “هز البطون وضجيج الأصوات وعري الفكر”؟ كيف يمكن لروح شبابية أن تخترق فيديو كليبات “البوتوكس” المنتشرة وغابات الابتذال والتصنع دون أن تتلوث، فتظهر على الشاشة بكل نقاء الفن الجميل، وبصفاء الروح المشتاقة إلى الهدوء والمشاعر الشفافة الراقية، وإلى ملامسة روح الإنسان بلا أوبئة العصر الحديث؟

 

الضوضاء وكثرة الانحطاط والتردي في الذوق، تجبر حواسك على الانصياع إلى ما هو متاح، وتأخذك رغماً عنك إلى عوالم لا ترغب في وجودها، فإما أن تُجاريها وتتعود عليها، وإما أن تبقى تُعاندها وترفضها “حتى لو كنت آخر صوت معارض لها” . . إلى أن تنبت زهرة بين الأشواك، فتتأكد أنك محق في مبادئك وفي عنادك، فتتمسك بهما أكثر، وتُصرّ على المطالبة بالمزيد من “النظافة” السمعية والبصرية، وفتح أبواب الفن الراقي أمام المواهب الشابة وما أكثرها .

 

دنيا سمير غانم هي تلك الزهرة التي نبتت بين أشواك الفيديو كليب في “قصة شتا” وسط غابات الشاشات المظلمة . فنانة تربت على الفن الأصيل، لكنها لم تولد وفي فمها ملعقة من الشهرة والأضواء، بل بقيت مع أختها إيمي بعيدتين عن الصحافة والفن بكل أشكاله وألوانه، إلى أن قدمت نفسها بنفسها دون وساطة والدها سمير غانم أو والدتها دلال عبد العزيز، فأثبتت أنها أكثر منهما موهبة وشطارة، وكبرت في عيون الجمهور بفضل أدائها الرائع في التمثيل وبمختلف الألوان الدرامية والتراجيدية والكوميدية، وعلى الشاشتين الكبيرة والصغيرة . ورغم إدراكها لجمال صوتها، لم تفرد عضلاتها لتظهر “بطلة شاملة”، كما تفعل فئة من “الحسناوات” يفرضن أنفسهن في كل المجالات رغم أنف الفن وأهله والجمهور .

 

تركت الجمهور يكتشف موهبتها الغنائية رويداً رويداً، وكأنها أرادت جس النبض أولاً قبل أن “تتجرأ” على احتراف الغناء وتقديم ألبوم كامل باسمها وصوتها . نوع من احترام الذات والفن والجمهور . وحين قدمت نفسها مغنية، بدت مختلفة تماماً عما هو سائد، فتميزت واستحقت الاحترام والنجاح، خصوصاً أنها سبحت عكس التيار، لتقدم لنا صوتها بنقائه، وتجبر المشاهدين الشباب الذين اعتادوا الصخب والضجيج والصور الغنائية “الخليعة”، بمعنى خلع الملابس والعري، إضافة إلى شتى أنواع الإغراء في الرقص والإيحاءات . . على اللحاق بها والاستماع إليها ثم الاستمتاع بما قدمته من غناء جميل في ألبومها الأول “واحدة تانية خالص” .

 

دنيا في هذا الألبوم واحدة تانية خالص عن معظم السائد اليوم وأبناء جيلها . لم تبحث عن التنقل بين أسماء كثيرة لتجمع المجد من أطرافه كما يقولون، بل اكتفت بالتعاون مع ثلاثة أسماء فقط في الاثنتي عشرة أغنية التي قدمتها، فتولى أمير طعيمة الكلمات وهشام جمال الألحان ومادي التوزيع، والإنتاج لشركة “روزناما ريكوردز” .

 

فيديو كليب “قصة شتا” هو أيضاً “واحد تاني”، لأنه مختلف تماماً عن كل ما يتم عرضه الآن . لا تحاول أن تبحث عن اسم مخرج أو عن دنيا سمير غانم فيه، فهو كلمات تتساقط كزخات المطر في كل الاتجاهات، لتتناغم مع الكلمات الهادئة الرومانسية، ومع دفء صوت دنيا . هذه البساطة في الفكرة والفيديو، وعدم ظهور المغنية لتتباهى بجسدها وقدها الميّاس والماكياج والشعر، دفعا الناس إلى مشاهدتها بلهفة كبيرة لم يسبق لها نظير في عالم الأغنية العربية، فحققت بجدارة الرقم الثالث عالمياً والأول عربياً من حيث المشاهدة عبر اليوتيوب، بأكثر من خمسة ملايين مشاهدة بعد 7 أيام من طرحها فقط . ومعها أصبحت دنيا أول مغنية عربية تحصد هذا الرقم، ومنذ عملها الغنائي الأول، علماً بأنها لم تطرح الألبوم كاملاً في الأسواق بعد، بل أطلقت ثلاث أغنيات منه، حققت إحداها كل هذا النجاح لتبشر بنجاح أكبر للألبوم عند صدوره .

 

للأسف، كثير من المغنيات صاحبات الأصوات الرائعة والخبرة الطويلة في الفن، انجرفن وراء “بهرجة” الصورة، وقدمن فيديو كليبات تتركز على الجسد والشكل و”البطولات النسائية الخارقة”، ولم يلتفتن إلى أن أصواتهن هي جواهرهن الثمينة، والجمهور لا يريد أكثر منها . ذهبن إلى منافسة العارضات والمتطفلات على الغناء بالشكل والتجميل، ولم يتحصنّ بأصواتهن في رهانهن على الجمهور . ولو فعلن وقدمن كليباً بسيطاً بكلمات وألحان جميلة فقط، لاكتشفن أن السر في الفن الراقي لا الهابط، وأن الجمهور يحب “الذوق الرفيع” والبساطة وإن فرض عليه بعض التجار الصخب في كل شيء . على أمل بأن تكمل دنيا مشوارها في تحدي الموجة السائدة، وإن واجهت الكثير من العواصف والمغريات، لأنها تقدم الفن في قالب من ذهب .