2014/01/19

الأم في الدراما السورية
الأم في الدراما السورية

 

لؤي ماجد سلمان – تشرين

 

 

لا تزال رؤية المتابع أو الناقد لأعمال الدراما السورية التي تتعلق بالمرأة السورية عموماً قاصرة، لاسيما أنه لا يفصل بين الأنثى الأم، الأخت، الزوجة، الابنة وبين شخصيتها الدرامية،

 فالأغلبية يعتبرون الدراما السورية لم تعطِ الأم حقها وهمشتها، ولم تقدمها إلا بشكل جزئي أو منقوص«ساذجة، خانعة، أو أميّة» تظهر في الأعمال الدرامية كشخصية مكملة، علماً بأن من يتابع مسيرة الحركة الدرامية منذ بدايتها في الأبيض والأسود ستينيات القرن الفائت إلى هذا التاريخ سيدرك أنه بالكاد يخلو عمل من دور الأم حتى لو قدمها بشكل سطحي، أو جانبي، فمع تقدم المجتمع، وتقدم المرأة إلى واجهة العمل الاجتماعي نجد أن الأعمال الدرامية سايرت هذا التطور بشكل موازٍ، لتتحول النصوص الدرامية من نصوص تتعامل مع دور الأم بسطحية وكربة منزل إلى نصوص تطرح هذه الشخصية بشكل مؤثر، وعميق، فحين قدمتها بشكلها التراجيدي البسيط، كانت تريد أن تعكس صورة الأم في المجتمع بواقعيتها، أما بعد التطور الذي ذكرناه تناولتها كشخصية مركبة، وأحياناً معقدة، معالجة بشكل درامي دقيق، وبأنماط مختلفة تناسب تطورها الحقيقي في المجتمع، إذ قدمتها للمشاهد السوري بنماذج مختلفة، بدءاً بشكلها الرمزي الذي شاهدناه في سلسلة «صح النوم» بأغنية «يامو ياست الحبايب» أثناء احتفاء إدارة السجن والمساجين بعيد الأم، والذي بقي راسخاً في أذهاننا، وله التأثير البالغ في ضمير المشاهد العربي حتى هذه الساعة، علماً أننا لم نشاهد والدة الطوشة، أو والدة أحد من المساجين بشكل مباشر، إضافة إلى الأفلام السينمائية، وبعض الأعمال في أرشيفنا الدرامي الذي ضم أعمالاً عديدة، كانت الأم عمودها الفقري كمسلسل «الحوت» للمخرج رضوان شاهين ومسلسل «أمهات» تأليف :أحمد حامد وإخراج: سمير حسن، غير أن أغلبية الأعمال التي حافظت على النمط الحقيقي للأم كان هدفها إبراز دور الأم في الحفاظ على رسالتها الإنسانية، ولا يمكن لأحد منا أن يتصور الأم في الأعمال الدرامية بعيداً عن هذا الشكل، الذي بدوره كرّس ظاهرة «الفنانة الأم» على نحو..«نبيلة النابلسي، هالة شوكت، منى واصف، نجاح حفيظ، نجاح العبد الله، أنطوانيت نجيب، ثناء دبسي» واللاتي حولتهن الدراما السورية إلى أيقونات لا يمكننا أن نتخيل الأم السورية بعيداً عنهن، حتى باتت أدوارهن التي يقدمنها لا تقاس بعدد المشاهد، أو من الضروري أن ترتبط بالبطولة، فما قدمته الفنانة نجاح العبدالله في الزير سالم بدور «ضباع» كان استثنائياً؛ أو حتى في مسلسل «الكواسر» في شخصية الأم التي فقدت ولدها، وتحول نواحها إلى أنين يصم أذان أهل القبيلة، أيضاً ما قدمته الفنانة الراحلة نبيلة النابلسي في مسلسل «ليس سراباً» للمخرج المثنى صبح بدور «أم جلال» يبين لنا أن البطولة ليست شرطاً لإظهار دور الأم، علماً أن هناك أعمالاً اتخذت صفة المباشرة وكانت مخصصة لتقديم الأم، الشيء الذي لم تفعله الدراما تجاه الأب مثلاً، أو اليافعين، أو الأطفال، ولم تتوقف الدراما عن تصدير الأمهات للمشاهد السوري، حيث ثابرت على تقديم أيقونات جديدة كالفنانة سلمى المصري،سمر سامي، وسامية جزائري، نادين خوري، وضحى الدبس وغيرهن بنماذج مختلفة، ففي بعض الأعمال الدرامية لم تكتف بنموذج واحد، كمسلسل «غزلان في غابة الذئاب» الذي قدم لنا الأم المترفة الشاعرة والذي قدمته الفنانة صباح بركات، والأرملة الفقيرة ثناء دبسي التي جاهدت للحفاظ على عائلتها والتصدي بشجاعة لكل من يحاول الإساءة إليها، كما قامت الفنانة نادين خوري بدور الزوجة المثقفة الهادئة التي حاولت الحفاظ على بيتها وزوجها بطرق حضارية بعيدة عن انفعالات المرأة.في مسلسل «شتاء ساخن» قدمت الشاشة الصغيرة الأم القوية سحر فوزي التي رفضت التستر على ولدها المجرم، والفنانة ضحى الدبس الأم المنكوبة بصمت تجاه الأحداث التي تمر فيها أفراد عائلتها، والفنانة القديرة سامية جزائري التي وزعت عواطفها بين ولدها المتخلف عقلياً، وابنها المجرم، وحفيدها المتزمت، لكنها بقيت صامدة حتى النهاية، ومن منا لا يذكر مسلسل «الفصول الأربعة» الذي قدم نماذج مختلفة عن الأمهات من الأم الحنونة نبيلة النابلسي التي تريد إرضاء وتحقيق رغبات بناتها الأمهات.. الأم الفاتنة الفنانة سلمى المصري زوجة رجل الأعمال الثري، التي لا تهمل أناقتها، والفنانة مها المصري، زوجة «نجيب-بسام كوسا»، والتي دأبت لإصلاح العلاقة بين زوجها وأهلها، مع احتفاظها بقهر حملته منذ الطفولة لإحساسها بالتمييز العائلي والطبقي، كما أن مسلسل «أشواك ناعمة» قدم لنا الأم العاملة التي وازنت بين عملها كمرشدة اجتماعية لطالباتها، وبين عائلتها ومشكلاتها فولدها المعوق «أدى الدور الفنان قصي خولي» يحتاج لمعاملة خاصة، والطفل المراهق يحضر أفلام خلاعية إلى البيت، مع حفاظها على علاقة رومانسية مع زوجها.

بدورها قدمت سحر فوزي الأم المستكينة التي ترتعد كبناتها من الأب المعقد، ووالدة ندين تحسين بك المتعلمة، والمسيطرة على مشاعر ابنتها وابتسامتها إلى درجة التعقيد.

 أيضاً مسلسلات البيئة الشامية نلاحظ فيها أنه لم يتم الفصل بين دور الأنثى الزوجة، والأنثى الأم، فالتسلط لم يكن على شخصية الأم كما عدّ بعض النقاد، وهموم الأم لم تكن محصورة في السجقات والقبوات، وإعداد ما لذَّ وطاب للرجل، إذ ينبغي الفصل بين وظيفة الأم، ووظيفة الزوجة، أو الأخت، فباب الحارة كمثال، استطاع تقديم صورة حقيقية للأم السورية، بطبائعها المختلفة، وفصل في شخصية «أم عصام» فهي كزوجة لم تكن خانعة، أو مقموعة، أما كأم فقد كانت لها مكانتها الكبيرة من قبل أولادها سواء «معتز» الزكرتي-وائل شرف المتسرع، أو «عصام-ميلاد يوسف» المغلوب على أمره في علاقته مع زوجاته، وكانت العلاقة بين الأم وأولادها الذكور أو الإناث، تقوم على الطاعة والاحترام المطلق، وبمجرد أن تعلن غضبها على أحد منهم، يحاول بشتى الوسائل إرضائها، غير ذلك هي المسؤولة عن إدارة شؤون المنزل، ومشكلاته اليومية، ولم نشاهدها في المطبخ، بل كانت تصدر الأوامر فقط لبناتها، وتتفرغ لمعالجة المشكلات، للحفاظ على أسرتها ساعية لضبط تحركات أبنائها واتخاذ قرارات مهمة ومصيرية في أجزاء العمل، لاسيما بعد غياب الزوج الذي جعلها تظهر عاطفة الأمومة الجياشة بوضوح في الوقت اللازم وتغطيها بالحزم عند الضرورة؛ لتقدم لنا الفنانة صباح الجزائري نموذجاً مثالياً عن الأم الحنون والقوية التي تخاف على مصلحة بيتها وأولادها والمحتفظة بقوتها وجبروتها في مواجهة المحتل وكل مَنْ يحاول أن ينال من حرمة دارها، لكن أن نطلب من مؤلف العمل أن يجعلها تقوم بدور وزيرة، أو طبيبة أو رائدة فضاء في عمل يحكي تاريخ المستعمر الفرنسي، شيء غير منطقي، بالمقابل كانت ابنة أبي حاتم الفنانة رواد عليو تساعد زوجها الطبيب وعملت كممرضة وقت الحاجة، حتى «أم حاتم- قامت بدورها الفنانة صباح بركات» كانت مسيطرة على بناتها والمسؤولة عن إدارة شؤونهم، ولم يكن دور «أبو حاتم» مرتبطاً بهم إلا كصلة وصل مع الحي، وبالصورة التي كانت تفرضها البيئة المحافظة، فهي من يتحكم في الأمور المصيرية التي تخص بناتها كالزواج والارتباط، مع أنها لم تفلح في إنجاب حاتم، أما «أم جوزيف- منى واصف، فقد أظهرت دور الأم السورية في تحرير الأرض من الاستعمار الفرنسي، وأظهرت شجاعة في إيواء المُلاحقين من قبل الجيش المُحتل، فلم تخبئ لفافتها عن عيون المشاهد، وهي صورة أخرى عن تحرر وجرأة المرأة السورية وقوة شخصيتها، أضف إلى ذلك اهتمام الأمهات بمجريات الأمور التي كانت تحدث خارج إطار المنزل عن طريق وسيلة النقل والبث المتاحة آنذاك» الداية أم زكي-هدى الشعرواي» ومشاركتهن في الدفاع عن الحارة. لا يمكن اعتبار أن الأم السورية أُقصيت عما يدور خارج المنزل إلا لأسباب أمنية كان يتبعها «الزعيم وأبو شهاب» و«أبو عصام» مع أغلب رجال الحارة، فلو أردنا أن نستعرض ما قدمته الدراما السورية من أدوار تخص الأم لن تتسع له عدة صفحات، بالمقابل ليس مهمة صناع الدراما أن يخلقوا لنا أُمّاً افتراضية ومثالية بمقاييس معينة تناسب المشاهد، والمتابع ليجد كل منا شخصية والدته تُعرض على الشاشة، متناسين أن وظيفة الدراما هي خدمة قضايا المجتمع العامة من ناحية، وأن ما ينقل لنا حقيقة الصورة أو الواقع الذي يبين تأثير المجتمع بالدراما، فالحقيقة التي يجب أن نواجهها أن الأم السورية لم تكن تهتم بالسياسة كعلم، لكن اهتمامها بتحرير الأرض والوطن من المستعمر لم يتوقف، ولو كان على طريقتها البسيطة أو المباشرة، أما حياتها فتعيشها كما شاهدت أسلافها، فهمُّها الأول تربية وتنشئة أولادها، وهذا ليس بالدور السلبي كما يعتقد البعض، وما تقيمه من علاقات واستقبالات، وحفلات ولادة، جزء مهم من ثقافة المرأة العربية الذي اكتسبته من التراث، تماماً كصورة الرجل الذي لا يبرح المقاهي الشعبية في مرحلة ما، وبعد دخول العالم الافتراضي قدمت الدراما دور الأم التي تقع ضحية التكنولوجيا وتنقاد وراء عواطفها «أمانة والي في ليس سراباً» ولو نظرنا في المجتمع بعين الحقيقة، لوجدنا أن الجزء الأكبر من الأمهات مشابهات لما يقدم في الدراما السورية، فالدراما قدمت الأم البسيطة والخادمة، والعاملة، ومع التطورات التي واكبت المجتمع والمرأة على السواء. غيرت الدراما صورة الأم وجعلتها تتعاطى مع مشكلات عائلتها ومجتمعها بصورة مختلفة وبدأت تقدم لنا الأم الجامعية، والمدرّسة، والطبيبة، والمرشدة الاجتماعية، والشاعرة، والوزيرة، لتنقل الأم من مرحلة الدعاء والتضرع إلى مرحلة المحاكمة المنطقية، والشخصية المركبة أو المعقدة، مركزةً على تجسيد العلاقات الاجتماعية وتشابكاتها المختلفة؛ مع تسليط الضوء على «دور الأم» وهمومها ومشكلاتها وطموحاتها بخلاف ما تقدمه الدراما العربية المصرية والخليجية وغيرها، التي ركزت على قضاياها المحلية، واشكالياتها المجتمعية.

 لم يقتصر دور الأم في الدراما السورية على الفنانة الأيقونة أو الكبيرة في السن، بل أدخلت الأم الصغيرة ضمن خارطتها الدرامية، لتثبت الفنانات الشابات قدرتهن على تصوير هذا الدور بشكل مميز، كالفنانة سلاف فواخرجي في مسلسل «آخر أيام الحب» للفنان وائل رمضان، وسوزان نجم الدين، ونورمان أسعد، ويارا صبري المثقفة في مسلسل «الانتظار» التي تريد الهروب من العشوائيات خوفاً على ولدها المراهق، أو دور هذه في «قيود الروح» الأمر الذي يبين حرص الدراما على الأم ومكانتها الكبيرة والمميزة، حتى ولو لم تكن أدوار بطولة مطلقة، فلا أحد ينسى الفنانة هالة شوكت أم المعلم عمر في «ليالي الصالحية» أو أم نصار في «الخوالي» أو الفنانة منى واصف «أم المخرز» الجشعة والمتسلطة، و«أم بدر» في مسلسل «وراء الشمس» الذي شاركت فيه أيضا الفنانة نادين بدور «أم علاء» الشاب صاحب الاحتياجات الخاصة، الأمر الذي يؤكد إنصاف الدراما السورية للأم، وليس العكس.