2014/01/27

المخرج نجدت إسماعيل أنزور
المخرج نجدت إسماعيل أنزور

 

سامر محمد إسماعيل – تشرين

 

 

هل تخطت الدراما التلفزيونية السورية توقعات خصومها وأصدقائها في آنٍ معاً؛ متجاوزةً ظروفها الذاتية والموضوعية من حيث مصادر الإنتاج والتوزيع والتسويق؛ وشروط التصوير في الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد منذ قرابة ثلاثة أعوام؟ أم إن صناعة السوريين التلفزيونية استطاعت تخطي الواقع الصعب لتقدم ما يقارب ثلاثين عملاً درامياً عام 2013 تنوعت بين الدرامي والكوميدي والاجتماعي الساخر، مكتسحةً بذلك سوق العرض العربية ووجهاً لوجه في المنافسة مع أعمال مصرية ولبنانية وخليجية.

 

الملاحظ أن الدراما السورية تصدت في مجمل الأعمال الدرامية التي قدمتها مؤخراً للأزمة؛ سواء على صعيد سسيولوجي- اجتماعي أو حتى على المستوى الإنساني؛ وذلك بتأثيرات ما يحدث على امتداد الأرض السورية وانعكاسه على الأسرة؛ كما الحال في مسلسل «سنعود بعد قليل» لمخرجه الليث حجو وكاتبه رافي وهبي؛ إذ استطاع هذا العمل أن يجذب شرائح واسعة من المشاهدين؛ محققاً رؤية توافقية على حتمية الانتماء حتى النهاية كضامن لوحدة السوريين ورمز وجودهم كحقيقة حضارية بزغت منذ عشرة آلاف عام؛ إذ اتخذت الدراما السورية لمواسمها الرمضانية المتتابعة شكل الصبغة التوثيقية؛ كما في مسلسل «حدث في دمشق» عن رواية «وداد من حلب» للكاتب قحطان مهنا سيناريو عدنان عودة؛ فهذا ما رآه المخرج باسل الخطيب في حديثه لتشرين دراما مبيناً بالقول: «العمل كان محاولة لتقديم صورة مختلفة لدمشق والمجتمع الدمشقي في فترة الأربعينيات، ومطلع الألفية الثالثة؛ فأنا لا أحب إعادة تأطير عملي ضمن إطار فكري وأيديولوجي معين لكن أي عمل ليس له علاقة بالراهن وما يحدث اليوم سيفقد الكثير من ألقه وقدرته على التواصل مع الجمهور».

ويضيف صاحب فيلم «مريم»: إن «(حدث في دمشق) كما كل الأعمال السابقة، بما فيها مسلسله (رسائل الحب والحرب) يتصل بما يحدث اليوم في سورية؛ لكنني لا أحب توضيح هذا؛ بل أترك للمشاهد أن يلتقط الإشارات والدلالات وهي واضحة، ولن تخفى عليه».

سطوة نشرات الأخبار

«تحت سماء الوطن» أيضاً يتعرض للأزمة الراهنة وعنها يقول المخرج نجدت إسماعيل أنزور.. «فضلت أن نقدم عملاً من عشر ثلاثيات يتعرض للأزمة في سورية يكون حقيقياً وملامساً للوجدان السوري الجمعي لكي نقدم مرآة للناس في هذه الأزمة.. فالعمل كان نوعاً من الترميم الاجتماعي وليس هجوما على طرف ضد طرف إطلاقاً.. وليس مداعبة لطرف على حساب آخر فنحن مع الإنسان السوري في هذه الثلاثيات». يوضح صاحب فيلم «ملك الرمال»: «إن هناك خمسة كتاب شاركوا في تأليف المسلسل وهكذا تتنوع الرؤى التي أطلت جميعها على ما يحدث في سورية اليوم؛ لكن إلى أي حد تستطيع الدراما اليوم أن تصيغ رأياً عاماً في مواجهة سطوة نشرات الأخبار والبرامج السياسية... يجيب أنزور: «الدراما قادرة على صياغة الرأي العام فمسلسل مثل (ما ملكت أيمانكم) استشرف وجود التطرف في المجتمعات العربية؛ مشيراً إليه بكل جرأة وتجرد؛ أيضاً ثلاثيات (تحت سماء الوطن) كان لها دور كبير في صياغة وتكوين آراء أعتقد أنها كانت مدوية في الشارع السوري؛ خصوصاً عند المرأة السورية؛ ولاسيما أن هذه الثلاثيات تعرضت في جانب منها لما تعرضت له النساء السوريات في مخيمات التهجير القسري عن الوطن والفتاوى التي صدرت بحقهن وكيف تم بيعهن خارج أوطانهن؛ كما يكشف الدور السعودي في المتاجرة بهن».

الفنانة سلاف فواخرجي تحدثت عن المسؤولية الكبيرة الواقعة على عاتق صناع الدراما تجاه المشاهد، في كيفية تقديم التاريخ والحدث السياسي ورأت صاحبة شخصية (أسمهان) أنه: «في ضرورة تقديم الحدث السياسي درامياً فهناك مراجع ومصادر تاريخية بعضها مكتوب أو مسموع حتى إنه يمكن اللجوء إلى مقاربات درامية وفنية يحققها المسلسل التلفزيوني؛ فيساهم في صياغة الرأي العام وإشاعة الوعي في ظل سطوة الإعلام الإخباري على مصادر المعلومة والأخبار والأحداث؛ فالعمل الدرامي حتى إن لم يسعَ للتوثيق؛ لكن الخلفية السياسية فيه هي خلفية للحدث الاجتماعي؛ وفي الدراما من الطبيعي وجود مساحات كبيرة للخيال والأفق البعيد، وهي ضرورة لتقديم العمل بشكل جميل».

في «حدث في دمشق» كما تراه النجمة فواخرجي: «تسمع التاريخ من عدة وجهات نظر؛ إلا أنك تتعرف إلى الآراء السياسية عبر عدة أحزاب وشرائح؛ وهذا يساعد لا شك في فهم المجتمع بشكل أفضل» وأضافت صاحبة شخصية كليوبترا أنها: «لم تتردد في تقديم شخصية يهودية في ظرف كهذا؛ لاسيما أن العمل يقدم جميع الشخصيات ومن جميع المشارب؛ ناهيك بأن شخصية المرأة السورية اليهودية ليست شبيهة بيهودية بولونية مثلا أو غيرها من جنسيات أخرى؛ فتربيتها ودراستها وحتى طبخها سوري، وهي تقع في صراع مع زوجها ذي الميول الصهيونية الذي يصر عليها بترك وطنها». وبينت النجمة السورية..أنه: «في العمل تكتشف أن السوري ملتصق بالسياسة دائما والشبه بين (حدث في دمشق) والراهن السوري كبير جداً؛ لا شك في أن الحياة اختلفت، لكن المواطن وإن كان يهتم بلقمة العيش لكنها لا تنفصل عن السياسة أبداً، فتاريخنا أجبرنا على ذلك، وهو يعيد نفسه باستمرار».

خلط أوراق

الفنانة ديمة قندلفت التي قدمت شخصية (ربيعة) في مسلسل (حدث في دمشق) رأت أن «الفن بمختلف أشكاله يقدم شيئا من الأحداث والظروف السياسية عبر انعكاساتها الاجتماعية والاقتصادية التي يعيشها المجتمع؛ وفي الدراما يمكن أن تنعكس على نوع الفكرة بالمقابل من الطبيعي ألا تتجه كل أشكال الفن نحو السياسة أو التعبير سياسياً؛ فهناك فنون تذهب باتجاهات أخرى». السيناريست عبد المجيد حيدر له رأي آخر في قراءة الأزمة درامياً حيث رأى أنه: «في الأزمات الشبيهة بأزمتنا والتي تظهر فيها تداخلات إقليمية وعالمية كثيرة؛ سيكون هناك خلط كبير في الأوراق؛ ناهيك بالأثر الاجتماعي الكبير مع ذلك الفن أصلاً ليس فعلا سياسياً؛ فالسياسة شغل يومي متغير ويفترض بالفن ثباته؛ لذا لا يأخذ الفنان أو الأديب موقفاً تاريخياً عادة؛ إضافة إلى أن الدراما أصلاً لا يمكن أن تستوي إلا إذا كان لها أساس إنساني وكل ما تبقى مجرد رتوش؛ فمثلا لو لم يكن هاملت ابن أمير وكان أي شخص آخر لكان عانى ما عاناه من الشك في الحالتين تستقيم الدراما لأن أساسها إنساني».

الكاتب والسيناريست فادي قوشقجي الذي كتب ثلاثيتين من مسلسل «تحت سماء الوطن» للمخرج نجدت إسماعيل أنزور يرى أن «الإحاطة بالواقع في عمل درامي هي دوماً إحاطة جزئية؛ وتتخذ لنفسها زاوية ما تنظر من خلالها إلى الواقع وفي حالة كالتي نمر بها يصبح الفارق أكبر بين الواقع وأقصى ما يمكن أن يقدمه عمل درامي أو أدبي؛ فالواقع كما يصنفه صاحب (عن الخوف والعزلة) في اللحظة السورية الراهنة شديد التعقيد وشديد السيولة في الوقت نفسه؛ وهو متغير بين ساعة وأخرى بشكل دراماتيكي؛ ناهيك بأن كل حادثة تروى بعشرات الطرق». أما الكاتب هاني السعدي فقال عن مواجهة الدراما لتفاصيل الحدث السوري: «في نتائج الأزمة اجتماعيا درجة من الأهمية لا يمكن تجاهلها؛ ويمكن تقديمها في انتظار أن تنتهي الأزمة ويمكننا الحديث عن كل هذا لأننا نعيشه ببساطة».

الكاتب أسامة كوكش الذي وضع سيناريو مسلسل «حائرات» لمخرجه سمير حسين يرى أن «الحديث عن الدراما هو حكماً حديث عن الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي؛ فإذا لم تعكس هذه الدراما واقعها فهي لن تكون عندها جديرة بتسميتها كدراما معاصرة؛ فمن هذا كله يجب أن يكون الكاتب لسان حال الناس مهما اختلفت صنوفهم وآراؤهم ومواقفهم؛ أي يجب أن يعزل نفسه ومواقفه إلى حد ما ليفسح المجال لنفسه ليقدم مواقف الآخرين وآراءهم؛ مادمنا نفترض أن العمل الدرامي يقدم الواقع تحديداً اللحظة الساخنة منه». موقف يشاطره فيه السيناريست عبد المجيد حيدر مبيناً: «إن موقفي في الكتابة عما يجري لن يتغير لكونه يرتبط بالهم الإنساني أولا وأخيراً؛ فأنا كنت وسأبقى ضد ما يسمى الدراما التاريخية وأرفض فكرة بعض كتاب الدراما بإعادة صياغة التاريخ عبر مشروع حضاري؛ فهذه أيضا ليست وظيفة الدراما بل وظيفة المؤرخين».

كما يبدو فإن الموضوع مرتبط بطبيعة الحدث ومدى استمراريته يوضح الكاتب فادي قوشقجي: «لكن على الأغلب ومادمنا في جميع الأحوال نمسك بزاوية واحدة من زوايا الحدث؛ فلا شيء يمنع من الكتابة عن هذه الزوايا والجزئيات خلال الحدث». مشيرا إلى أنه «أراد في عمله أن يضع الإنسان السوري في مركز الحدث والرؤية؛ وأن يقول إن كل نقطة دم تسيل منه أهم من كل الأيديولوجيات والصراعات والاستقطابات السياسية؛ محاولاً النظر إلى الجانب المضيء شفي هذا الإنسان وجمع تلك الجوانب المضيئة لدى أفراد ينتمون إلى طرفي الصراع نظاماً ومعارضة؛ ليراقب والمشاهد معاً كيف أن اللقاء بينهما ليس مستحيلاً».