2014/03/12

لا يعنوني من يسمون أنفسهم «صناع الدراما»!
لا يعنوني من يسمون أنفسهم «صناع الدراما»!

 

محمد قاسم الساس – الوطن السورية

 

 

ضيفي فنانٌ سوري متميز بطريقة تفكيره وأدائه التمثيلي. لديه ايديولوجية خاصة يسعى من خلالها لتحقيق ما يصبو إليه بحرفية. مثقف وعفوي ما يجعله قريباً من القلب. إنه «وائل أبو غزالة» الذي تناولت معه بضعاً من الإشكالات الفنية التي تعترض طريق الدراما السورية، كما فتحت معه العديد من الملفات الشخصية والمهنية والوطنية ليعلن بكل جرأة عن مواقفه تجاهها. كاشفاً لنا تفاصيل تجربته الإخراجية الأولى وأعماله الدرامية الجديدة.

 عدت مؤخراً إلى دمشق بعد غيابك عنها لعام ونصف العام، ما سبب العودة؟

  ببساطة عدت إلى بلدي... حيث سعدت بابتسامة المارة التي قابلوني بها فور عودتي إليهم من جديد. أنا لم أسافر خوفاً من الأحداث أو هرباً من تبعاتها... ولكن سعيي وراء الرزق كان السبب الرئيس في حدوث ذلك. صدقني لا يوجد سوري واحد يتمنى مغادرة بلده أو أن يعيش بعيداً عنها أو أن يموت خارجها.

 كيف وجدت الشام بعد عودتك إليها؟

  الشام لم تعد الشام التي عرفتها... هناك فرقٌ كبير. ما يعزيني هو وجود ما تبقى لي من أهلي وأصدقائي فيها... «محروق قلبي» على العادات التي افتقدناها.. كأن تسير في شوارع الشام بالشكل اللائق من دون وجود هذه المظاهر التي نراها لحماية البلد، وأن تستمتع بحاراتها وبكل شيءٍ فيها متى أردت فعل ذلك ومع من تحب. أتمنى أن تصبح الشام كما سورية بأحسن حال.. آمنة مستقرة عما قريب.

 كيف تنظر للغد القادم؟

  متفائل رغم الغصة التي تسكننا تبعاً للخسارات التي منينا بها. الاستسلام يؤدي بنا للموت وأصعب أنواع الموت موت الأمل.

 مهنياً.. اكتفيت في الموسم الماضي بعملٍ واحد عبر مشاركتك في مسلسل (حمام شامي) للمخرج مؤمن الملا والذي لم يعرض بعد، حدثنا عن دورك فيه؟ وما رأيك بالقرار الذي اتخذه القائمون على العمل بعدم عرضه في شهر رمضان الفائت؟

  العمل شامي كوميدي لايت وأنا مع هذه الأعمال لعلها تعيد رسم البسمة على وجوهنا. يعود السبب الرئيس لمشاركتي في هذا العمل للتأكيد على وجودي ولكي ابقى في ذاكرة المحبين ولو كان هذا من خلال مشاركة بسيطة.

ألعب دور لحام شعبي وسعيت من خلال مشاهدي القليلة أن أقدم شيئاً يلامس ذاكرتنا ومدى محبتنا للشام وتعلقنا بها.

بالنسبة لقرار التأجيل ربما يعود لأولويات القنوات العارضة للعمل حيث سبقته أعمال عدة حجزت مكانها على خريطة العرض الرمضاني... وأنا قلبي دائماً مع المنتج الذي يسعى لعرض عمله بالشكل والمساحة اللائقين به، وهذا ما اتمناه للعمل عند عرضه.

 انتهيت منذ مدة من تصوير دورك في مسلسل (تحالف الصبار) للمخرج الإسباني خوسيه ماريا، والذي سيعرض قريباً على قناةmbc المنتجة للعمل، أخبرنا أكثر عن هذه المشاركة الجديدة؟

  تم تصوير العمل في دبي- مركز الميديا في الشرق الأوسط - المكان الذي يعج بأناسٍ ذوي خبرة، أناسٌ محترفون يصنعون دراما بحق ويعرفون ما الذي يريدونه وأي أهدافٍ يريدون تحقيقها وكيفية الوصول إليها. تجربة أعتز بها كوني تعاملت فيها مع طاقم إخراج مطعّم بمجموعة من الشباب السوريين المحترفين ساعدوا المخرج بإنجاز عمله، وكذلك طاقم التصوير والإضاءة الإسباني والإنتاج الاحترافي.

العمل مكون من 15 ساعة، ويقدم نوعية جديدة على الدراما العربية حيث تعرض أحداثه بشكلٍ غير مستمر بمعنى أنك تدخل بحدثٍ ما وتخرج بحدثٍ آخر لتعود للأول بطريقة مشوقة.

ألعب دور رجل أعمال مهم، لديه أعمال غير شرعية يحاول من خلال عمله كمنتج سينمائي أن يغطي على هذه الأعمال، وسيتم عرض المسلسل في شهر آذار المقبل.

 كلا العملين السابقين تم تصويرهما خارج سورية، ما رأيك في هذه الظاهرة؟

  اسمح لي هنا أن أتطرق لموضوع «صكوك الوطنية» التي تمنح لمن لم يقدموا قيد أنملة للبلد في وقت الرخاء في حين تسحب من الآخرين وكل ذلك يحدث على مواقع التواصل الاجتماعي. هذه الصكوك يجب أن تعطى للأشخاص الذين دفعوا دمهم كرمى للبلد.. هؤلاء الذين يحق لهم توزيعها على الآخرين.

الدراما لا حدود لها والظرف العام هو الذي دفعنا للخروج وكذلك الإنتاجات الضخمة وهذه حالة صحية. يجب علينا أن نعي بأن الخطة الإنتاجية الموجودة حالياً هي الأعمال المشتركة وعلينا أن تكون فيها وتحديداً في هذه المرحلة كي نقول بأننا مازلنا هنا ومازلنا نقدم دراما وبأننا سوريون.

 تستعد حالياً لدخول تجربتك الاخراجية الأولى وذلك عبر اخراجك لفيلم سينمائي روائي قصير بعنوان (ذاكرة ممتلئة)، لعلك تكشف لنا تفاصيله؟

  الغربة ومعنى الوطنية هما اللتان دفعتا بي نحو فكرة الفيلم الذي يطرح إشكالية إذا كان بإمكانك التماهي مع أي مكان ترحل إليه كما انسجامك مع بلدك مهما كانت الظروف مناسبة لك... سؤالٌ يجيب عليه بطل الفيلم الأوحد من خلال الصراع الذي يعيشه بين واقعه الجديد وبين ذاكرته الممتلئة بالأحداث السيئة والجيدة عن بلده.

الفيلم مدته 20 دقيقة، وهو فيلم مهرجاني شعبي، يتميز بلغته المبسطة، وسنبدأ بتصويره عما قريب في امارة أبو ظبي.

 هل من مشاركات درامية أخرى؟

  أشارك ضمن خماسية تدعى (نصر) لمؤسسة الإنتاج الإذاعي والتلفزيوني مع المخرج زياد الريس، ألعب فيها دور شاب يدعى «ياسر» يعيش قصة حب تحولت من حب فتاة صغيرة كان يعتني بها لحب حقيقي تجاه أنثى.

 لماذا ابتعدت عن الغناء بعد خوضك فيه، حيث أديت كل من تتر مسلسل (هناء وجميل ج1) وتتر سلسلة (النجوم) للمخرج هشام شربتجي؟

  ابتعادي عن الغناء سببه انتشار الأغنية الشعبية التي أصبحت الطابع الفني الرئيسي للموسيقا السورية، إضافة لعدم وجود شركات إنتاج متخصصة بصناعة نجوم الغناء في سورية.

 هل انت راضٍ عما قدمته لغاية الآن؟

  بصراحة هذا سؤال صعب ونسبي في آن واحد... أحياناً قد ترضى عن نفسك في مشهد ما وليس عن العمل ككل والعكس صحيح، وقد ترضى عن مخرج ولا ترضى عن نفسك... لا أخفيك بأنه بعد الأزمة تغيرت وجهة نظري كلياً عن الدراما وبما يسمون بصناع الدراما في سورية... قررت البحث عن طريقي وليس طريق الدراما.. طريق كيف يرى «وائل» الدراما وليس العكس مع احترامي لأناسٍ مهمين استمدت خبرتي منهم. أما هؤلاء الذين يحكمون عليّ بوصفي جيد أم لا مما يسمون أنفسهم بصناع الدراما لدينا لا يعنيني أمرهم، وأنا بغنى عن تقييمهم لأنه غير موضوعي حيث يبنى على مدى انسجام أسلوب حياتك وتعاملك معهم لا على مدى احترافك وادائك المهني. هنا أود أن أنوه أن كل تصريح صرحته في السابق فيما يتعلق بالدراما هو مراهقة فنية مشوشة كرأيي بالأعمال وما إلى هنالك، وأؤكد لك أنه مهما ضاق حصارهم سأتابع تطوير مهاراتي لكي أصل إلى من هم أهم منهم بكثير إن شاء الله.

 تفتقد الدراما السورية اليوم للعديد من نجومها ومبدعيها... منهم من غاب ومنهم من غيب، ما رأيك في هذه المسألة ومدى تأثيرها على درامانا؟

  بصراحة حالنا حال جميع العرب نقف على الاطلال ونتغنى بالماضي... غياب وتغيب العديد من نجومنا ومبدعينا بالتأكيد سوف ينقص من قيمة درامانا كونهم يتركون خلفهم فراغاً كبيراً باعتبار أنه لا يوجد لدينا بدلاء يشغلون امكنتهم، ويجب تدارك هذا النقص عبر رفد الدراما ببدلاء أكفاء، وخاصة أن الدراما لا تقف على الممثلين الشباب فقط بل تحتاج لكبار بمقدورهم شيل العمل على اكتافهم.

نفتقد اليوم لابتسامة «صبحي الرفاعي»، وللهرم «خالد تاجا»، وللرائع «ناجي جبر» رحمهم الله... وشخصياً أفتقد اليوم لأستاذي المخرج «هشام شربتجي» أمد اللـه بعمره كونه قيمة فنية كبيرة يجب ألا تغييب.

 أعلم بأنه يوجد لديك رغبة في تجسيد شخصية الفنان التشكيلي الفلسطيني «ناجي العلي» في عملٍ فني، ما السبب الكامن وراء ذلك؟

  مع احترامي الكبير للأستاذ «نور الشريف» الذي قدم هذه الشخصية التي تركت بصمة كبيرة في الرسم الكاريكاتوري وفي وجداننا إلا أنه لم يكن مقنعاً بالأداء ولا بالشكل ولا باللهجة ولا على الصعيد الفني للفيلم ككل... اختياري له نابع من حبي لتقديم شخصية عربية مهمة مثل الراحل «ناجي العلي» رحمه اللـه بمعزل عن انتمائه إذا سنحت الفرصة لي، علماً أنني أحب أن أنشئ شخصية افتراضية وأن تكون غنية على الورق، حيث لم أقدم لغاية الآن بالدراما ما أطمح إليه سوى في مسلسل (رياح الخماسين)، حيث حققت من خلاله جزءاً بسيطاً مما أريده.

 لماذا «وائل» بعيد عن الإعلام؟

  تضيع بوصلتك عندما ترى ما يحدث حولك من فوضى عارمة خاصة في مواقع التواصل الاجتماعي التي يمكن لأي شخص أن يصبح من خلالها نجماً، من ثم يصدق الحكاية ويبدأ بتقييم الآخرين، ليصبح كل شيءٍ مباح مع غياب الضوابط والقيود، لتجد نفسك أمام خيارين.. الأول أن تسير مع هذا الركب غير المنهجي أو أن تكتفي وتنزوي بنفسك بعيداً.. وأنا فضلت الخيار الثاني كوني ضد هذا التجييش المتبع عبر تلك المواقع وعبر الوسائل الإعلامية المختلفة. كل ما يهمني هو أن أترك خلفي قيمة فنية حقيقية تجعل الناس تترحم عليّ عندما أغيب عنهم يوماً ما.

 ختاماً... من «وائل أبو غزالة» بعيداً عن الفن؟

  أنا رجلٌ متزوج ولدي ابنة وحيدة «الله يحمي أولاد العالم»... أرى الدنيا من عيونها، والحمد لله أعيش حياة مستقرة مع أسرتي. هدفي بالحياة على الصعيد الاجتماعي تأمين ظرف معيشي لائق لعائلتي وأن أوصل ابنتي لطموحها.

«بيتوتي» وأحاول التغلب على مزاجيتي. أكره القاعدة القائلة «لكي تظهر عليك بتحطيم الآخرين»، والتي للأسف متبعة بكثرة.

متفائل بالجيل الجديد باعتباره جيلاً واعياً مطلعاً، لا يوجد لديه نعرات اجتماعية على أقل تقدير، ولا تتحكم به المزاجية، حيث يجب علينا أن نتعامل مع بعضنا باحترام وأن نتجاوز تجاربنا الشخصية وكذلك اختلافنا بالآراء كي نعمل بحرفية بعيداً عن التحزب والمحسوبية والأنانية.