2014/04/01

«المسرح- محكومون بالأمل»
«المسرح- محكومون بالأمل»

 

سامر محمد إسماعيل – تشرين

 

 

الحلقة التي بثتها الفضائية السورية من برنامج «بياع الفرجة» لمعده المخرج المسرحي الدكتور تامر العربيد، وكانت بعنوان «المسرح- محكومون بالأمل» خصصه فريق هذا البرنامج للاحتفال بيوم المسرح العالمي الذي يصادف السابع والعشرين من آذار من كل عام، وكان تقديم هذه الحلقة لكل من الفنانة رباب كنعان والممثل كفاح الخوص، والممثل مؤيد الخراط،

الذين توازعوا أدوارهم في صالة مسرح الاستعمالات المتعددة في دار الأوبرا السورية، مقدمين فقرات غاية في الشجن عن عيد أبي الفنون؛ ليفتتح معد البرنامج هذه الحلقة اللافتة برؤية بصرية عن مسرح الشيخ أبي خليل القباني، دامجاً في مشاهد برنامجه بين لقطات من عروض مسرحية سورية، وقراءات تاريخية قدمها كل من كنعان والخراط والخوص في فضاء المسرح، ولنرى لمحة عن رائد المسرح العربي لما كان يسمى وقتذاك فن «الكوميضة» التسمية التي أطلقتها عامة الناس على مسرح القباني، والمأخوذة أصلاً من لفظ الكوميديا. ولنتعرف هنا على ما فعله الغلاة بمسرح هذا الشيخ المتنوّر، وكيف لقي ما لقيه على أيدي هؤلاء من أذى وتنكيل وإحراق لمسرحه بدعم غير مسبوق من سلاطين الدولة العثمانية، وذلك بعد الحادثة الشهيرة التي ألّب فيها الشيخ «أبو سعيد الغبرة» ولاة الباب العالي على صاحب «يا طيرة طيري يا حمامة» لينهي مسرح القباني في «خان الكمرك» في دمشق مرحلة تأسيسه الأولى عام 1903 ولتبدأ رحلة هذا المبدع الكبير إلى برِّ مصر، وتأسيسه في الإسكندرية لمسرح زيزينيا، وتقديمه عشرات العروض في القاهرة على مسرح الأوبرا المصرية التي كانت تشهد آنذاك اهتماماً متزايداً بفن الأوبرا مع تسلم الخديوي إسماعيل مقاليد الحكم هناك.

هكذا يأخذنا برنامج «بياع الفرجة» إلى دراما الخشبة، دامجاً بين عروض مسرحية للمخرج تامر العربيد على مسرح الحمراء في دمشق وعروض تخرج لطلاب المعهد العالي للفنون المسرحية في عرض «سيليكون» لمخرجه عبد المنعم عمايري، هكذا على الأقل تنتقل الفضائية السورية من استظهار ساعاتها التلفزيونية إلى نوع مختلف من عادات المشاهدة، فترتقي بجمهورها إلى آفاقٍ معرفية وقيمية، تاركةً الفسحة لتنوع الشرائح المستهدفة، فالتلفزيون العربي السوري بما يملكه من مئات ساعات البث التي تتفرد بها مكتبته، وعلى رأسها تلك التسجيلات النادرة من العروض المسرحية والأفلام السورية والبرامج والحفلات الغنائية باتت تشكّل إرثاً وطنياً كبيراً لا تمكن رؤيته إلا على شاشة لديها ما يكفيها من العراقة، بل هي تملك القدرة على صياغة برامج مشابهة لـ«بياع الفرجة» وربما أفضل منه لتقديم روائع فنية خالدة، إذا ما توافرت الرغبة لدى القائمين على البرامج الثقافية في التلفزيون، وذلك بالمراهنة على جمهور مختلف عبر صياغة رسالة إعلامية حضارية، رسالة قوامها فنون العرض الحقيقية في المسرح والسينما والأغنية الأصيلة، وليس فقط الاعتماد على ما يسمى «العروض الحصرية» لمسلسلات «الدراما الصفراء» والبيئة، على الإطلاق، بل بالبدء وفوراً بإنتاج العديد من البرامج القادرة على تقديم متاحف بصرية لمشاهد تم تغييبه بحجة الاستهلاك السريع وسوق العروض الرمضانية الخاطفة، وليكن «بياع الفرجة» خطوة أولى على هذه الطريق، فهنا لسنا أمام برنامج تلفزيوني وحسب، بل أمام -قبل كل شيء- يوم للمسرح العالمي، مما يتطلب بدوره مخيلة إبداعية حقيقية لدى الزملاء في «الفضائية» كي تكون قناة لثقافة سورية لا تمكن مجاراتها من قبل قنوات المال النفطي الجاهل، حيث تعد مكتبة التلفزيون من أهم المكتبات التي تنام على إرث بصري هائل يمكن اليوم توظيفه لـ«شاشة وطن» وعدم الاكتفاء بصيغ «من قريبه»، لكي تفتح الأبواب أمام جيل جديد من صنّاع البرامج، وليكن لـ «الفضائية» دور الريادة نحو فضاءات الجمال المتروك على غاربه في مستودعات الأشرطة المفقودة؛ ليكن الحدث الثقافي في مقدمة الأحداث التي تعزز حضور الفضائية السورية كمحطة قادرة على المنافسة ببرامجها الثقافية، وهذا ما فعله الفنان تامر العربيد ومن معه من ممثلي ومخرجي المسرح؛ مفسحين الطريق لترى أشرطة المسرح المخزنة في مستودعات التلفزيون الضوء، وليكون المشاهد على دراية ولو بسيطة بمسارح بلاده وحركتها على مدار السنوات العشرين الماضية.

ما يأخذ على برنامج «بياع الفرجة» هو اكتفاؤه بعدد من المسرحيات والعروض المسرحية وتركيزه عليها، وعدم قدرة هذا البرنامج على مواكبة الحركة المسرحية الراهنة على المسارح السورية، مكتفياً بأشرطة الأرشيف؛ فيوم المسرح العالمي هذا العام على سبيل المثال شهد تظاهرة مسرحية كبيرة في المعهد العالي للفنون المسرحية اسمها «الأيام الثقافية في المعهد العالي للفنون المسرحية24-27 آذار الماضي»، وكانت تظاهرة لافتة وغنية جداً من حيث العروض المسرحية والتقنية والفنية التي قدمها طلاب وأساتذة المعهد؛ سواء في عروض المسرح أو في عروض المكياج أو الأزياء أو حتى في القراءات المسرحية أو عروض الرقص والإيماء والحركة والأكروبات ومعارض الكتب والسينوغرافيا، فلماذا لم تتحرك كاميرا «بياع الفرجة» نحو ردهات وصالات ومسارح المعهد؟ لماذا ظلت مصرة على توجيه خطاباتها الشاعرية من دار الأوبرا؛ فيما يحتفل عشرات الطلبة مع أساتذتهم وجمهورهم بيوم المسرح العالمي على مقربةٍ منها؟ لماذا لم يكلف «بياع الفرجة- محكومون بالأمل» نفسه ويصور هذه الأيام الثقافية التي كانت للاحتفال بيوم المسرح العالمي، مكتفياً بمادة أرشيفية لطالما كررها وأعادها بصحبة سوناتات حزينة عن مسرح حكمَ على نفسه بالأمل، في حين كان قادراً على أن يأخذ كاميرا ويصور كرنفالات احتفالية معهد المسرح في عيده؟ لماذا لا يكون المسرح محكوماً بالفرح ولو مرة واحدة، أم أنه درجت العادة على تقديم المسرح على أنه في أزمة، وهي غالباً ما تكون أزمة تشخيص أزمة، وحزن في ضوء القمر، لماذا يصر الدكتور تامر العربيد على تصوير كراسي دار الأوبرا فارغة من جمهورها، فيما كان يجدر به تصوير الزحام الكبير وحشود الجمهور التي جاءت لردهات وقاعات ومسارح المعهد لمتابعة أيامه الثقافية؟ لماذا فعلاً هذا الإصرار على تقديم المسرح دائماً في دور الضحية الثقافية، والشهيد المُسجى فوق خشبة الإهمال والتعمية؟ ألا يحق للمسرح في عيده أن نستغني عن مواد الأرشيف وأشرطة المكتبة، يمكن فعلاً أن تكون كاميرا «بياع الفرجة» وغيره من البرامج الثقافية حاضرة في المشهد الثقافي لا متكئة فقط على أرشيف الأمل ومحكوميته؟ فثمة من لهم الحق اليوم في أن يتم النظر إليهم، هؤلاء الطلبة والأساتذة الذين أقاموا الدنيا وما أقعدوها في يوم المسرح مقدمين أكثر من عشرين عرضاً مسرحياً خلال ثلاثة أيام؟ هل من المعقول فعلاً غض النظر عنهم وعن جهودهم، والاكتفاء بحفل تأبيني للمسرح في عيده؟ هل من المعقول أن يكون يوم المسرح العالمي في سورية بعيداً كل البعد عن «تاريخ اللحظة» كقاعدة ذهبية للإعلام التلفزيوني؟ أم نحن شعوب محكوم عليها بالخجل من الفرح حتى في عيده؟!