2014/04/02

غسان مسعود
غسان مسعود

 

سامر محمد إسماعيل – السفير

 

 

عينه على شاشة التلفزيون، يتابع أخبار المعارك في بلدة كسب. في بيته، في حيّ المالكي الدمشقي، يعيش غسان مسعود عزلته. «عزلة؟ لا أعتقد»، يقول، ثمّ يستدرك: «أشعر بالغربة الكاملة، رغم رغبتي في العمل تحت أي ظرفٍ كان، خطر ربما، لكن هذه مهنتنا ويجب أن أعمل، اليوم كادت أربع قذائف هاون تصيب سيارتي، وأنا في طريقي إلى موقع التصوير».

يرتّب النجم السوري أشياءه وأفكاره. يصب لنا ما نشربه، ثم يقول مشعلاً سيجارة: «أريد أن أوجه كلمة للمشتغلين في المسرح اليوم: لا تقتلونا سنموت وحدنا». وعندما نصرّ على معرفة ما يقصد بتلك العبارة، يبادر إلى التعليق: «لا أريد أن أوضح، لكنّني أحب أن توضَع هذه العبارة كعنوان رئيس للحوار الذي ستجريه الآن؛ قد أقبل الإساءة لي بشكل شخصي، أما الإساءة لتاريخ من العذابات والمكابدة لجيل في المسرح، فهذا ما لا أقبله نهائياً. ما حدث أننا كجيل، سمحنا لجيل طلابنا أن يستنسخوا أرواحنا بكلّ طيب خاطر، وأن يغرفوا من مخيلتنا وذاكرتنا كأبناء شرعيين لنا، لكن أن يشطبونا فهذا ما زادني قناعة بالصمت، لا أحد له الحق في إلغاء الآخر لأننا كنا نعطي بلا حساب». يبدو العتب على جيل طلاب غسان واضحاً، فالرجل غير راضٍ عمَّا آل إليه المسرح في بلاده.

نغيّر الحديث، ليطلعنا مسعود على آخر أخباره: «أصوّر حالياً دوري في مسلسل «بواب الريح» (إنتاج «سما الفنّ») عن سيناريو لخلدون قتلان، ومع المخرج المثنى صبح. أقدّم شخصيّة هاشم آغا الدهمي، آمر القلعة، وهي شخصيّة شامية تتصدّى للفتنة التي شهدتها دمشق العام 1860. تلك المرحلة أرادها الغرب تدميراً للمناطق الصناعية بدمشق، وعلى رأسها حيّا باب توما وباب شرقي. كانت سوريا في القرن التاسع عشر سيدة الحرير في العالم، وحين أصاب الداء شجرة التوت في كلّ أرجاء الأرض، انعكس ذلك على صناعة الحرير إلّا في دمشق التي كانت سيدة صناعة الحرير في تلك الفترة. فأُريد كسر الشام كمركز لتلك الصناعة، وضربت المدينة بفتنة تمت بمعرفة وتواطؤ وتدبير من القنصلين الفرنسي والإنكليزي، وبدعم مباشر من السلطنة العثمانية لتأليب اليهود والمسلمين والمسيحيين على بعضهم البعض». يضيف: «رغم أنّ شخصية الدهمي تكون من ضمن تركيبة السلطنة العثمانية في الشام، إلا انه يشتغل من داخل هذه التركيبة مع بلده، فهي شخصية ذكية كانت قادرة على استقراء نار الفتنة وخيوطها التي رسمها الأجنبي، ولذلك يعمد إلى إخماد نار القلاقل الطائفية بين أبناء مدينته».

يحضِّر مسعود القهوة متكلِّماً من المطبخ: «لم أعتد على القيام بأيّ عمل في المنزل، زوجتي عوّدتني على ذلك، لكنها اليوم مع ابني سدير وابنتي لوتس، انتقلوا للعيش في بيروت بحكم ظروف دراستهم هناك، بعدما خسروا الدراسة في جامعة القلمون الخاصة». نعود مع بطل فيلم «مملكة السماء» لنسأله عن المسلسل فيجيب: «شخصياً أشعر بأنه إذا تحدثت أكثر من سبع جمل عن الدور التلفزيوني أكون قد دخلت في الثرثرة، ما يتمّ شغله اليوم هو فن دعائي رخيص بالنسبة لي، سواء كان مع، أو سواء كان ضد، هو فن لا يعنيني ولا أحترمه، فهناك قاعدة في الإبداع المسرحي تقول التالي: لا تستطيع أن تضع قانوناً للتجربة وأنت تخوضها».

يقرأ مسعود حالياً دوراً في فيلم سينمائي عالمي عن «حرب النجوم»، لكنّه لم يعطِ الموافقة عليه بعد. فمنذ انتهائه قبل شهرين من تصوير دور «مستشار الفرعون رمسيس» في فيلم «سفر الخروج» مع ريدلي سكوت، ومن إنتاج شركة «فوكس»، ما زال يقرأ نصوصاً عدّة: «أعتقد أنني سأختار أفضلها قريباً». لكن لماذا لم نرَ غسان مسعود في السينما السورية؟ «حتى الآن لم يُقدم لي نص سيناريو أحترمه في السينما الوطنية، أنا لست ضدّ السينما السوريّة، لكن برأيي واقع السينما في سوريا، لا يتعلَّق بواقع الإنتاج فيها، بل هو عائد لظروف السينما عموماً في العالم العربي وحتى في أوروبا. ففي أوروبا مثلاً الفيلم الفرنسي يشعر بنقص لا مثيل له أمام أفلام هوليوود، وأوروبا هي أضعف منا في السينما أمام السينما الأميركية؛ فالسينما الأوروبية لديها مركّب نقص أكثر بما لا يقاس من السينما العربية أمام هوليوود».

هل غسان مسعود أكثر من شخص عندما يشتغل في التلفزيون، وفي هوليوود، وفي المسرح؟ «لا. هي في النهاية مهنة واحدة، والذين يدعون قضية الاندماج في حقل فني من دون غيره كاذبون، وهم يحاولون أن يصنعوا من الحبة قبة، هؤلاء الذين يدعون أن الشخصية لا تفارقهم حتى في أحلامهم، وتعود معهم في الطائرة إلى بلادهم كاذبون، ولا يعرفون في فنّ التمثيل شيئاً، فالممثل الشاطر عندما ينتهي من تصوير دوره، يذهب ويأخذ حماماً ساخناً، ويغسل عنه كلّ ما علق من أتربة الشخصية التي لعبها. أمّا من يقول غير ذلك فهو إما هاوٍ أو كذاب، وهو يدعي أن الشخصيّة تلازمه في فراشه، حتى يقول لنا انّه يقوم بشيء لا أحد في العالم يستطيع القيام به سواه». ويضيف النجم السوري: «عندما يلعب الممثّل عليه أن يعرف أنّه يلعب. فكلّ ما قاله بريخت في هذا المجال لم يقله إلّا عن وعي ودراية، إذ تكلم بريخت عن وعي معرفي وسياسي، ولا يستطيع كسر الإيهام إلا اللاعب المحترف في فنّ الأداء. أما إذا سألتني من أكون بين كل هذه الشخصيات التي قمتُ بأدائها فأنا غسان مسعود الذي في لحظة من اللحظات يصفع شخصياته جميعها، ويركلها بقدمه، قائلاً: أريد أن أبقى في بيتي، لا أريد أن أكلّم اليوم إنسياً.. لا أريد أن أتعرّف على مهنة التمثيل كلّها. وهذا ما حدث معي منذ فترة ليست ببعيدة حين أوقفت كل قراءاتي عن الفن، وشرعتُ في قراءة تاريخ الإسلام السياسي، وأبحاث مراكز الدراسات الاستراتيجية الغربية. هناك شعراء عظام زرتهم مرات عديدة في منازلهم ولم أر يوماً قاموساً واحداً بين أيديهم، وهذا ينطبق على الممثل المحترف المالك لأدواته».

يصمت مسعود متفاجئاً حين يلمح على شاشة «الميادين»، خبراً عاجلاً يقول «أنباء عن مقتل قائد الدفاع الوطني في سوريا». يصمت ويدخن ما تبقى من سيجاره الكوبي، نافثاً دخانه في أرجاء البيت، ناظراً نحو لوحة لجبران خليل جبران معلقة على حائط الصالة كُتب عليها: «ويل لأمةٍ تكثر فيها المذاهب والطوائف ويقل فيها الدين».