2014/04/03

صباح الجزائري
صباح الجزائري

 

خلدون عليا – البعث

 

 

تختلف تقييمات النقاد والصحفيين والعاملين في الوسط الدرامي، من كتاب وممثلين ومخرجين، حول طريقة تعاطي الدراما السورية مع شخصية الأم من خلال الأعمال التي قدمتها عبر سنوات طويلة، وإذا كانت الأم الحنونة والطيبة والمضحية بكل شيء في سبيل أولادها دون النظر ولو لجزء يسير من حياتها، هي السمة الأبرز لشخصية الأم التي قدمتها نجمات مثل منى واصف أو الراحلة نبيلة النابلسي ونادين خوري وسمر سامي وضحى الدبس وغيرهن.. إلا أن هناك حالات أخرى وإن كانت قليلة، ومع تصاعد حضور ما يسمى دراما البيئة الشامية، أو بالأصح الفانتازيا الشامية خلال السنوات الأخيرة، ظهرت شخصية الأم بشكل محوري في هذه الأعمال، ولكن لم تستطع هذه الشخصيات المقدمة سوى تكرار نفس سيناريو التشويه لدور الأم، كما هو الحال بالنسبة لتشويه تاريخ مدينة دمشق ثقافياً واجتماعياً وسياسياً وفكرياً، فلم تُظهر هذه الأعمال الأم سوى بمظهر الثرثارة، والباحثة عن مشاكل مع كنّتها، أو وضع حدٍّ لها من خلال تحريض ابنها عليها، أو الأم الباحثة عن عروس لابنها كما هو الحال بالنسبة لشخصية "أم عصام" صباح الجزائري في المسلسل الشهير "باب الحارة" أو الأم الباحثة عن الانتقام والصراعات الفارغة مع قريناتها ولو على حساب حياة ابنتها وسعادتها كما هو الحال بالنسبة لشخصية "فريال" وفاء موصلي.. فكان حضور شخصية الأم بعيداً عن الدور الثقافي والريادي والحضور الاجتماعي الحقيقي للأم والمرأة الدمشقية خلال تلك الفترات التي يزعم أصحاب هذه الاعمال أنهم يمثلونها، وما يؤخذ على هذه الأعمال تضييق مساحة و حضور الأم ودورها في الحياة الأسرية تحديداً، فظهرت باحثة عن إرضاء رغبات زوجها، وبسط سيطرتها على زوجات أولادها أكثر من حضورها على الصعيد التوعوي والاجتماعي الحقيقي.. وبالطبع لا يخلو الأمر في بعض الأحيان من المشاهد العاطفية حول علاقة الأم بولدها وخوفها عليه، وهو أمر طبيعي في الحياة العادية، كما لم تنس هذه الأعمال زجّ عدد من المشاهد التي تتعلق بمقاومة المرأة الشامية والأم للاستعمارين الفرنسي والعثماني، في محاولة لتزيين الشخصية، ولكن كما يقول المثل الشعبي "لا يُصلح العطار ما أفسده الدهر".

يمكن القول إن هذه الأعمال لم تحمل في طياتها أي دور ثقافي أو ريادي للأم في توجيه أسرتها، أو أي دور تلعبه في تعليم أو تثقيف أبنائها وتقديم النصح والمشورة لهم، أو دورها في لمّ الشمل وتقديم النصح للزوج، فظهرت كما تريد لها هذه الأعمال امرأة ثرثارة، ومهتمة بمواضيع فارغة لا قيمة لها، في حين أن أعمال التاريخ الشامي كانت الأقرب لتطوير دور الأم ووضعه في مكانه الصحيح عبر مجموعة من الشخصيات التي رأيناها في مسلسلات مثل "طالع الفضة" للمخرج سيف الدين سبيعي و"الأميمي" للمخرج تامر اسحاق.

إذاً.. يبدو أن دور المسلسلات الشامية، وبالتحديد الفانتازية، هو استمرار للتشويه، والبعد عن الواقع، وعدم ممحاولة إضفاء ولو شيء من الواقعية على هذا العمل لتكون شخصية الأم هي إحدى ضحايا فانتازيا التشويه المطلوبة في سوق عكاظ الرمضاني.