2014/04/23

«نبض» مأمون الخطيب.. الاستعارة السورية الصادمة
«نبض» مأمون الخطيب.. الاستعارة السورية الصادمة

سامر محمد اسماعيل - السفير

لم يخفِ المخرج مأمون خطيب إعجابه بمسرحية «أمهات الرجال» لـ«بيرسيفال وايلد 1887- 1953» النص الذي وضعه الكاتب الأميركي عن سيدتين إنكليزيتين لكل منهما ابن في الجبهة يشتركان في الاسم نفسه «توم شيبستو»؛ نقله المخرج إلى نسخة سورية ليصبح اسمه «فادي سلوم» لنكون أمام مسرحية عنونها خطيب باسم «نبض» (خشبة الحمراء - دمشق - 17 نيسان - 1 أيار المقبل) محوّلاً الاسم الإنكليزي لعائلة أرستقراطية اشترك أجدادها في حرب القرم ويتحمس ولدها الوحيد للذود عن بلاده في الحرب العظمى؛ إلا أن العرض (أنتجته وزارة الثقافة السورية - المسرح القومي) يسقط مباشرة في مقارنة بين حملة «كيتشنر» سكرتير الحرب العالمية الأولى 1914 ومروّج الدعاية الحربية التي كانت سبباً رئيساً في ذهاب شبان إنكلترا إلى حرب عبثية ماتوا فيها بالآلاف؛ وبين شبان سوريين يقضون اليوم أيضاً في الجحيم الدائر على أرضهم منذ قرابة ثلاث سنوات! استعارة للمخرج «خطيب» قدم فيها على مدار 45 دقيقة عرضاً أسقط فيه اسم الكاتب الواقعي الأميركي عن بروشور العرض! دافعاً بشخصية نسائية ثالثة - «أم لارا - نسرين فندي» إلى نص «وايلد»، مغيراً مكان الحدث في النص الأصلي من منزل «السيدة شيبستو» إلى حديقة عامة في شوارع دمشق 2014، إذ حبك صاحب «تلاميذ الخوف» إعداده للمادة النصية مع دراماتورج العرض حازم عبد الله في زمان ومكان الحدث الدامي لبلاده، دامجاً بين حكاية سيدتين سوريتين تصل إحداهما برقية بمصرع ابنها، يحدوها الأمل في أن يكون القتيل هو ابن الأم الثانية التي فقدت هي الأخرى ولديها، وترفض بشدة فقدان ولدها الثالث.


تتطور أحداث العرض بين المرأتين، أم سورية من عائلة متوسطة الحال وأخرى من طبقة ميسورة تعمل كمديرة مدرسة. وقد عمل المخرج على تمويه مقولة التنويع على طرفي الصراع السوري، منتجاً شخصية لأم ثالثة تُداخل باستمرار بين حوار المرأتين فتروي قصة نزوحها مع ابنتها الصغيرة من الحي الذي تعرض للقصف المباشر بعد افتراقها عن زوجها وجيرانها، وخروج جميع من كان في الحي من الأهالي هائمين على وجوههم في شوارع العاصمة، فكم كان صادماً افتتاح مخرج العرض لأحداث مسرحيته بخروج أم من حقيبة سفر تتوسط حديقة عامة يطل عليها جبل قاسيون، وذلك بعد شطب أي أثر عمراني على سفح الجبل الشهير، حيث آثر أحمد الروماني، مصمم سينوغرافيا العرض، على وضعنا مع المخرج في فضاء عمومي لكنه معزول تماماً عن الحياة، ومفروش بأوراق أشجار خريف برتقالية ملأت أرضية الخشبة، جنباً إلى جنب مع قناديل رومانسية تناظرت على الخشبة في تقاطع هندسي رتيب، خففته موسيقى الفنان طاهر مامللي الذي قدم نصاً مؤثراً للعرض؛ لكنه بدا ملتزماً بموسيقى «جنريك»، شارة بداية وشارة نهاية تماماً كما هو سائد في مسلسلات التلفزيون، من دون أن تكون هذه الموسيقى متجذرة في بنية العرض المسرحي، لتصير عنصراً تزيينياً جعلها المخرج بمثابة غلاف أنيق لقذائف هاون تسقط بالقرب من المكان، وأخرى «صديقة» كما ورد على لسان الشخصيات في دلالة على راهنية الحدث، وليكون الجمهور أمام مقاربة لثلاث أمهات في حديقة دمشقية تجمعهن الحرب تحت طرحة عرس بيضاء اختارها « خطيب» لتكون رمزاً لبلاد تُخاط فيها الأكفان أكثر بآلاف المرات من فساتين العرس؛ وذلك وفق نوع فني اقترب من «مسرح الحكي» الذي اقتصد في الحركة والفعل على حساب حوارية نسائية سردت مآسيها عن الكارثة الوطنية بمكالمات هاتفية خاطفة تنعدم فيها التغطية عن الجميع، لتصبح النسوة الثلاث على مسرح حرب واحدة كأمهات لجنود لا يعودون من حربهم إلا في قائمة طويلة من تشابه أسماء تختلط جثث أصحابها وأعضاؤهم في برادات الموتى، مثلما تختلط فيها انتماءاتهم السياسية.