2014/07/20

مشهد من الأخوة
مشهد من الأخوة

 

إسماعيل مروة – الوطن السورية

 

 

عندما يتحول المبدع إلى أداة تضيع التفاصيل الجميلة، ويصبح الفن النبيل مجرد أداة لتحويل الأنظار عما هو مهم إلى ما هو أقل أهمية، أو إلى ما هو غير مهم، وبالتقادم والتتالي يصبح غير المهم هو المسيطر والحالة المثلى في مجتمع وليد لم يخرج من حالة الحضانة بعد أكثر من قرن على ميلاد نهضته!

ويزعم أحدنا أنه حر فيما يفعل، وفيما يقدم، ويجد المسوغات لهذا التصرف أو ذاك، علماً أن هذا التصرف ليس فردياً، بل هو جمعي يمثل قيمة أو لا قيمة، ودرامانا العربية، والسورية تحديداً وجدت منذ عقود خطاً نهضوياً مهماً، فعالجت موضوعات فكرية، وقدمت نموذجاً مهماً للمجتمع كان بإمكان هذه الرؤية المتقدمة أن تخدم المنظومة المجتمعية سياسياً واقتصادياً وفكرياً، ولكنها فجأة ودون سابق إنذار، وتحت إلحاح العمل ولقمة العيش دخلت في نفق غير معروف النهاية..!

استغلال الحب لما هو سوري

صارت الأصوات السورية التي أحبها المشاهد العربي في كل مكان هي لسان حال شخصيات وصور تركية وصينية وأميركية لاتينية، الشخص الذي يتحرك أمامك ليس سورياً أو عربياً، واللسان عربي دافئ، ولم يدرك فناننا السوري خطورة هذا الأمر إلى اليوم، ويكتفي بملاحظة هنا أو هناك ليتابع رحلة الفن الذي اختاره ووقع تحت وطأته ليروج لمفاهيم ورؤى بمنتهى الخطورة، وهنا لا أقصد القضايا الأخلاقية، فلكل مجتمع أغلاطه وقيمه، وفيه ما يكفي من اهتراء أخلاقي، لكن ما قدمته هذه الأعمال هو إحلال الاهتراء الوافد إلى جانب اهتراءاتنا، فصارت البطولة الجوفاء شعاراً، وصار القتل ديدن الحديث، هذا إضافة إلى استمراء الكثير من المواقف ونقلها ليس في تلك الأعمال، وإنما نقلها إلى أعمالنا..!

روبي نموذجنا المعمّم

وهل ينسى أحدنا ذلك المجتمع الباذخ وتلك الروبي التي نقلت بشخصيات سورية وعربية، فكانت أكثر اقناعاً من الاكتفاء بالصوت، بل إن العمل حظي بجوائز تقول لصناعه، أحسنتم تابعوا الطريق وانقلوا ما شئتم فهذا أمر مرغوب، تلاشت قضايانا، ولم تعد مرايا العظمة قادرة على الصمود، وبقعة الضوء الناقدة لم تعد مقنعة أمام عالم نحّى البسطاء جانباً، وقدم لنا عالماً مترفاً أصبحنا نريد الانتماء إليه وإن لم نملك المقومات! فكلنا يبحث عن روبي وتوابعها!

شركات الفجأة والغفلة

ونبتت شركات فجائية، وكل ما تقدمه يقوم على موضوعات، وإن كانت موجودة إلا أنها لا يصح أن تكون حالة درامية، فالدراما تملك غاية ورسالة، فهل تكرّس الدراما الحالات المرفوضة لتجعلها مقبولة ومسوغة؟

الروح تصرخ، والخيانة موضوع يصبح على مائدتنا، ولا يهم أن يكون في رمضان أو سواه، والإقناع يحوّل المجتمع السوري كله إلى حالة من الخيانة بين الأخ وأخيه، وبين الأب وابنته، وهكذا دواليك تدور يا أبو الحظوظ، وتمتلئ الأشرطة والجيوب، ويصبح الموضوع العهري هو الأكثر طلباً وإلحاحاً، والغريب أن يشارك في هذه الصناعة أسماء تنويرية كبيرة لا تحتاج مالاً أو شهرة، وتتناس هذه الشخصيات ما لها من أثر كبير، وخاصة بعد أن تحولت بتكريس الدراما والسلطة إلى صاحبة رأي!

وإذا ما استمعنا إلى الحوار فإننا ندهش لحوار صديقين في أحد الأعمال اكتشف أحدهما خيانة الآخر، فالحديث مفتوح ووقح، ويصل إلى درجة الغثيان، والممثل الكبيريؤديه بمهارة، وأمام إعجابنا بالمهارة تتسلل الفكرة إلى دواخلنا لتصبح من المسلّمات!

 الخيانة وزنا المحارم كل ما لديهم

نشر أحد الكتاب عن شركة تطلب موضوعات عن الخيانة وزنا المحارم والعلاقات غير الشرعية، والتي تطلب أن تكون المعالجة عميقة ولا تقف عند خط محدد، ودافع عن مبدئه بأنه كاتب مقاومة لا يفعل ذلك، وفي الحقيقة أحيي موقفه بعدم الكتابة، ولكن لا أتفق معه بأن القضية تنحصر بين مقاومة وفكر آخر، فهذا لا يقابل هذا بالتأكيد، ولكل فكر مجاله الذي يدور فيه، ولكنني في غمرة ما يحدث في سورية والعالم العربي كله، ألا يحتاج مجتمعنا اليوم إلا معالجة الجنس والعلاقات غير الشرعية المحرمة؟ فهل سبب ما وصلنا إليه هو هذه الموضوعات؟ إن كانت معالجتها تخرجنا من الأزمة أريد الدليل على ذلك، وإن لم تكن وهي الحقيقة- أريد تسويغ سيطرتها على كل شيء!

الحرية الفكرية والسياسية والاجتماعية موضوعات أعلى بكثير، ولتبق الروح الملوثة التي يريدونها صارخة ما شاء لها أن تصرخ، ومن العبث والعيب أن تحول عن الموضوعات المصيرية في مثل هذه المرحلة إلى موضوعات معيبة للمجتمع وأفراده، ولا أدل على ذلك من ضياع اسم الكتّاب، بل وربما جاءت هذه الموضوعات من طرف غير الطرف الذي وضع اسمه على النص، فقرأنا أسماء على النصوص لا علاقة لها بها، ولا علاقة لها بالكتابة على ما أظن إلا الجرأة في حمل الموضوعات التي يأنف أصحابها من حملها..!

رأيت بعضاً من هذه الأعمال

توقفت عن المتابعة.

نجومنا وأدوار غير لائقة

أسفت أن يقبل نجومنا العمل فيها من أجل أي شيء بما في ذلك القناعة! بلاد تحترق، وذاك يتبرع بامرأة خائنة لصديقه الذي ضبطه معها! أيعقل هذا! أيليق بنجم نحبه أن يلعب دور قوّاد لأخته؟!

أيستطيع الفنان أن يكون صاحب رأي وهو الذي يقوم بمثل هذه الأدوار؟ عندما يعمل الفنان في أي عمل هابط أو دون المستوى يفقد مشروعية أن يكون صاحب رأي فما حاله مع هذه الأدوار؟

هل يمكن أن يسوّغ ذلك بأنه ممثل ويؤدي أي دور؟!

لماذا عندما يتصدى للرأي العام يظهر نفسه فيلسوفاً أفلاطونياً؟!

طبعاً لا أريد من الفنان حالة التطابق ما بين القيم والموقف والدور مع أن التطابق هو الحالة العليا والمثلى، لكن ما أريده ألا يضحي بذاته وتاريخه ورأيه المحترم في الشارع من أجل أي شيء من مال وعلاقات واستمرارية، علماً بأن من يقوم بهذه الأدوار هم الذين لا يحتاجونها بأي مقياس من المقاييس، وليت هؤلاء الكبار بقوا في عمق البيئة وأعمالها مع ما عليها من ملاحظات دون أن يدخلوا في دوامة أفكار سيحاسبهم عليها الوطن بعد أن تصبح بضاعتهم على كل شفة ولسان..!

هل الوطن أوكار دعارة؟

بدل أن يتحول الوطن إلى مجموعة أوكار للخيانة والدعارة من منظور صناع هذا العمل، ابحثوا عن الإنسان المنتمي والقضايا التي تعيد الألق إلى الإنسان والتراب، هذا إلا إذا كان رأس المال يفرض أمراً، وإذا كان يفرض فلنسأل عن وطنيته ومصدره قبل أن يتحول إلى جيوبنا..! فنانونا الكبار أنتم الحامل للعملية الفنية والإنتاجية فلا تسمحوا لأنفسكم أن تحمل مشروعات لا يعلم أحد خطورتها إن كانت بريئة أصلاً، والبراءة هنا أعني بها الربح والخسارة، فما من براءة في إنجاز مشروع فكري وفني، وخاصة عندما تتخاطفه القنوات لترى تفاصيل المجتمع السوري كما سوقها مجموعة من المرضى والتجار.

أما الإخوة فأي إخوة؟ الإخوة نموذج سوري!

مجموعة من الإخوة لعمل مترجم، والأخوة بالتبني، لا تتوقف الخيانات بين الأخ وأخيه، ولا تتوقف المكائد عن الإيقاع بزوجة الأخ بالتبني، لأن الأخ يحبها، وينهار  لاجئاً إلى المشروب، ويقابله مقابلة وقحة، ويتعرى الجميع أمام بعضهم، وكأن فصل الخيانة، والشرب غير المحدود المفرط هو الحل لمشكلاتنا، والعجيب أن فناناً يعتذر عن عدد من الأعمال السورية المهمة ينخرط في مثل هذه العلاقة الأخوية الشاذة، وفنانين آخرين من الذين يرون أنفسهم قادة وأصحاب رأي يحملون على عواتقهم هذا العمل التي تتبارى القنوات لعرضه نموذجاً للمجتمع السوري لا للفرجة، ويبدو أن هذه الموجة من الأعمال ممنهجة وتسير وفق خطة محددة جنباً إلى جنب مع الأعمال البيئية السطحية الرديئة، وكلاهما خطر على الدراما السورية والشارع السوري..

من الخبز الحرام إلى خواتم سلسلة!

مع الخبز الحرام بدأت العجلة تدور سريعة، وانخرط فيها فنانون وفنانات كبار، والعمل في مشهديته تفوح منه رائحة المواخير والعهر إلى درجة عجيبة، ومفردات النص والحوار منقولة بصدق وأمانة عن هذا المجتمع، وتتالت السبحة فصرنا أمام صرخة روح الذي أفرد للحديث في العلاقات الشاذة إلى درجة تبعث على الاشمئزاز، ومن عجب أيضاً أن أغلب فنانينا الذين نحترمهم، والذين يعدون أنفسهم أصحاب موقف دخلوا في دوامة الصرخة التي استهوتهم، ومن لم يدركه الجزء الأول سارع للانخراط في الجزء الثاني، والذي سيتلوه أجزاء، وما الذي ينقص باب الخيانة عن باب الحارة!!؟

أظن أن فعل مثل هذه الأعمال أكثر خطورة من الحرب التي تجري على أرض سورية، وهنا أنا لا اريد فعلاً رقابياً، فأنا ضد الرقابة ولا أريدها مطلقاً لا سياسة ولا ديناً و لا جنساً، لكن خطابي موجه لصناع الدراما الذين لم يكترثوا لأي شيء يمكن أن تجره هذه الدراما التي صنعوها من أجل حفنة من المال، ولا أقول العيش فكلهم يعيشون ملوكاً وليسوا بحاجة للعمل من أجل لقمة العيش.

شهوانية غير مسوّغة

والأمر لا يتعلق عندي برمضان فالدراما صناعة لا علاقة لها به، وإن كان رمضان الموسم، وعندما كنت أتابع عملاً درامياً يحمل اسم (خواتم) التبس الأمر عليّ، فكأنني أمام صرخة روح، فجاجة في الطرح، وقاحة في تناول موضوعة الجنس والشهوة والعجز، فحيح مسعور لشهوانيين يدورون في حلبة واحدة، وبقيت دقائق حتى عرفت أنني أمام عمل آخر ليس الصرخة وإنما الخواتم! ومع أنني أكتب وأعيش، وأدرك منظومة الجنس إلا أنني شعرت بأن هذه الأعمال تخرج عن الإطار الذي من المفترض أن تدور فيه، فلا يجوز حسب رأيهم أن نهمل موضوعة الجنس، وأن نبقى مكبوتين!! ولكن هل يجوز أن تصبح الحياة كلها جنساً ورغبة وخيانة؟! ماذا أبقينا للدراسة والعلم والسياسة والاقتصاد والفكر والاختراع والحب والنبل والوفاء؟!

صديق لي يعيش في باريس قال لي: عندما رأيت حلقة من عمل سألت نفسي ثم سألت الآخرين حتى تأكدت من أن العمل السوري وصل إلى هذه الشجاعة!

وفي أعمال البيئة جنس!

حتى الأعمال الشامية لا تخلو من إيحاءات جنسية غبية كصفق الباب وتفتيل الشوارب، والسؤال عن ماء الحمام وسوى هذه المفردات الغبية.

الدراما رؤية للواقع وليست تشريحاً له، ومن المفترض أن نرى واقعنا وأن نقدمه بصورة تدفعه إلى الرقي، ولا بأس من العلاقات وسواها، لكن لا أن تتحول إلى المرتبة أولى في الحياة وكما وصل الأمر في الدراما السورية في المواسم الأخيرة، وعلى فنانينا أن يتنبهوا إلى صناع الدراما وما يجرونه على الدراما والمجتمع والنجم.. وأذكر فنانينا من يعرف منهم، وأعرّف من لم يشاهد، لقد خسر الفنان المبدع شوقي متى كثيراً بعد دوره في (قطة على نار) وصبغت الفنانة الكبيرة بوسي بأدوار محددة بعد هذا الدور الذي صاغه ببراعة رفيق الصبان عن الشذوذ الجنسي الذكوري! فهل نحن بمنجاة عن مثل هذه النتائج؟

ارفضوا الرقابة ولكن

عرض «سنعود بعد قليل» لنماذج من الحالات الاجتماعية القائمة على الخيانة والعلاقات غير الشرعية، لكنها مرت بلطف، لأنها كانت أحد الخيوط، ولم تعف منها شخصية من شخصيات العمل، أما أن يبنى العمل بتمامه على الجنس والاستغلال والجنس المحرم، فهذا أمر غير مقبول البتة، وإن دلّ على شيء، فإنه يدل على ضعف كاتب لم يستطع أن يكتب نصاً فيه كل ألوان طيف الهموم والمشكلات في المجتمع، فالكاتب البارع هو القادر على تقديم رؤية والرؤية تأخذ كل ألوان الطيف دون الاكتفاء بلون واحد قد يكون مشوهاً وغير قادر على إعطاء فكرة ما.. وعندما يكون النص ضعيفاً والكاتب درويشاً على النجوم والفنانين ألا يرضخوا لصناع الدراما.

غضب لدى الرافضين، همس محتج لدى المتحررين حول ما تقدمه الدراما السورية من موضوعات انتقلت من الرؤية إلى التصوير والتشريح وإلباس المجتمع وما لا يحتمل من ألبسة مستوردة لم تكن له.

افتحوا النوافذ، وكونوا أحراراً، ارفضوا الرقابة كلها، ولكن لا تكسروا النوافذ بحثاً عن شكل تظنونه عظيماً.