2014/07/24

جمال سليمان مجسداً عبد الناصر
جمال سليمان مجسداً عبد الناصر

 

عبد الرحمن جاسم – الأخبار

 

 

ضمن مسلسلات السيَر، نشاهد هذا الموسم «صديق العمر» عن شخصية المشير الراحل عبدالحكيم عامر وعلاقته بصديق عمره الرئيس الراحل جمال عبد الناصر. ضجة كبيرة رافقت العمل منذ أولى حلقاته مع انتقادات طاولت بطله جمال سليمان في دور عبد الناصر، وهجوم عائلة الزعيم الراحل عليه.

 

استُحضرت لهذا العمل الدرامي نقاط قوةٍ متعددة أبرزها مؤدون نجوم أمثال جمال سليمان والمصري المتألق باسم سمرة في دور البطولة الآخر أي المشير عامر والنجمة التونسية درّة مؤدية دور الممثلة برلنتي عبدالحميد عشيقة المشير (وزوجته الثانية لاحقاً). أضف إلى هذه النقطة مخرج متمرّس هو عثمان أبو لبن فضلاً عن الإصرار على الإشارة إلى دور حاتم صابر بصفته الخبير العسكري المشرف على الشخصيات في العمل.

هي عادة السينما المصرية ولن تشتريها من أحد. تنتهج السينما المصرية (والتلفزيون على غرارها) فعلين أثناء تصوير أي شخصيةٍ تاريخية: التأليه أو التشويه. لا حلول وسطٍ البتة. تصبح الشخصيات بقدرة قادرٍ من نوعٍ «مسطح» نفسياً: لا صفات جانبية أخرى لها، لا مواقف، وكل ما يمكن تحويره وتحويله ليخدم رؤية «الكاتب/ المخرج» والمنتج خلفهما يُستعمل. مصداق هذه الحالة هو مسلسل «صديق العمر» (إنتاج I production والتلفزيون المصري). تكفي فقط متابعة مشهد الزعيم جمال عبد الناصر حين يخبره ضابط الأمن السوري سيء السمعة عبد الحميد السراج أنّ موظفي سجلات المواليد لا يسألون الأهل ماذا يريدون تسمية مواليدهم لأنهم يسمونهم جميعاً «جمال» حباً بالرئيس المصري. هنا تبدو حرفة «الأذى» الكتابية/ الإخراجية: يضع جمال سليمان (مؤدي الشخصية) يده على ياقة قميصه، يوسّعها قليلاً، يبتسم ابتسامة ضئيلة، ويهز برأسه بنوعٍ مخيفٍ من الغرور وإن كان لا يريد إظهاره! هل كان ممكناً أن يتصرّف عبد الناصر هكذا؟ المعروف عنه أنّه لم يكن يتقبل المديح ولم يكن يستسيغه (يمكن مراجعة كتب ومقالات محمد حسنين هيكل عنه فضلاً عن العديد من الكتب الغربية عن شخصيته). إذاً ما القصد من هذا المشهد؟ لندع القصد جانباً ونتوغّل أكثر في التاريخ: هل كانت علاقة السراج بعبد الناصر بهذه القوّة؟ ليس هناك من مصدرٍ تاريخي يؤكد أنّ علاقتهما كانت تتعدى علاقة قائد ثورة بضابط عنده. إذاً، ما الحكمة في ربطهما معاً؟

لا تعرف الأجيال الجديدة كثيراً عن عبد الحكيم عامر. ما تعرفه أنّه كان السبب في النكسة. كان قائداً للجيش وصديقاً مقرّباً من عبد الناصر، وكانت تلك الهزيمة نهايته السياسية. يريد المسلسل تغيير هذه الحقائق التاريخية إلى حقائق مماثلة لما فعله في مسلسل «الملك فاروق» لكاتبته لميس جابر. كما أصبح الملك فاروق قديساً، وكل ما فعله في حرب 1948 حين أعطى الجيش المصري سلاحاً فاسداً، والفساد المستشري حوله وهماً لا حقيقة، يريد المسلسل صنع ذلك، ومن يتابعه يدرك أنه ينجح وبقوّة. كل المشاكل سببها عبد الناصر، أما المشير، فلا حول له ولا قوة. يطيع من دون أي سؤال، يثق بصديق عمره (عبد الناصر) من دون نقاش، وكل قراراته ترتكز إلى شعوره بأن هذا هو ما يريده «الريس». جهد المؤلف محمد ناير كثيراً في العمل المقتبس عن قصة «الرئيس والمشير» للراحل ممدوح الليثي، ذلك يبدو واضحاً. التزييف في الحقائق كان يحتاج إلى كثيرٍ من الجهد، فعبد الناصر شكّل مشكلةً لا حلّ لحكّام مصر القلة المتعاقبين، فكان لا بد من تشويهه بكل ما أوتوا من قوة. هذه الحالة غريبة للغاية، فمصر كما نعرفها اليوم لا تزال ـ حتى اللحظة ـ تعيش على انجازات الرجل: قناة السويس التي أممها، السد العالي الذي بناه، وبالتأكيد لم يكن عبور خط بارليف من انجازات السادات، فهو لم يفعل شيئاً سوى أنّه ورث تحضيرات «الريس» وقطفها. تاريخياً، أخطأ المسلسل كثيراً، وهو الذي دفع بأسرة العمل إلى الاعتذار علناً بعد أيامٍ من بداية أيام عرضه. لكن ماذا كانت تلك الأخطاء؟ أشار سامي شرف (سكرتير عبد الناصر) إلى أنَّ المشير عامر لم يلتق ببرلنتي عبدالحميد في نشاطٍ ثقافي في أحد النوادي كما يصوّر المسلسل، بل في إحدى الحفلات الخاصة التي كان يقيمها صلاح نصر (مدير المخابرات المصرية آنذاك) للضباط ذوي المراتب العليا والمتنفذين. اللافت كان السقطات التاريخية الأكثر وضوحاً مثل القرارات الاشتراكية التي لأجلها ثار الشعب السوري على الوحدة وأعلنها الرئيس عبدالناصر في حزيران (يونيو) عام 1961. أما في المسلسل، فالنقاش يدور حولها قبل شهر، وهي نفس مشكلة الحديث بين عبد الناصر الذي يخاطب مجلس قيادة الثورة عام 1961 مشيراً إلى استقالة عبد اللطيف البغدادي وكمال الدين حسين، مع العلم أنهما استقالا بعد ذلك بثلاث سنوات (ناهيك بتصوير المسلسل لصلاح نصر كعضو في مجلس قيادة الثورة، وهو أمرٌ غير صحيح)، فضلاً عن تعظيم دور محمد حسنين هيكل، فهو يبدو مستشار الرئيس الأوحد. عبد الناصر مثلاً يطلب منه مساعدته في كتابة خطاب احتفالات الثورة في 1961، رغم أن هناك أوراق الخطاب مكتوبة بخط يد عبد الناصر نشرتها ابنته هدى تخالف هذه الفكرة بشكلٍ تام. تقنياً، يبدو أجمل ما في المسلسل اعتماده طريقة التصوير بالأبيض والأسود مازجاً أسلوبي الـRetro وFilm noir مع بعضهما وهو ما اعتمدته الأفلام الأميركية مثلاً في أفلام مثل The Good German مع توبي ماغوير، جورج كلوني وكايت بلانشيت. كمخرج، يجيد أبو لبن التعامل بحرفية مع مشاهده، وإن عابه أحياناً بطء حركة الكاميرا، والتركيز على جعل المشير «يصرخ» كل الوقت، حتى كأنما هو لا يتحدث إلا صراخاً، خصوصاً في المشاهد الحساسة. باسم سمرة من جهته بدا متقداً وذكياً في أداء دوره، وإن أثقل عليه بالصراخ (وهو خطأ الكاتب والمخرج وليست غلطته بالضرورة). في غير ذلك، بدا متمكناً ومالكاً لروح الشخصية. من جهته، بدا جمال سليمان متكلّفاً بعض الشيء، فالممثل السوري القدير، لديه حرفة ومهارة التمثيل لكنه أيضاً يمتلك «لمسةً شخصيةً» كما يسمونها في عالم التمثيل. هو يضفي من شخصيته الأصلية على الدور الذي يؤديه. وفي حال هذه الشخصية، وتحديداً جمال عبدالناصر، لم يكن ذلك ممكناً أو حتى مسموحاً. كان عليه أن يتنبه ـ بحكم خبرته الطويلة ـ إلى أنّ الشخصية ممتلئة أصلاً ولا تحتمل أي زيادات. بدورها، بدت درّة متكلفةً أكثر من اللازم. الممثلة التونسية حاولت تقديم شخصية «نفيسة»( الاسم الأصلي لبرلنتي عبدالحميد) بالتوازي مع شخصية برلنتي «الشهيرة» بمزجٍ كان لينجح ربما لولا الانفعالات الكثيرة المتكّلفة في بعض المشاهد.