2014/07/24

أيمن رضا
أيمن رضا

 

وسام كنعان – الأخبار

 

 

في حيّ الفردوس الدمشقي، وعلى مرمى حجر من تمثال يوسف العظمة الشهير، يثبّت المخرج السوري عامر فهد كاميرته في الزقاق الواصل بين سينما «الدنيا» ومقهى «الكمال»، وتحديداً في مطبعة قديمة تحت الأرض، فأنجز اسكتشات «غداً نرتقي» التي كتبها حازم سليمان على مدار 3 أجزاء

تلك الاسكتشات هي تقليد للوحات «أمل ما في» التي سبق أن قدّمها الليث حجو مع بسام كوسا وأندريه سكاف كنوع من تطوير وتلفزة فكرة «مسرح الشوك» (ستينيات وسبعينيات القرن الماضي) الذي أسسه عمر حجو برفقة دريد لحام. وفي الخيار الذكي لمكان تصوير اللوحات التي نشاهدها في ختام حلقات «بقعة ضوء 10»، نحن أمام رؤية تختصر رمزية كثير من الأشياء، منها محاولة البعض اختزال الثقافة في الكتاب، ومنها صناعة الموت التي ازدهرت في زمن «الربيع العربي» وباتت مرتبطة بمكان طباعة النعيات، إضافة إلى الحوار العميق الذي يكشف عن اطّلاع الشخصيتين، رغم أنهما عاملان عاديان لم يحصلا تعليماً عالياً، لكن طبيعة العمل خلقت منهما هذين الفيلسوفين.

في الموسمين الماضيين، تولّى عابد فهد ومحمد حداقي بطولة «غداً نرتقي»، لكن هذا العام وعلى مدار 6 دقائق تقريباً نشاهد يومياً أيمن رضا وقاسم ملحو ثنائياً جديداً خلفاً لفهد وحداقي. تبدأ الحلقة الأولى من مفارقة غياب النجمين عن العمل فيوظّفه المخرج لصالح الحدث، إذ نشاهد صورتهما بلباس المطبعة معلقتين على الجدار مع شارة الحداد السوداء في لوحة سميت «ما إلهن حدا»، لتبدأ المحاكمة الأخلاقية والنقدية لملف المفقودين في الحرب. ملفّ فتحته الأزمة السورية ولن تطويه عشرات السنين. بعد ذلك تستمر اللوحات بلغة موحّدة كاشفة الحال الجديدة لعاصمة الأمويين والنفق الذي ابتلع البلد وسكانه، والسفينة التي تُجمع رؤيةُ كل عرّافي السياسة أنها غارقة لا محال، من دون أن توفّر الدراما الساخرة مناضلي الزمن الرديء الذين اتخذوا من صفحاتهم الافتراضية خنادق ليديروا نضالهم الوهمي والمشبوه. ثم تسيير اللوحات نحو الطائفية والمناطقية التي أضحت من أهم مفردات الواقع، وعن الموت الذي صار واجباً تلوينه، في محاولة قبوله وإقناع الذات بأنّ كل من يموت يسقط شهيداً تخفيفاً من وطأة الفجائع المتلاحقة. يزيد الأداء المتقن للثنائي قاسم ملحو وأيمن رضا من نجاح العمل، وخاصة أننا نرى في أداء رضا جانباً تراجيدياً يُضاف إلى براعته في الكوميديا، في حين يسجّل ملحو خطوة هامة من خلال تلخيصه عبر ردّات فعله نماذج متنوعة من الشعب السوري المكلوم. كما تعطي ملابس الشخصيتين بعداً دلالياً إضافياً، فالأزرق لون الحبر والأبيض لون الورق. وفق ما سبق، يمكن القول إن اللوحات القصيرة تمكّنت من اختزال جرح وطن ومعاناة شعب بطريقة لمّاحة وساخرة، من دون أن تفقدها هزليتها المبطّنة عمقها أو تُبعدها عن مناكفتها حيتان المال الذين استأثروا بالسلطة مقابل خراب البلاد وشلال الدماء، ليقدّم المشروع مجدداً مخرجاً لماحاً يمتهن صناعة الكوميديا في الحياة، قبل أن يحترفها في الدراما. يتّفق كثيرون على أن «غداً نرتقي» هو نجم الدراما هذا الموسم بسبب لغة مكثفة ورشيقة تسلّط سهام النقد الساخر على خبايا المجتمع السوري الغارق بالحرب والطائفية وكواليسه، فيما يفصح عامر فهد في حديثه إلى «الأخبار» أنه في صدد جمع الممثلين الأربعة الذين قدّموا هذه الفواصل ليكون هناك مشروع واحد على نفس المبدأ يعرض في العام المقبل.