2014/09/23

عثمان جحا
عثمان جحا

بوسطة- محمد الأزن

حاضرنا كسوريين أهم من التاريخ ولم نشوّه تاريخ دمشق

الدفاع عن مسألة انضمام "أبو عصام" للكتلة الوطنية يبدو ضعيفاً

مشروع "الدومري" أجهض بجرّة قلم

كارثة الدراما السوريّة على كل المستويات هي الرقابة

 

يبدو الكاتب عثمان جحى حانقاً على الرقابة السوريّة، ويرى أن مشكلتها معه ككاتب "شخصية"، ويشير إلى كونها السبب الرئيسي في وجود العديد من الثغرات بمسلسل "باب الحارة6" الذي عرض خلال الموسم الرمضاني الفائت، لكنّ جحى يبدو متصالحاً مع ذاته في الرد على الانتقادات التي طالت العمل، ولا يجد ضيراً في مناقشتها، لكنّه يؤكد على نجاح المسلسل، معتبراً إياه "استعاد ألق الدراما السوريّة، وأعادها إلى الواجهة، ويكشفُ أن الجزء السابع سيكون بعيداً تماماً عن السياسة.

التفاصيل في الحوار التالي:

ماهي التحديات التي واجهتموها أنت وسليمان عبد العزيز لاختيار نقطة البداية في "باب الحارة6"، والتأسيس على شخصيات سابقة؟

"كنّا أمام خيارين، أولهما الابتعاد عن السياسة نهائياً، وهو ما أراده سليمان، أما الخيار الثاني فكان تناول أحداث سياسية بقصد التأطير الزمني، وهو ما أردته، وأخذت هذا القرار بعد أن بنيت ملخصاً كاملاً للأحداث، أخذت عليه الموافقة من المخرج، بما أنني أتحدث عن مرحلة واضحة.

اقترح عبّاس النوري تناول الكتلة الوطنية، أو الإشارة لها، فاخترنا أن نبدأ في العام 1935، أو منتصفه، ثم نختم بالحديث عن (الإضراب الستيني) أوائل سنة 1936، الذي بدأ بالاعتراض على رفع رسوم (الكوران) وصول التيار الكهربائي إلى المنازل من جانب شركة (الجر والتنوير البلجيكية)، فقامت الناس بمظاهرات اعتراضاً على ذلك، هذا الموضوع جذبني لأنه قريب مما يحدث في سوريا حالياً،

فيما يتعلق بالكهرباء، وليس المظاهرات، وذلك مع دخول الفرنسيين على الخط، عبر نشرهم الزعران في الأحياء الدمشقية، لإثارة الفتن والبلابل، لكي يثبتوا للدمشقيين، أنهم الضامنين الوحيدين للأمن، وهذا كله موثق من الناحية التاريخية، وكتبنا العمل بالشراكة للنهاية."

قيل أنكم بذلتم جهوداً كبيرة، لتجاوز خطوط حمراء رقابية، لكي يُجاز تصوير العمل في سوريا، ماذا حدث في كواليس تعاملكم مع رقابة النصوص؟

"واجهتنا الرقابة بقسوة شديدة، حيث كانوا رافضين للعمل جملةً وتفصيلاً، أو حتى أي أعمل شامي آخر، ونُقِلَ عن مدير الرقابة في التلفزيون السوري أنّه يريد إنهاء ظاهرة الأعمال الشامية، فاستغربت ذلك وقلت له: (إذا كنت تستطيع إنهاء حارات الشام، وأبوابها، والجامع الأموي، يمكنك إنهاء هذه الأعمال، أما أن تقول كلاماً فضفاضاً، وبلغة متخشبة، فهذا أمرٌ آخر، أعطني ملاحظات لكي أعمل عليها)، وللإنصاف القيادة السياسية في سوريا، متفهمة أكثر من الموظفين الصغار الذين يبدو ملكيين أكثر من الملك، ورأوا أنه لماذا يصّور العمل خارج سوريا، وتضخ هذه الأموال خارج البلد؟، فليصّور هنا، وإذا كان هناك في النص ما يسئ للسوريين، نستبعده، هذه الصناعة تعيل آلاف العائلات، وما يصرف عليها، من الأفضل أن يصرف في سوريا، وبناءً عليه تم تصوير العمل داخل سوريا، وبقيت الرقابة حتى آخر نفس، غير موافقة عليه، وكانت تعطينا موافقات مؤقتة مدة كلٍ منها 15 يوم، مع طلب الكثير من التعديلات."

إلى أي حد أثرّت هذه التعديلات التي تكرر طلبها، على الصورة النهائية للعمل؟

"كثرة ملاحظات الرقابة، وطلبها لاستبعاد الكثير من الأمور، خففّ من جرعة الدراما، وأدخلنا في متاهة البحث عن حلول بديلة، فاستغنيت عن تفاعل كتير من شخصيات الحارة لصالح الحل السياسي، فظهر معي (باب الحارة)، بعد العمل عليه، مباشراً في طرحه، وأقرب ما يكون لدرس قومية، وهذا كان أحد المطبات التي وقعنا بها، فبدا الطرح السياسي أعلى مما يجب."

تعرض "باب الحارة 6" لانتقادات كثيرة، منها ما يتعلق بالنص، حيث تم اتهامك مع شريكك الكاتب سليمان عبد العزيز بتشويه تاريخ دمشق... ماردك على هذه الاتهامات؟

"بغض النظر عن المشاكل التي تطرقنا لها في العمل، بدايةً: الحاضر أهم من التاريخ، حاضرنا كسوريين أهم من كل شيء، وهذه المرحلة إذا لم نتخطاها بالصبر، والجلد، والتصميم والإرادة، سننتهي كدولة سوريّة، ثانياً: أنا لم أرَ أين

شوّهنا تاريخ سوريا، بأي نقطة من العمل، مع العلم أنني فتحت في الجزء السادس قصة فضفاضة، قمت بتأطيرها تاريخياً بـ(الإضراب الستيني)، وظهور الكتلة الوطنية، تحديداً في العام 1935، وسعي فرنسا لتقسيم البلاد، والظروف التي مهدت لمعاهدة 1936، أما تشويه تاريخ دمشق، فأنا أجزم بأن ذلك لم يحدث، لأنني بعيد كل البعد عن ذلك، وحكايتي شعبية، وغير معنية بالتاريخ بصورة رئيسية، ولو أنني أريد سرد الوقائع التاريخية لسرت باتجاه عمل آخر."

ولكنكم أفردتم مساحة كبيرة للحديث عن تداعيات مشروع تقسيم سوريا من جانب سلطات الانتداب الفرنسي في ذلك الوقت، ثم عن "الإضراب الستيني" الشهير، لكن هاتين الحادثتين متباعدتين تاريخياً الأولى: قبل الثورة السورية الكبرى في العام 1925، وانتهى مشروع التقسيم بانتهائها، والحادثة الثانية: سنة 1936 ؟

"في عام 1936 بالذات أتت وفود من كل سوريا إلى دمشق، وخرجوا في مظاهرات رفضاً للمعاهدة التي كانت ستقوم مع فرنسا، يقول الكاتب كمال ديب في كتابه (تاريخ سوريا المعاصر)، إن فكرة التقسيم، لم تخمد، ولا لحظة في بال الدول الغربية، والدليل ما نحن عليه اليوم، وإحدى بنود المعاهدة الأساسية تقسيم سوريا إلى أربع دويلات، وربطها اقتصادياً بفرنسا، وعادت الفكرة للظهور في العام 1949 بعد الاستقلال... مشرع التقسيم وارد بكل المراحل، ولكنني ركزت على المعاهدة."

ولكن لم تتم الإشارة إلى موضوع التقسيم في الأجزاء السابقة، ما أوحى لمشاهد غير العارف بتاريخ سوريا أنّه حديث العهد؟

"لماذا ننظر إلى الموضوع على هذا النحو، بدلاً من اعتباره إضاءة فيما إذا لم تم تقسيم البلاد، وهذا دور الدراما التنويرية، حقيقةً كان هذا أحد الخيارات الصعبة فيما نود أن نطرحه في العمل، وتوقفنا عنده حينما أجرينا تعديلات على النص، وقررنا بالنهاية الإضاءة عليه لنقول ما أشبه اليوم بالبارحة، وهذا هامش يحق لي كاتب."

ماذا عن مسألة مفاوضة الحلاق "أبو عصام" لـلانضمام للـ"كتلة الوطنية"، التي كانت تضم نخب سوريا البورجوازية، بحيث بدا الأمر مجافياً للحقائق التاريخية؟

"الدفاع عن هذه النقطة بالذات يبدو ضعيفاً، ولكن أنا لدي مبرراتي ككاتب، بالتأكيد (الكتلة الوطنية) في تلك الفترة كانت تضم رجالات سوريا، ولكن هذه الرجالات

استمدت قوتها آنذاك من مرجعتيها الشعبية، والتي لها زعامات، الزعامات المتنورة، وعلى هذا الأساس إذا تبنى العمل (أبو عصام) حكيماً للحارة، وهو زعامة شعبية بهذا المعنى، ومفاوضته لدخول الكتلة الوطنية ربما يكون أمراً مبالغاً فيه، لأنه الأحزاب في تلك الفترة لا تقبل إلا بالبورجوزاي الذي مثلها، لكن ارتأيت تخفيف الحالة، لإنصاف الناس الذين عاشوا في ذلك الوقت، بمعنى أنه كان هناك اتصالات، وهناك أناس تفهم ما يحدث حولها، لكي لا نظلم كل الشعب السوري، ونختصره بالكتلة الوطنية، أو بـ(حزب الشعب) الذي كان يتزعمه د. الشهبندر."

لماذا لم يكن الخيار هو ظهور إحدى الشخصيات التاريخية الحقيقية في الكتلة الوطنية؟

"كان هذا الخيار واراداً، قبل التعديلات على النص، بظهور د. عبد الرحمن الشهبندر، والحديث عنه، وزيارته، وكان من المقترحات أن يكون هناك زيارة لرجالات الكتلة الوطنية، والحديث معهم ببداية الجزء السابع، لكن هذه الاقتراحات استبعدت، بعد التشاور بين فريق العمل.، واقتصرنا على موضوع اتصالات، ومفاوضة (أبو عصام) لدخول الكتلة الوطنية."

ثمّة أيضاً أن "أبو عصام" كان طبيب الزعيم الراحل إبراهيم هنانو، هكذا قدمتموه في "باب الحارة6" الأمر الذي كان مثاراً للسخرية والتندر عبر مواقع التواصل الاجتماعي؟

"ربما هذه النقطة كانت بحاجة لتوضيح أكبر، حيث يفترض وجود شهر يفصل زمنياً بين خروج (أبو عصام) من السجن، ووصوله إلى الحارة، التقى خلاله برجالات (الكتلة الوطنية)، وقرروا شيئاً ما، لكن هذه المشاهد استبعدت، ومنها مشاهد (فلاش باك) لطريقة تعذيبه في السجن، وتم الاستبعاد تلافياً لأي إسقاطات أو إحالات معاصرة، وهذا ما اتجهنا إليه في بناء أحداث الجزء السابع، حيث غيبنا السياسة تماماً عن الأحداث، لتعود القصة فضاضه، دون أي ارتباطات تاريخية."

بعيداً عن الحقائق التاريخية مغالطات زمنية مقارنةً بالأجزاء السابقة لاسيما مفارقة أن "سعاد" الصغيرة كبرت نحو أربع سنوات، فيما لازالت "خيرية" زوجة العكيد معتز حاملاً؟

"من المفترض أن مرور الزمن بين الجزء الخامس والسادس هو ثلاثة أشهر، لكن الإخراج ارتأى تمرير زمن ثلاث سنوات، وعلى هذا الأساس كَبُرَت الشخصيات، وبالمقابل أردنا الاستفادة من حمل خيرية بحالة درامية، وتم التنويه في الحلقات الأولى إلى أنها اسقطت حملها الأول، ربما يكون هذا حلاً درامياً ضعيفاً، لكنّه تم

طرحه في النهاية، والمشاهدون توقفوا عند هذه النقطة، وهذا حقّهم، حيث كان من الأفضل أن يكون التنويه أكثر وضوحاً، وفي وقت مبكر أكثر من سياق الأحداث."

سبق أن رديّت بقسوة عبر موقع "فيسبوك" على من انتقد "باب الحارة6"، لماذا كل من ينتقد "باب الحارة" تعتبرونه في خانة أعداء النجاح، أو ممن لم تسنح لهم فرصة في أداء دور في هذا العمل؟

"كل من انتقد صديقي، وكذلك من لم ينتقد، ولكن ثمّة من يهاجمنا طوال الوقت، هذا هو العمل، له ما له وعليه ما عليه، إلا أنّه في النهاية يشكل ظاهرة شئنا أم أبينا، ومن يقول أوقفوا هذه المسخرة... هذه المسخرة يوجد أناس يتعاشون من ورائها، ليس ذلك فقط... ثمّ ما البديل المقترح؟، كعمل يمكن أن تعرضه محطّة بضخامة الـ mbc هذا العام، وحقق مالم تحققه الأعمال السوريّة الأخرى في موسم 2014، بل ومنذ خمس سنوات، باعتباره حصد أعلى نسب مشاهدة في الوطن العربي، ودخل على خط المنافسة بقّوة، واستعاد ألق الدراما السوريّة، أو على الأقل أعادها إلى الواجهة، مقابل أعمال أخرى عُرِضَت على المحطة ذاتها."

بعيداً عن "باب الحارة" بجزئيه السادس والسابع، أعلنت مسبقاً، عن عدّة أعمال شاميّة أخرى كتبتها بالشراكة مع سليمان عبد العزيز، ماهي هذه الأعمال، ومتى ستعرف طريقها للإنتاج؟

"كان هناك (الدومري) الذي استبعدته الرقابة السوريّة دون أن نعرف الأسباب وراء ذلك، ومنعونا من الاطلاع على التقرير، أُعلن عن العمل من جانب شركة (كلاكيت)، وتم تحضير الملابس، لكن النص لم يخرج من الرقابة، وقيل إنه مرفوض رقابياً، كما أنّ إمكانية إنجاز مسلسل شامي خارج سوريا صعبة جداً، خصوصاً إذا كان بضخامة هذا العمل التوثيقي العالي المستوى، ذي الزخم الإنتاجي كبير، المشروع أجهض بجرّة قلم من الرقيب، بعد الإعلان عنّه مرتين من قبل الجهة المنتجة، وهناك أيضاً (التنبكجي) الذي لم يدخل الرقابة بالأساس، حيث صرفت (كلاكيت) النظر عن العمل على مسلسل شامي خلال هذه المرحلة، أو أنها ستضطر لذلك خارج سوريا، كقصّة افتراضية، لا تمت للواقع بصلة."

هل السبب أن "كلاكيت" هي من ستقوم بإنتاج "الدومري"؟

"لا أعتقد، بل ربما لكونه يحمل توقيعي ككاتب، وأرى أنّه ليس لدي أي فرصة للعمل في سوريا، في ظل وجود هكذا رقابة، حيث سبق ورفض لي خماسية بعنوان (قلب من وطن)، وهي تتكلم عن مراكز الإيواء وطريقة تأهيلهم، ومساعدتهم وسط

هذه الظروف، عندي إحساس داخلي أّنّ الرقابة في سوريا باتجاه واحد، ومشاكلها شخصية."

ماذا لو التقيت بالقائمين على الرقابة، وبحثتم أسباب الرفض؟

"لا توجد تقارير منطقية لديهم، التقيت بمدير الرقابة مرة واحدة فقط، وأرى أنّه بمكانه غير المناسب، هو شخص لم يكتب مشهداً واحداً في حياته حتى يعرف قيمة الورق الذي يصل إليه، حيث يحيله لقرآء النصوص، وللمفارقة أحدهم يقيم في سهل الغاب، وآخر في طرطوس، استغرب ذلك، مع احترامي الشديد لهم، قد يكونون يفهمون في الدراما، وربما أفضل مني بكثير، ولكن لا أعتقد أنّهم يعرفون بالبيئة الشاميّة، ثمّ أين قرّاء البيئة الشامية، الذين يمكن لهم تقييم هذه الأعمال بشكل جيد؟، كارثة الدراما السورية على كل المستويات هي الرقابة، التي تهدم هذه الصناعة التي أسست من عام 1960 إلى اليوم، والتي أولاها الرئيس الراحل حافظ الأسد الاهتمام، والرئيس الحالي بشّار الأسد كذلك."

ألا تحضّر لمشاريع أخرى؟

"مشروعي المقبل خارج البلد، حيث أخشى أن تمتد له يد الرقابة، المشروع بعنوان (دامسكو)، وهو عمل معاصر يتناول وضع المهن الدمشقية التراثية في الوقت الحالي، كيف انتهت، أو تنتهي؟، وثمّة مشروع آخر تحت عنوان "العهد"، قيد الإنجاز، وقصّته مأخوذة عن الواقع، اجتماعي معاصر، لكن أحداثه تدور خارج إطار الأزمة السوريّة."