2015/01/27

عبد اللطيف عبد الحميد ... "طيّب الله عيشك"
عبد اللطيف عبد الحميد ... "طيّب الله عيشك"

بوسطة – علي المحمد

عرضت المؤسسة العامة للسينما فيلم "العاشق" لـ عبد اللطيف عبد الحميد، بعد أكثر من سنتين على إنجازه. حظٌّ عاثرٌ رافق الفيلم منذ البداية كما قال عبد الحميد في كلمة الافتتاح، مشيراً إلى الوضع الأمني السيء عشية العرض، بسبب قصف مسلحي المعارضة لمدينة دمشق بالصواريخ (25/1/2015)، كما لفت مخرج "ليالي ابن آوى" إلى المصاعب التي واجهت مشاركة "العاشق" بمهرجان القاهرة السينمائي حيث هدد بعض المعارضين "السلميين" بإحراق دار الأوبرا المصرية في حال عرضه، رغم أن أنّه أول فيلم سوري يشارك ضمن المسابقتين العربية والعالمية حينها، وتكررت التهديدات في مهرجان دبي السينمائي ليستبعد الفيلم مرّة أخرى من المشاركة في أي مهرجان.

في النص الذي يعود تاريخ كتابته إلى العام 2010 صوّر عبد الحميد قصة سوريّة تتداخل الأزمنة فيها بين فترتين، من خلال صناعة فيلم داخل فيلم، ربما أراد صاحب "رسائل شفهية" أن يحكي عن تجربته الخاصة، فبطله هنا مخرج سينمائي من قرى الساحل السوري ( لعب دوره عبد المنعم عمايري)، ينجز فيلماً عن حياته، طفولته ونشأته في القرية الساحلية الصغيرة، معاناته وحبه الأول.

اعتاد عبد الحميد أن يكون في تماس دائم مع بيئته؛ فالساحل السوري يبقى حاضراً في معظم أفلامه، إلا أنه اختار هذه المرة تقديمه من خلال دفقات وأحداث هي تاريخ بطله الفقير والفلاح (مراد). الشخصيات التي اختارها لسيناريو "العاشق" تعبّر عن الفقراء الحقيقيين وعلى رأسهم (مراد)، لعل صاحب "قمران وزيتونة" يريد القول أن بطله لم يبقى مزارعاً، واستطاع أن يصبح مخرجاً سينمائياً ويكون نموذجاً للتحدي في رمزية للمواطن السوري الذي خرج من عباءة الفقر ورفع عن كاهله ثقل الإيديولوجيا، وتغلّب على كل ذلك، متحدياً ظروفه، عاداته وتقاليده فهو يتعلم، ثم ينضم لنادٍ موسيقي ليصبح عازفاً بارعاً، من جهة أخرى يعيد الشريط إلى الأذهان حمّى الأيدولوجيا التي سيطرت على السوريين لعقود، وترديدهم لشعارات الحزب الحاكم، فنشاهد الأب (يلعب دوره عبد اللطيف عبد الحميد) يستضيف اجتماعات حزبيّة في منزله، ويظهر كنموذج للقروي البسيط المستعد لتقديم كل ما لديه لإكرام ضيوفه. ونلاحظ الكثير من التفاصيل في القصة تحمل رمزيات مختلفة في الفيلم، معلمو المدرسة المغرقون بأيديولوجيا البعث، والنساء المهمّشات والمعنّفات، الفتاة المتحفظة والخجل الفطري، ليستعرض الفيلم عدة قضايا أخلاقية من وجهة نظر العادات والتقاليد في مجتمعنا، كالزواج القسري، والعنف ضد المرأة وغير ذلك.

نلامس في أسلوب عبد الحميد خصائص الواقعية الإيطالية بالنزوع نحو تصوير الواقع كما هو، بأدوات إنتاجية بسيطة وبممثلين معظمهم غير محترفين، وبعضهم يمثل للمرة

الأولى. وبالاعتماد على الحدس والارتجال أثناء التصوير. في الشريط الذي يحمل الرقم (10) في رصيده كمخرج سينمائي عاد عبد الحميد بالذاكرة إلى زمن ما قبل الحرب، متكئاً على بيئته التي يستقي منها شخوصه، وقصصه بالعادة، وعبر فيها إلى الحياة المعاصرة، مستعيداً تاريخاً يصوغه الحب، والانتماء، والشقاء بين حياة الريف الفطرية، وقسوة المدينة وخيباتها، خيباتٌ شكلت حافزاً لبطل الفيلم المخرج العاشق، لكنها قادته في النهاية للعودة إلى ملاذه الآمن هارباً بحبيبته (أدت دورها ديمة قندلفت) من اغتيال العادات، والأعراف، والموروث البائس في مجتمعنا.