2015/03/12

عامر العلي لـ«الوطن»: الهويّة الحقيقيّة للممثل السوري ضاعت في هذه الأزمة
عامر العلي لـ«الوطن»: الهويّة الحقيقيّة للممثل السوري ضاعت في هذه الأزمة

الوطن - عامر فؤاد عامر 

يتميز بحضوره الجدّي وبطلّة خاصّة الملامح، تخرج في المعهد العالي للفنون المسرحيّة في دمشق عام 2001 لينطلق بعدها نجماً من نجوم الدراما السوريّة، وأصبح في رصيده اليوم عدد منوّع من الشخصيّات في أهم ما قدّمته الدراما السوريّة في مسلسلات «صلاح الدين الأيوبي» و«بنات العيلة» و«أرواح عارية» و«نزار قباني» و«رسائل الحبّ والحرب» و«قاع المدينة» وغيرها..

وكان له حضوره في الدراما المصريّة عبر أربعة مسلسلات كان آخرها مسلسل «خيبر» في العام 2013 وتجسيده شخصيّة «المقداد بن أسود» لكن تبقى عينه على السينما ورغبته في إثبات نفسه فيها، على الرغم من الظروف المتعثرة التي ارتبطت بسينمانا السوريّة، واليوم يخبرنا الفنان «عامر العلي» عن همومه حول الدراما السوريّة وصناعتها، وعن طموحه، وتفاصيل خاصّة ارتبطت بشخصيّته الفنيّة.
 
عقليّة عقيمة
اتجهت الدراما السوريّة منذ بداية الأزمة التي عصفت في الوطن نحو الحضيض، لكنّها اليوم تحاول النهوض من سقوطها، كانت هذه هي المعادلة التي انطلق منها حديثنا مع الفنان «عامر العلي» والتي من خلالها قدّم وبحسب رؤيته تشخيصاً يتوافق مع ما تمر به الدراما من ظروف، وبين الأسباب والحلول يصف بصراحة: «نجحت الدراما لدينا «بالصدفة» فملكنا إمكانيّات النجاح في فترةٍ سابقة، لكننا وقعنا في الغلطة التي تتمحور حول أنّنا لم نملك عقلية تحويل النجاح إلى صناعة كما في الدراما المصريّة، بمعنى أنه يجب علينا أن نمتلك شركات بإدارة سوريّة، ولا نترك الميدان للإدارة الخليجيّة، وكان من المتاح أن يكون قطاع الإنتاج التابع للدولة هو المسيطر على السوق كما في مصر، لكن ما حصل حقيقةً أن هذا القطاع هو الأضعف لدينا اليوم مقارنةً بشركات الإنتاج الخاصّة في سورية، فقد كان هناك مع بداية الأزمة محاولة من مؤسسة الإنتاج التلفزيوني، من خلال جلب نصوص ومخرجين وكوادر جديدة وأجور لا بأس بها، لكنّهم أخفقوا بسبب أنهم نقلوا العقليّة العقيمة نفسها التي امتازت بها الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون سابقاً، بالتالي كان هناك إنتاج ولم يكن هناك مقدرة على تسويقه، وفي النهاية سلمنا أنفسنا للمنتج الغريب ليتحكم بنا بحسب مزاجه، فضاعت الهويّة الحقيقيّة للممثل السوري في هذه الأزمة، فمرّة نجده بطابع مصري ومرّة لبناني وما شابه، واليوم يُستفاد منه ومن ملكاته لتصعد درامات كاللبنانية على أكتافه». بعد التأكيد على فكرة أن الممثل السوري يتمتع بجودة مختلفة بين الممثلين في الوطن العربي يعلق الفنان «عامر العلي”: «طبعاً هو كذلك، لكن ما يحدث اليوم يُنذر بالخطر، فمن الممكن أن يُسحب النجاح تدريجيّاً من الممثل السوري، من خلال تعلّم الآخر منه، فنحن من لا شيء صنعنا دراما ناجحة وأثبتنا قوتنا، أي لدينا عنصر أصيل في الإبداع، ومن الواجب المحافظة عليه بألا نترك مجالاً للطرف الآخر في تشويهه».
 
المُنتِج الجبان والوطني
بالانتقال لمسألة الإنتاج ودورها في رفع مستوى العمل أو هبوطه في السنوات الأربع الماضية أضاف «عامر العلي» ما يلي: «كانت اللوحة الدراميّة السوريّة متنوعة ومتكاملة سابقاً، أمّا اليوم فالمنتج بسبب جبنه وسعيه للتجارة ذهب نحو الاستنساخ، وفي الأزمة ارتكب أخطاء أكبر بسبب شبح الخسارة، فصار إنتاجه خارج البلد مع سرقة عناصر النجاح ذاتها الموجودة في سورية، بالتالي هناك ضريبة تُفرض على هذا المُنتج وهي تطعيم الدراما السوريّة بعنصر الدولة التي تستضيف العمل. أمّا المنتج الذي ادعى الوطنية وبقي في سورية فقد استبطن في داخله لغة التحكّم بالممثل هنا، وأتقن لعبة ارتفاع الدولار والتحكم بالأجور، فبات بطل العمل يُمنح أجره كاملاً أمّا باقي الممثلين فيبدأ الاقتصاص من أجورهم بحجّة عدم البيع، ما سمح هنا لظهور راغبي الاستعراض على الشاشة، ولو دون أجر! فخلال 4 سنوات مضت ظهرت وجوه وأسماء بين ممثلين ومخرجين حملت هويّة الدراما السوريّة، وأنا لا ألومهم شخصيّاً، فهذا نوع من أنواع الدراما الموجودة في كلّ أنحاء العالم، ولكن يقع اللوم على المنتج الذي يسعى للربح والتوفير على حساب النوعيّة، وعلى حساب نجاح الدراما السوريّة».
 
السفير الأهمّ
يقترح «العلي» جملة من الحلول طرحها بصورة شموليّة ليلفت نظرنا لنقاط أساسيّة امتازت بها الدراما السوريّة في سنوات إنتاجها وتاريخها: «حاليّاً على الدولة الانتباه لفكرة أن الدراما السوريّة هي السفير الأهمّ لها، وهي كذلك من قبل أيّام الأزمة، والمشكلة الغريبة هو أنه ما زال التعامل مع هذه الدراما بأنها شيء ثانوي غير أساسي. فأنا أطالب بالمحافظة على الهويّة الدراميّة السوريّة، والجميع يعلم بأنها صنعت نجاحها بدعم من الدولة، فلعبت الدراما السوريّة دورها في توسيع الرؤية بطريقة صحيحة لتعبّر عن سورية كما يجب وبصورة سليمة، ولذلك يجب على الدولة اليوم إيجاد مؤسسة حقيقيّة كاملة بشراكات مع رؤوس أموال لإعادة تركيزها والبدء بتنظيف الدراما من جديد».
 
الدراما السوريّة صناعة خاصّة
بالنسبة لدور نقابة الفنانين السوريين يشير الفنان «عامر العلي» إلى جهودها وإلى عدم مقدرتها على أن تكون فاعلة حماية للدراما السوريّة أو دفعها للأمام: «نقابة الفنانين السوريين لديها محاولات، وسابقاً لم تقدّم شيئاً في الجانب الدرامي بل فقط كان تعبها محصوراً في تقديم الرواتب، والتقاعدات، والعلاجات الصحيّة، وفلك هذه الأمور ليس إلا، لكن هل قدمت شيئاً للدراما؟ لا أبداً لم تقدم، فمن عمل الدراما السوريّة هي الشركات الخاصّة، ولا عمل سورياً كان العراب له النقابة، وأنا شخصيّاً منتسب للنقابة منذ 12 عاماً ولم تقدم لي أي شيء، ولم تساعدني في حلّ أيّة مشكلة تخصّني، حتى عندما لجأت إليها لم ألقَ صدى لندائي».
 
بين حسيبة والأمّ
حول نشاط الفنان «عامر العلي» انتقلنا في محور حديثنا ليكون الكلام عن السينما، فقد ساهم في عدد كبير من الأفلام القصيرة، لكن في سينما الفيلم الطويل لم يتسنَ له الحضور إلا في دورين أولهما كان في شخصيّة «فياض» وفيلم «حسيبة» للمخرج «ريمون بطرس» والثاني في فيلم «الأمّ» للمخرج «باسل الخطيب» وحول ذلك ونقاط أخرى يحدّثنا: « لو أنّني في ضمانة وجود عمل دائم في السينما ولو بمردود متوسط لكنت ضحيت بكلّ الأعمال في التلفزيون، لكن على أرض الواقع هذا صعب التطبيق كثيراً. عموماً لم تقدّم لي السينما السوريّة الكثير ابتداءً من فيلم «حسيبة» المأخوذ من الرواية التي أحببت، والشخصيّة التي تعلقت بها، وحلمت في تأديتها، لكن في النتيجة الفيلم السينمائي هو رؤية المخرج، ولم أستطع إقناعه برؤيتي للشخصية، فقد رأى الرواية من منظور آخر، وأجبرني على أدائها إلى حدٍّ ما، فقد حلمت بتأدية شخصيّة فياض في رواية حسيبة، ولكن للآن لا اعتقد أنّني قدّمت الشخصيّة كما يجب. أمّا في فيلم «الأم» للمخرج «باسل الخطيب» وهو فيلم جميل يحمل عواطف خاصّة وإحساساً بالوطن والأمّ، وفيه حرفيّة عالية، ولكن رؤية المخرج هي التي تلعب دورها في تقدّيم القصة. أحببت التجربتين وعرفت بسببهما السينما، وأضافتا لي على الصعيد الشخصي لكن على الصعيد السينمائي لم تقدّما الكثير».
 
الأنانيّة صفة كامنة
«تعدّ صفة الأنانيّة ملاصقة للفنان الحقيقي» فإلى أي حدّ موجودة هذه الصفة بمرونة في شخصيّة «عامر العلي» الفنيّة، كان هذا هو السؤال الذي اعطانا عنه إجابة خاصّة فقال: «الأنانيّة كصفة تعدّ أساسيّة في عالم الفنّ لكنّها مختلفة من حيث المنظور، فأنا أرى الحياة من حولي وأرى نفسي فيها، ويجب عليّ أن أحبّ نفسي في هذه الحياة مع الثقة بالنفس في تقديم شيء لم يقدّمه آخر قبلي، وبالتالي هي نوع من رفع الثقة بالنفس وشيء استثنائي مختلف ويجب أن تكون موجودة وأصيلة، ولا أعتبر أنّني أحمل أنانيّة عالية ولا رغبة لدي في التفوق على الموجودين حولي، ولدي رغبة للعمل ضمن طاقم، وتحفيز من يتعامل معي في المشهد، ومن مشاهداتي وجدت أن المشهد ينكسر مع عدم تعاون أطرافه، ولذلك أشعر بالطرف المقابل كي ينجح المشهد، بالتالي تبتعد الأنانيّة عندي مع وجود فريق عمل».
 
عادات قديمة أصيلة
تعلّق «عامر» بمتابعة الأفلام السينمائيّة من كلّ البلدان، وبقراءة الكتب والروايات العربيّة، وكان ذلك منذ الصغر، وحول هذه العادات يضيف: «هي عادات موجودة لدي منذ الصغر، وقد استفدت منها إنسانيّاً، فأنا أقرأ لرؤية عوالم أخرى، ولاسيّما أنّ الحياة قصيرة، لا تمكننا من السفر إلى كلّ الأماكان وتجربة أي شيء، ولذلك تكون المطالعة لدي للتمتع بتجارب غيري، والتقاط الفائدة منها، بحالاتهم النفسيّة ومدنهم وأماكنهم، وحتى متابعة الأفلام فقد منحتني تربيّة معينة تعلمت منها القيمة والتأثر بتجارب الآخر. ومن الممكن أن تكون متابعة الأفلام والكتب هي التي ولّدت لدي المحبّة والتوجّه نحو عالم التمثيل، لأنّني أردت أن أكون مؤثراً في الفنّ كما أثرت فيّ شخصيّات تابعتها في الأفلام والروايات وشكّلت شخصيّتي، فالسينما حياة تعبّر عن الحضارة وتؤثر في الطرف المقابل». 
 
التحضير لسينما خلاقة
لدى حديثنا تطرقنا لفكرة العناية باللغة الأخرى - أيّاً كانت - من أجل تطوير المهارات والتحضير لفرصة قادمة من السينما الغربيّة فكانت إجابته: « اعتنيت بهذه المسألة دائماً، واشتغلت على تطوير اللغة، ورأيت نفسي سابقاً في موقع له علاقة بالتمثيل في سينما خلاقة، وفي دول تصنع السينما الحقيقيّة، ولذلك اجتهدت على موضوع اللغة وتطويرها، لكن اليوم بسبب الأزمة التي نعيشها في سورية أُغلقت كلّ الأبواب، وخفّ الأمل والطموح وانخفض مستوى الحلم، وعلى الرغم من ذلك ما زال الإحساس موجوداً وبأنّه في يوم من الأيّام سأقدم نفسي كما يجب، وأصنع مما أملك حالة مؤثرة في الناس، وسيأتي الوقت فنحن محكومون بالأمل طبعاً».
 
النهاية والجديد
في الختام القينا الضوء على آخر المشاركات والتحضيرات الخاصّة بالفنان «عامر العلي”: «لا يوجد شيء مهم كثيراً، فأنا أقرأ دوراً في مسلسل «حرائر» للمخرج «باسل الخطيب»، وانتهيت من تصوير دوري في خماسيّة «التوءم» وفي مسلسل «ضحايا» للمخرج «محمد نصر الله»، وكنت ضيفاً على مسلسل «فارس وخمس عوانس» من إخراج «فادي سليم».