2015/07/04

شكران مرتجى وسلاف فواخرجي من العمل
شكران مرتجى وسلاف فواخرجي من العمل

السفير - سامر محمد اسماعيل

لا تخفي كاميرا المخرج الفلسطيني السوري سمير حسين ذلك الولع بدمج مستويين من اللغة البصرية، إذ يراهن في «بانتظار الياسمين» (نصّ أسامة كوكش)، على دمج الدرامي بالتسجيلي. إلى جانب مشاهد مسلسله المأخوذة بمعظمها في حديقة من حدائق دمشق، يأخذ صاحب «قاع المدينة» لقطات وثائقية لمهجري الحرب، جنباً إلى جنب مع شخصياته وسط نيران حرب دخلت عامها الخامس.

من هنا تبدو مغامرة حسين شيّقة ببعدها الإنساني، ورغبتها في تسجيل حياة نازحي الحرب السورية واقعياً ودرامياً في آن معاً، من دون أن تقحم أبعاداً سياسية على المادة الدرامية.
يتصدّى العمل لتشريح الحالة فنيّاً، وذلك عبر عدة قصص تنسجها كلّ من لمى (سلاف فواخرجي) في حكاية هربها من منطقة ساخنة مع ولدها وابنتها بعد انقطاع أخبار زوجها الذي خرج ولم يعد؛ وعائلة أم عزيز (شكران مرتجى) وزوجها وتعرضها للاحتراق بعد محاولة أبو الشوق (أيمن رضا) التحرّش بها؛ وبحضور لافت لكل من الفنان غسان مسعود في دور أبو سليم، والفنانة صباح الجزائري بدور زوجته أم سليم وأولادها... تتعقّد الحبكة الدراميّة هنا كنتيجة لحرب وضعت الجميع أمام السؤال الوجودي القديم الجديد: «نكون أو لا نكون».
يحكي «بانتظار الياسمين» عن شخصيَّات رمتها الأحداث الدامية تحت أشجار الحدائق العامة في أصعب الظروف المناخية.

تحت خيم الأمم المتحدة للاجئين، تواظب الكاميرا على نقل حميمة خاصة، لا تفسدها السياسة والمقولات الكبرى، بقدر ما يشغلها حب البقاء، والرغبة في انتظار غودو، الاسم الحركي لمفردة GOD في مسرحية الايرلندي صموئيل بيكيت. يأتي عنوان المسلسل في تناصّ واضح مع عنوان مسرحية رائد العبث ما بعد الحرب العالمية الثانية، مستلهماً الياسمين كمادّة شاميّة للأمل، والضغط بالأسنان على خيط الحياة الرفيع.
لا يهمل «بانتظار الياسمين» أية شخصية، فهو يقدم بديلاً عن فلاديمير واستراغون بطلا رائعة بيكيت في شخصيتي نزار حارس الحديقة (محمد حداقي)، وبريمو بائع القهوة (أحمد الأحمد)، كشاهدين على عبثية الحرب التي تكون المرأة دائماً فيها الضحية الأولى.

تشتبك قصص شخصيّات الحديقة مع من هم خارجها، فتحضر نساء المقاهي والسهرات والديسكو، من خلال قصص شلة أصدقاء (مرام علي وأسامة حلال ومرح جبر )، جنباً إلى جنب مع رجال المال والسطوة ولصوص الساحات الخلفية وتجار الدعارة والمخدّرات... إضافة إلى مجموعة من الشباب والشابات التي تركت فيهم الحرب لعنات عصية على المقاومة من مثل سامر إسماعيل، ومحمود نصر وآخرين.
مفارقات بالجملة يرصدها «بانتظار الياسمين» معززاً خطاً فريداً بين أعمال باتت تقدم نفسها اليوم من فئة الخمس نجوم، وبعيداً عن أية ملامسة لواقع المتفرج، وذلك من حيث ديكوراتها الباهظة وأزيائها الخلابة.

في حين نطل مع سمير حسين على فقراء سوريا، وحطام طبقتها المتوسطة، من دون مكياج للصورة، بل بتصميم على تأسيس بيئة خاصة يواجه بها الإنسان السوري تبعات الحرب، وفق إيقاع واضح حتى الآن. يستميت لإعادة الدراما إلى سياق الالتزام بتقديم قالب حكائي وبصري قادر على صياغة رأي عام، بعيداً عن نشرات الأخبار وأوهام موضوعية محلليها وخبرائها الاستراتيجيين... فالحرب هنا بين الفقراء والفقراء، يمولها أغنياء وشبكات غامضة. ولا ينحاز الطرح إلا للإنسان وما دفعه الناس من ضرائب باهظة من حياتهم ومستقبل أبنائهم وقوت رزقهم.
محاولة شجاعة فنياً يحسب لها تلك الجرأة على الحرب، وليس من باب الادعاء وشدّ أعصاب طرف ضدّ طرف آخر. فالجميع في «بانتظار الياسمين» باتوا سكان حديقة واحدة، وحتى من هم خارجها يحومون حولها، وينطلقون منها لبيع الخضار أو لحياكة الدسائس، وإدارة عمليات الخطف والسلب والاغتصاب، أو حتى لعقد القران.

ينطلق عازف كردي على بزقه وتحت ثلوج دمشق بمدِّ آهاته الجارحة في ليلة من ليالي دمشق المثلجة، في إشارة قوية لتقاسم الآلام بين أبناء البلد الواحد. فلا نصير سوى شجرة زيتون يزرعها هؤلاء في منتصف الحديقة، ويحولها رجل سوري إلى صابون غار يغسل به أدران التشرّد في قلب عاصمة بلاده، وعلى مرأى من سكان الأحياء الراقية.

لا ينجرّ العمل إلى الدمج بين الواقع والواقع الموضوعي الفني، بل بالتركيز مراراً على سعة الحيلة رغم فداحة الخسائر، وقدرة الإنسان السوري على العمل والذهاب إلى الجامعة والحب في عز ظهيرة دمشقية تترصّدها القذائف والسيارات المفخّخة.