2015/07/07

من العمل
من العمل

السفير - نور أبو فرّاج

خلال الأعوام الأحد عشر المنصرمة، نجح مسلسل «بقعة ضوء» في أن يصبح جزءاً من الطقوس الرمضانية للسوريين. حتى أنه كان من المألوف جداً أن تسير في أروقة وأحياء العاصمة، فتسمع اللحن الشهير لشارة المسلسل من تأليف طاهر مامللي، وهو يبعث من غرف المعيشة ويصدح في أرجاء المكان.
لم يكن التوحّد مع اللحن سوى جزء من التوحّد مع فكرة العمل القائم على تقديم لوحات مكثّفة ساخرة، توصل معاناة الناس وتحكي همومهم. كما يدين عدد كبير من الممثِّلين ببدايات صعودهم الأولى لـ «بقعة ضوء» وكذلك الأمر في ما يتعلق بتجربة بعض كتّاب السيناريو.
يأتي «بقعة ضوء» نسخة 2015، بعددٍ جديدٍ من الحلقات المستوحاة من حياة السوريين في الحرب. العمل من إخراج سيف الشيخ نجيب، وتمثيل عبد المنعم عمايري، وفاء موصللي، رنا شميس، ميسون أبو أسعد، محمد خير الجراج، فادي صبيح، أدهم مرشد وغيرهم.

وتحمل لوحاته توقيع عددٍ من الكتّاب الجدد ومنهم معن سقباني، ديانا فارس وزياد العامر.
وفي هذا الموسم، ترقّب الجمهور المواضع التي ستُسلَّط عليها بقع الضوء، خصوصاً أن حياة السوريين حملت في العام المنصرم ما حملته من كوميديا مرّة تستحق أن تُحكى، لكن النتائج جاءت مخيّبة للآمال. فبعيداً عن وحدة الشكل مع الماضي، والقائمة على تقديم لوحات ساخرة حول أزمات الكهرباء والماء وارتفاع الأسعار والمواصلات، يمكن القول إن المسلسل يشهد في هذا العام انزياحاً خطيراً، وتحديداً من منظور تحديد موقفه من «الناس» أو «الشعب».
على سبيل المثال، تحكي لوحة «الهجرة إلى الوطن» من تأليف معن سقباني، حكاية محمد حداقي الذي يخوض مع أندريه سكاف نقاشاً حول الهجرة. سكاف يرفض فكرة السفر، ويقول إنّه سعيد لأن السوريين سيهاجرون «حتى يصيروا بشر». في ألمانيا يكتشف حداقي أن حياة الجالية السورية التي هاجرت لا تختلف عن حالها في سوريا من حيث الفساد والرشى والبسطات التي تمتد في الشوارع العامة. حتى أنّ الألمان أنفسهم تعلّموا من السوريين الأركيلة والسيران ومخالفة قانون السير. يمكن اختصار رسالة اللوحة بأن «المشكلة في الشعب المتخلّف» الذي ينقل مشاكله أينما حل.
وفي لوحة «كف دبلوماسي» يمتهن أحد المواطنين السوريين «تلقي الصفعات» على الوجه من حرّاس وموظفي السفارات الأجنبية، كي يتلقى في ما بعد تعويضاته من المحاكم الدولية وفق مراسيم حقوق الإنسان. في بداية الحلقة نرى الرجل يبكي بحرقة على كرامته المهدورة إثر أول صفعة، إلا أنّ صديقه المحامي يقنعه بأنه في السابق كان يرضى بأن يبيع كرامته «ببلاش»، فلا ضرار من بيعها الآن بالدولار.
في حلقات «بقعة ضوء»، نرى أبناء الشعب سماسرة، يلحقون أسعار الدولار، ويبيعون مبادئهم مقابل المال والسلطة. تلك ليست الحال دائماً، فبعض اللوحات ما زالت تحمل «روح» «بقعة الضوء» القديمة، مثل حلقة «بريء الذمة» التي كتبها السيناريست ممدوح حمادة. تصوّر اللوحة حياة رجل بسيط يرفض أن تشرق الشمس عليه قبل أن يعيد حذاءً لبسه بالخطأ، إلى صاحبه. نشاهد في اللوحة أداءً متميّزاً للممثلين من حيث إتقان اللهجات وخفة الدم.

وفي حلقة «مناهج متأقلمة» تعدّل وزارة التربية السورية المناهج لتتلاءم مع المشاكل التي تواجه السوريين، بحيث يتعلم الأطفال قراءة درس بعنوان «رحلة إلى الحاجز». ويقف الطلاب عاجزين عن إيجاد إجابة لمسائل رياضية مستحيلة الحل، حول كيف يمكن للراتب أن يكفي حاجة المواطن. لكن عدا ذلك يُلمس في العديد من الحلقات تراجع في الأداء بحيث يفشل العديد من المشاهد في دفع المتفرّج للابتسام، وتبدو بعض اللوحات بالرغم من قصرها، طويلة.
تُحمِّل العديدُ من حلقات بقعة ضوء الناسَ مسؤوليةَ المآلات التي وصلت إليها البلاد وتتستر في الكثير من المواضع على المذنبين الحقيقيين. في الوقت ذاته تحد مفهوم تجار الأزمات بالتجّار وصغار الكسبة وتسخر من الانحلال الأخلاقي والطمع وتحصره في البسطاء. ذلك يبدو في لحظات محدّدة شديد التناقض مع المقدمة الموسيقية، التي اعتادت أن تحضّ الناس على الفعل، ولو حتى بالإنكليزية، وتؤمن بقدرتهم على التغيير، وتشكي همومهم. «كيف ما كنتِ كوني، وكيف ما بدي بكون»، تقول أغنية الشارة. لكن مقولة الحلقات توصل الانطباع أن قسوة الحياة هي التي انتصرت، وأنّ الحرب جعلت الناس بشعين مثلها. وذلك لا يقارب الحقيقة ولا ينصف الناس الذين تحملوا كل أثمان الحرب حتى الآن.