2018/10/03

شرق غرب للأخبار - علي العزير

ممدوح حمادة كاتب ساخر حتى الوجع.. قد يضحكك حتى الرمق الأخير لكنك لن تلبث أن تتوقف فجأة لتعيد النظر في بهجتك الساذجة وتدرك أن الضحك  أحياناً هو مجرد علامة على الطريق الوعرة نحو البكاء.. رصد حمادة كل الثغرات  الفادحة التي يقوم عليها البنيان العربي المتصدع، تلمس كل فوالق الزلزال السياسي المدمر الذي لا يزال كثيرون يرونه مجرد خلل عابر في النظرية القائدة.. اجتاز كل المسافة الفاصلة بين الحلم الساذج والواقع المفجع ثم عاد ليكتب مسلسلاً تلفزيونياً مسلياً.. ما لم يتنبه له كثيرون أن الراهن العربي يشهد حلقاته الأخيرة وأن المشاهدين هم أنفسهم المشاهدون، وأن مصطلح “النهاية” لن يكون على الشاشة فقط.. ثمة نهاية حقيقية مأسوية منتظرة يعيد ممدوح حمادة اكتشافها مع كل مسلسل تلفزيوني يكتبه.. ويترك عبره للسخرية المتقنة أن تختلط بالتراجيديا المضمرة.. ممدوح حمادة مبدع عربي آخر لم يأخذ حقه من الألم النقي.. هنا حوار مع صاحب: “ضيعة ضايعة” وخربة” وبقعة ضوء” و”الواق واق”..

*ما الذي يحمله مسلسلك الجديد الواق واق من جديد؟ هل يضع الناس في مواجهة ذواتهم بعد أن جرى تحميل المسؤولية للسلطة بمختلف تجلياتها الاجتماعية والدينية والسياسية عن المأزق الذي أدركه الواقع؟

الواق واق بالنسبة لي تجربة جديدة مختلفة ومحاولة لتقديم شيء جديد وعدم التوقف عند ما تم تقديمه، وهي لهذه الأسباب محفوفة بالمخاطر.

اما ما اردت قوله فهو اننا ما لم نتغير فاننا لن نستطيع ان نغير، و انا لا انزع المسؤولية عن السلطة اطلاقا في الواق واق، فالسلطة هي المسؤول الأول عن هذا التبلد، التطور بحاجة الى وعي يسعفنا في الخروج من قوالبنا المهترئة ولكي نحصل على هذا الوعي لا بد لنا من توفر أدوات بنائه بدءا من التعليم مرورا بالحريات على مختلف انواعها وصولا الى القضاء المستقل والدستور العصري الفاعل والانتخابات النزيهة (نسبيا على الأقل) وغير ذلك مما يدرج ضمن مسؤولية السلطة  بشكل مباشر، والسلطات في بلادنا لا توفر هذه الأشياء والأنكى من ذلك انها تفسح المجال لكل من هب ودب ليمارس عملية التجهيل كما يحلو له، ومن هنا نتج لدينا هذا المجتمع العاجز عن التغيير نحو الأفضل ليس لأنه لا يريد، ولكن لأنه لا يملك ادواته، وتسهل ادارته من قبل من لا يملك لا الأهلية ولا الفكر ولا العقل ليقوم بهذه المهمة ومنافق أمي يستطيع ببعض المقولات الهرائية ان يقصي اعتى مثقف واذا لم نتخلص من هذه الادران على انواعها فاننا لن نخرج من المتاهة.

*ما هو سر عدم شعورك بالرضى عن وضعك ككاتب سيناريو بالرغم من النجاحات التي أدركتها على هذا الصعيد؟

السيناريو بقيوده وتفاصيله التقنية يقتل حالة الانعتاق الابداعي فالمشهد الدرامي له مساحة  يجب ان يلتزم بها، على سبيل المثال عندما يتجاوز المشهد الصفحتين يشكل خطرا على ايقاع العمل ويمكن ان يفقد العمل جاذبيته اذا تكررت الاطالة، عليك ان تفكر بهذا وانت تكتب، الشخصيات الأساسية يجب ان تضمن حضورها في كل حلقة خاصة في النوع الذي اكتبه وهو الحلقات المنفصلة وعليك ان تقدم وصفا لتفاصيل انت لست محتاجا لها ابداعيا، ولكنها مهمة لبقية افراد الطاقم في الدراما لكي يقوموا بعملهم اضف الى ذلك ان عملك يبقى على كف عفريت حتى يعرض، واي خطأ او ضعف في الأداء من اي طرف من بقية اطراف العمل قد يفسد عملك، في الرواية والقصة أنت حر من كل ذلك ولا شيء يعيق عملية الأبداع عندك

*هل ترى نفسك مقصراً في لعبة الترويج الإعلامي والإعلاني للذات.. خاصة أنك على تخوم آلية تصنيع ملتبسة  للشهرة.. حيث يمكن لممثل مبتدأ أن يحصد، بجهد متواضع، قبولاً جماهيرياً يتخطى ما يحظى به كثيرون ممن يبذلون طاقات ابداعية حقيقية ومضنية لانجاح العمل التلفزيوني؟

بصراحة لا ادري كيف اجيبك على هذا السؤال، فهل علي انا شخصيا أن اقوم بالترويج لنفسي؟ أنا لا اتصور كيف يمكن ان افعل ذلك ولم افكر به، كل ما استطيع فعله هو نشر ما يتعلق بي على الفيس بوك الذي اغلقه بين الفترة والأخرى لأنني اشعر بأنه يهدر لي وقتي، اما الجهات المنوط بها الترويج اي وسائل الإعلام المختصة بهذا الأمر فلا اعتقد أنه علي أن اذكرهم بذلك  شخصيا فأعمالي بين دارما تلفزيونية وغيرها وكتب ومقالات تصل اليهم وإذا كان ذلك لا يشكل دافعا لهم فإنه لا يعنيني منهم شيء، كما ان الرغبة بالترويج والانتشار قد خبت لدي، كنت أتمنى وخاصة في بداية المشوار أن احصل على جائزة ما، وحتى اللقاء التلفزيوني كنت سافرح به وقتها ولكن لم يحصل ذلك، أما الآن فأنا مقاطع للقاءات التلفزيونية وأعتذر عنها جميعا، وإذا فكر أحد الآن بمنحي جائزة فإنني ساعتذر عنها ايضا، لم اعد بحاجة لهذا، أكبر جائزة يحلم بها الكاتب حصلت عليها ألا وهي محبة الناس التي اشعر بها رغم كوني بعيدا، سواء عبر وسائل التواصل او عبر الرسائل واللقاءات التي تحصل صدفة  في المغتربات التي كثر فيها السوريون، كما حصلت أيضا على كراهية البعض الذين اعتبر كراهيتهم لأي شخص جائزة له ايضا. الآن لا اريد انتشارا ولا ترويجا، اريد اشياء أكثر واقعية مثل العثور على عمل يؤمن لي دخلا ثابتا يساعدني على الحياة باستقرار اكثر في أحد التخصصات التي اتقن بعضها واستطيع ممارسة بعضها، فقط لا غير.

*هل ساعدتك خلفيتك الكاريكاتورية على بناء الشخصيات الدرامية التي تحولت إلى علامات فارقة في اذهان المشاهدين؟ وإلى أي مدى؟

انا بدأت الكتابة قبل الرسم واذا كان من أحد قد تأثر بالآخر فهو الرسم الذي اجيده بدرجة اقل بكثير من الكتابة، بالنسبة للشخصية منذ بداية ممارستي للكتابة التلفزيونية ادركت اهيمة ان يعتني بها الشخص ويميزها لا بل ويتقمصها أثناء الكتابة والا ستنطق جميع الشخصيات بعلقلك ولسانك.

*ما سر هذا الإلحاح الذي نرصده في نصوصك على القول، أو الإيحاء، أن الخلل الحقيقي لم يُكتشف بعد وأن الدرب لا تزال طويلة للوصول إلى الحل والحقيقة؟

انظر يا صديقي الى جميع محاولاتنا كمجتمعات وأنظمة وهما امران متصلان، نثور على ديكتاتور فنصنع عشرين دكتاتورا هو افضل منهم جميعا، نزيح حاكما ونأتي باسوأ منه، نريد ان نصلح فنقوم بدمار كارثي، يتراجع الوعي العام وينبطح العقل أمام الميتافيزيقيا، الخلل مكتشف ولكن اصلاحه صعب جدا، ولا يتعلق ذلك بنا فقط فحظنا التعس جعلنا نقع في نقطة جيوسياسية هي الأكثر اهمية في العالم لتوسطها القارات الثلاث الأساسية التي تشكل العالم القديم ولاحتوائها على ثروات هائلة من الطاقة، لن يسمح لك احد بأن تقوم بمشروع وطني يؤهلك للسيطرة على قرارك نحن اشبه بابن آوى بين فكيه ارنب وحوله قطيع من الضباع فما هو فاعل، في أحسن الأحوال سيتركون بحاله إذا لم يأكلوه مع الأرنب.

*يبدو ممدوح حمادة كائناً ابداعياً غير مكتمل المعالم والابعاد.. لن يستغرب المتابعون إن فاجأهم يوماً بمنحوتة أو بلوحة تشكيلية، أو بانجاز موسيقي غير متوقع.. هل تمثل هذه الخاصية الغامضة حيثية مؤثرة في شخصيتك الإبداعية؟

في الحقيقة لدي هواجس ملحة في جميع ما ذكرت ولو اسعفني الوقت والحال لكنت موسيقيا فقد حاولت ان اتعلم العزف على العود اثناء وجودي في سورية وتعلمت عزف بعض المقطوعات، وفي الاتحاد السوفيتي حاولت التعلم على الجيتار واتقنت بعض الأكورات ولكن الظروف كانت ضدي فلم اكمل، ثم حاولت مع الفلوت ولكن المعلم الوحيد الذي عثرت عليه وقتها سافر بعد درسين، وأخيرا عند وجودي في الامارات حاولت تعلم الايقاع ولكن انتهت اقامتي وسافرت قبل ان اصل الى نقطة استمر فيها منفردا، وهكذا كما ترى فإن الظروف حالت دون هذه الرغبة الجامحة ولكنها ما تزال قائمة، غير ان علاقتي مع الموسيقى ليست مقطوعة تماما فانا اكتب الأغاني بعض الأحيان ولي اغنيتين تم اداؤها في الثمانيات وعادة ما تحتوي النصوص على ايقاع يرسم طريقا شبه واضح للحن، اما في الرسم فلدي لوحات كثيرة وشاركت ببعضها في معارض مختلفة وخاصة رسومي المنفذة بالحبر الصيني أضافة الى الكاريكاتير وفي النحت كانت لي تجربتان متواضعتان طبعا لا يمكن باي حال من الأحوال ان نسميها اعمالا نحتية احداها بالمعجون تمثل قبضة ليد والأخرى بالصلصال محاولة لتكوين راس، وانا اعتقد ان هذه الرغبات أو الميول لو تسنت لها الظروف  لخرجت، بكل الأحوال اعتقد ان اي انسان يتمنى ان يتقن كل هذه الأشياء وانا مثلي مثل هؤلاء الناس.

*يسجل لك هذا الحرص الدؤوب على التفاعل مع الناس، على اختلاف مشاربهم، من خلال التواصل الاجتماعي.. وأنك تفعل ذلك بعيداً عن البرج العاجي الذي يلوذ به المثقف عادة.. ما سر ذلك؟

انا لدي بوصلة اسير عليها في كافة المجالات، وفي مجال علاقتي مع الناس تقول بوصلتي ان كل انسان جدير بالاحترام ما لم يفعل ما يؤدي الى انتفاء ذلك، وانا كشخص حريص على ان يشعر كل انسان يتعامل معي بأنني احترمه بغض النظر عن كل شيء آخر، انا في معظم الاحيان لا اعرف من هو محدثي لا انتمائه ولا موقعه الاجتماعي ولا مستوى تعليمه ولا اي شيء، ولكن كل هذه المعلومات التي تفيدني في اختيار مفردات لغة الخطاب لا تهمني من ناحية الاحترام، فانا احترم الجميع، كما أن ليس لي موقف من اي شخص تبعا لموقفه السياسي، البعض يريد منك وكل حسب موقعه ان تقاطع من يناقضه وأنا اعتبر ان لكل شخص الحق بأن يختار الرأي الذي يرى انه يعبر عنه، اكره المزاودين وبائعي الوطنيات واحتقرهم وخاصة أولئك الذين يقيمونك بناء على موقفهم السياسي، وانا اعتقد ان صاحب الرأي يجب ان يبحث عن اسباب تقربه من الاخر المناقض له لكي يقنعه برأيه لا ان يشكل مع انصار رأيه فئة معزولة اشبه بالقطيع.