2012/07/04

أوبرا زواج فيغارو: إسقاطات على الواقع و محاولة للتجاوز
أوبرا زواج فيغارو: إسقاطات على الواقع و محاولة للتجاوز

د . سماء سليمان - تشرين

قدمت دار الأسد للثقافة والفنون على خشبة مسرح الدراما في الثامن عشروالعشرين والثاني والعشرين من كانون الأول العمل الأوبرالي زواج فيغارو الذي يتجاوز كونه عملاً موسيقياً بحتاً ليقدم طرحاً ثورياً على الصعيد الاجتماعي والنفسي والسياسي جامعاً بين عبقريتين, عبقرية الكاتب الفرنسي بومارشيه والمؤلف الفذ موزارت بتجسيد شبه مثالي للعمل المتكامل نصاً و لحناً و فكراً.

ويعد زواج فيغارو كطفرة حقيقية في تاريخ الموسيقا الكلاسيكية عموماً وفي تاريخ الأوبرا بشكل خاص : فموزارت هو من أوائل المؤلفين الذين ضربوا بعرض الحائط التقاليد المتبعة في بناء الأعمال الأوبرالية والسبب الأساسي في هذه الثورة هو بحثه عن نصوص شديدة التعقيد,عميقة الارتباط بالواقع الانساني والتي وصلت ذروتها من خلال عمله الهائل دون جيوفاني. فالأوبرا قبل موزارت تقص حكايا الآلهة والعوالم الخيالية التي كانت – رغم رسائلها المبطنة- بعيدة عن معاناة الانسان وواقعه. ‏

لم يهبط موزارت من خلال زواج فيغارو الى أرض الواقع, ليلامس اشكاليات تتعلق بوجود الانسان , بنزواته, بعاطفته, شهوته ورفضه فحسب, بل و قد جعل من عمله هذا واحداً من الأعمال الفنية التي أسهمت بشكل حتمي في اشعال جذوة الثورة الفرنسية باختياره لنص بومارشيه الذي يطرح نقدا لاذعاً ومراً للحالة الطبقية السائدة في أوروبا واضعاً على المحك قضايا تتعلق بحق الانسان في تقرير مصيره بغض النظر عن انتمائه الطبقي والاجتماعي. وإن كان زواج فيغارو مصنفاً في اطار الأوبرا الهزلية, الا أن هذا الاطار ليس إلا واجهة أووسيلة للتطرق لقضايا شديدة الجدية والخطورة.

الزواج من الكونت ‏

فسوزانا فتاة من عامة الشعب خادمة الكونتيسة, تتحضر للزواج من فيغارو رجل من رجالات الكونت, لكن الكونت معجب بسوزانا ولن يسمح بزواجها من فيغارو دون أن يكون أول من ينتزع عذريتها، حق أعطاه اياه انتماؤه لطبقة النبلاء. لكن سوزانا وفيغاروالرافضين لهذا المبدأ يشرعان بحياكة خطة هدفها اثناء الكونت عن تحقيق مأربه بل وكسرشوكته لانتزاع حق كسبه بمجرد كونه رجلاً ذا سطوة. وان كانت الشخصيات الرئيسية في العمل تتمثل بكل من سوزانا, فيغارو,الكونت والكونتيسة, الا أن شخصيات أخرى تدخل في نسيج القصة لخلق تنويعات عاطفية و نفسية وفكرية تزيد من حدة الفعل الدرامي ومن تسارع الأحداث بشكل تصاعدي شديد التكثيف. ‏

فشخصية شيروبيني الغامضة الملامح والشديدة التعطش للحب، تدخل في الحبكة لتزيدها تشويقاً من خلال لعبة غامضة تدورحول سوزانا والكونتيسة و باربارينا ابنة عم فيغارو,وكذلك شخصية مارسيلينا التي تنسج حبال غوايتها حول فيغارووالتي يتضح في النهاية بأنها أمه! وهكذا سندخل في متاهة من الأحداث والألحان لنصل في النهاية الى هدف القصة بانصياع الكونت لرغبة الجماعة, أفراد الشعب, ليشع الحق والحب والقيم الانسانية الأسمى. ‏

محاكاة الواقع ‏

وإن كانت أوبرا زواج فيغارو قد عرضت للمرة الأولى عام ???? إلا أنها وفي حقيقة الأمر مازالت تسلط الضوء على قضايا تحاكي واقعنا مع اختلاف اسقاطاتها. لذا يبدو لنا بأن عرضها في دارالأسد للثقافة فاتحة جدية ومهمة للتطرق لأعمال تمارس الموسيقا من خلالها دورها في ايقاظ الوعي واشعال التساؤلات متجاوزة الرؤية السائدة باعتبارها فناً موجهاً لدغدغة العواطف فحسب. ‏

ان الجهد المبذول لانجاز هذه الأوبرا بدا واضحاً ،حيث أن العمل على مؤلَّف موسيقي من هذا المستوى يتطلب الكثيرعلى الصعيدين التقني والموسيقي وخصوصاً فيما يتعلق بالجوانب الأسلوبية التي تميز موسيقا المرحلة الكلاسيكية من جانب و موسيقا موزرات الخالصة الاستثنائية من جانب آخر. وقد استطاع العازفون والمغنون تناول هذا العمل بشكل مرض بما يتناسب مع رؤية قائد الأوركسترا. وان ظهر لنا بعض التفاوت في الأداء الأوبرالي بين مغن و آخر أو بعض التباين في مستويات العازفين الا أن العمل الجماعي والتفاعل بين المؤدين كان مقنعاً لذا يمكننا النظر الى المجمل بصورة ايجابية .لكن السينوغرافيا المقترحة بدت شديدة البساطة ومفتقرة ربما لجانب هام ألاوهوالفضاء المسرحي الذي يعتبرجزءاً لا يتجزأ من أداء العمل. فلا ننسى بأن فن الأوبرا جامع بين الموسيقا والمسرح ولا بد أن تتوافر في اعداده العناصر الكافية لتجعل منه كلاً متكاملاً. كما بدا الاخراج متواضعاً بعض الشيء, فتنقل المغنين كان محدوداً على الخشبة ولم يكن تصميم الحالات مدروساً بالشكل المتناسب مع تعقيدها لذا فقد افتقدنا البعد المسرحي بشكل ملحوظ. من جانب آخر لم يسلط الضوء بشكل كاف و مدروس على ذاك الجانب الحيوي وعلى الطاقة الخلاقة التي كرسها موزارت من خلال أفكاره اللحنية العبقرية و الشديدة التنوع كما أن الخيط السحري الواصل بين هذه الأفكار اللحنية كان واهياً ليغيب التوافق الدقيق والضروري الرابط بين العازفين والمغنين خالقاً بذلك بعض الفجوات التي تم تداركها في المشهدين الأخيرين ليزداد الأداء تألقاً و اقناعاً. ‏

كما بدت بعض الآلات (كالنحاسيات مثلاً) مهضومة الحق في الاعداد ولا بد من اعادة النظر في العمل على رفع سويتها بشكل أكثرعمقاً وأكاديمية من خلال ترسيخ مفهوم الاحترافية كي نستطيع تقديم ماهو متفرد واستثنائي. ‏

على الرغم من وجود بعض التفاصيل التي يجب العمل على تطويرها جدياً والتي قد يمكن تلافيها في التجارب القادمة الا أن هذه التجربة ستحمل في طياتها الكثير للعازفين والمغنين و الجمهور أيضاً ولايسعنا إلا الإشادة بطاقم العمل مع التأكيد على ضرورة دعم الطاقم الموسيقي السوري الذي لا يقل أهمية و كفاءة و رغبة عن غيره وذلك تجنيد كل الوسائل الممكنة كي يحتل الموسيقي السوري موقعه الثابت و الراسخ في الساحة الفنية متطلعاً بذلك نحوالعالمية. ‏