2012/07/04

مساعد المخرج.. فنان يتألق في الظل
مساعد المخرج.. فنان يتألق في الظل

البيان

تراه في الكواليس لا يتوقف عن الذهاب والإياب، يخالط الممثلين ويدور حول الكاميرا، يحمل أوراقا وملفات تائهة، يدفن رأسه داخلها لساعات، يبدأ قبل الجميع وينتهي آخرهم، ينجح في الظل ولا يحصد نجومية أو شهرة، ربما بعد سنوات بعد أن يودع وظيفته ويدشن نفسه مخرجا.

تنبع أهمية مساعد المخرج من طبيعة الأدوار التي يؤديها في العمل السينمائي وتعددها، فهو حلقة الوصل بين المخرج وفريق العمل سواء كانوا أمام الكاميرا أم خلفها، إضافة إلى كونه نافذة التعامل مع مدير الإنتاج، يطلقون عليه (دينامو اللوكيشن)، وينعكس تقصيره في تنفيذ مهامه على كل مراحل التصوير.. تفاصيل أكثر حول مهنة مساعد المخرج، تضمها السطور القادمة.

عادة ما يكون للمخرج أكثر من مساعد، يندرجون جميعا تحت مسميات مساعد مخرج أول وثانٍ وثالث وهكذا، ووصل عدد المساعدين في فيلم (كلمني شكرا) للمخرج خالد يوسف إلى ثلاثين، لتنظيم سير العمل وتدوين الجداول والتقارير، وليضمن المخرج السيطرة الكاملة على كل كبيرة وصغيرة أثناء التصوير، وعادة ما يكون مساعدو المخرج الثاني والثالث حتى الثلاثين تحت إشراف مساعد المخرج الأول، والأخير هو من يتعامل مع المخرج مباشرة وينقل تكليفاته.

رجل التفاصيل الدقيقة

تبدأ مهام مساعد المخرج عندما يتلقى السيناريو، وحينها عليه أن يقرأه بدقة أكثر من مرة، يقرأه ليعرف كل تفاصيله ويكوِّن فكره عن شخصياته ولقطاته، ثم يدون ملاحظاته على كل ما يقرأه، ليعتاد على كل شخصية من شخصيات العمل الفني، ثم يبدأ في تقسيمه وكتابة هوامش على كل صفحة من صفحاته، من خلال استخدام أقلام ذات ألوان مختلفة، حيث يخصص كل لون لعنصر معين في العمل ليتمكن من العثور على كل معلومة بسهولة؛ لأن السرعة والدقة أهم سمات المساعد الناجح.

وبعد إلمام مساعد المخرج بكل تفاصيل السيناريو يبدأ رحلة مرحلة البحث عن المكان الذي تشمله اللقطة التأسيسية لكل مشهد، ويكتب الموقع بحروف بارزة ليسهل معرفة إذا كانت اللقطة خارج البلاتوه أم داخله، كما يشير أيضا إلى الزمان إذا كان ليلا أم نهارا، صيفا أم شتاء، ليلم مدير التصوير ومدير الإضاءة بطبيعة الأجواء المطلوبة، إضافة إلى تهيئة الموقع لتنفيذ المشهد.

هارموني متوازن

يضع مساعد المخرج أيضا علامات داخل السيناريو تدل على الترتيب الزمني للمشهد، كأن يكتب أمامه؛ بعد أسبوع أو أسبوعين أو سنة أو سنتين، ويضع علامة على المشهد الذي يعقب ذلك، حتى يسير العمل الفني وفق هارموني متوازن، ويكتب كذلك الصفات الجسدية الظاهرة للشخصية، بحسب ما وصفها المؤلف، كما يقف على أية جملة تحتوي على وصف للشخصية، ويدون علامات على ما يتعارف عليه بالأحداث الصريحة كالمشاجرات والجري والقبلات، بالإضافة إلى وضع خط تحت أي إشارة للإكسسوار في السيناريو سواء كانت إكسسوارات خاصة بالمكان أو خاصة بالأشخاص.

ولا تقتصر مهام مساعد المخرج على ما سبق، فهو مسئول أيضا عن خطة الملابس، ومدى توافقها مع أبطال العمل قبل تصوير المشاهد بفترة كافية، أما المهمة الكبرى التي يطالَب بها المخرج المساعد أثناء التحضير للفيلم فهي جمع الملاحظات وعرضها على المخرج، مع إعداد كشف بالأدوار الرئيسية للأبطال وأسماء النجوم المرشحين لهذه الأدوار، ثم يقدم كشفا آخر بأسماء الكومبارس، وبيانّا تفصيليًا بالمشاهد التي تستوعب الكومبارس سواء كان عددهم محدودا أو يزيد على عشرة أفراد، مع تدوين عددهم وجنسهم ومواصفاتهم.

ولا يكتفي مساعد المخرج بما يقدمه مهندسو الديكور من مناظر، لكنه يبدي رأيه ويتشاور بخصوصها مع المخرج، وإذا كانت تناسب المشهد أم لا، من خلال معايشته للسيناريو، ثم يعد كشفا آخر يضم بيانات المناظر التي تصور داخليا سواء في أماكن حقيقية كالشقق، الفيلات، المصانع والمدارس أو داخل الاستوديو، ويطلق على الكشف الأخير كشف المناظر الداخلية، ويقدم كشفًا آخر بالمناظر الخارجية ومناطق اختيارها، ويحدد فيه الأماكن المناسبة لنوعيات المشاهد الخارجية، والصالحة كخلفيات لتصوير الأغاني والرقصات، ويتابع المساعد بناء الديكورات ليطمئن على تنفيذ رغبات المخرج والتي سبق وأدلى بها إلى مهندس المناظر.

وتتعدد وظائف مساعد المخرج

وخلال مرحلة التصوير، تتعدد وظائف مساعد المخرج فيساعد الممثلين على حفظ الحوار، ويشرح طبيعة الحركة للكومبارس، ويحدد موقعهم بالنسبة للكاميرا، وبعد انتهاء تصوير اللقطة ينقل للمخرج رأيه عن مدى جودتها وإمكانية إعادتها.

ومن المهام الأساسية لمساعد المخرج خلال تلك المرحلة استخراج كشوف لأمر العمل اليومي، تتضمن مهام يوم التصوير بما يعد تفصيلا للسيناريو، ليتمكن المخرج من خلال تلك الكشوف من تقدير كل المستلزمات السينمائية بدرجة تقترب من الواقع الفعلي المستقبلي لكل مشهد، يتفق بعدها مساعد المخرج مع إدارة الإنتاج على توفير جميع المستلزمات الخاصة بالتصوير،

في حين يقوم مساعد المخرج بدور المخرج عند إجراء التسجيل المسبق لأي أصوات قبل التصوير لاستخدامها.

تاريخ من المعاناة

ويحفل تاريخ السينما بأسماء عديدة لمخرجين انطلقوا لعالم الشهرة من الكواليس، ومنها المخرج الراحل عاطف سالم الملقب بمخرج الواقعية الاجتماعية، ويعد من أشهر مساعدي المخرجين في القرن العشرين، دخل عالم السينما عام 1943 كممثل في دور صغير، وانتقل بعدها للعمل كمساعد ثالث، حتى وصل إلى مساعد أول لأهم المخرجين المصريين في نهاية الأربعينيات مثل أحمد بدرخان وأحمد جلال وحلمي رفله، وبعد عشر سنوات من الكفاح في الظل، ذاق خلالها متاعب جمة، قرر أن يخوض غمار التجربة ويعمل مخرجا لأول مرة عندما سنحت له الفرصة في فيلم (الحرمان) الذي لعبت بطولته الطفلة فيروز، وحقق نجاحا منقطع النظير، توالت بعدها نجاحاته، فقدم للسينما 55 فيلما شكلت في مجموعها إضافة حقيقية لتاريخ الفن السابع في مصر، ومنها أفلام: (يوم من عمري، إحنا التلامذة، أم العروسة، خان الخليلي، الحفيد، أين عقلي، النمر الأسود).

ويعد المخرج خالد يوسف أشهر تلميذ سينمائي مصري في الربع قرن الأخير، فهو الوحيد من بين المخرجين الذي عاد إلى العمل كمساعد مخرج مع أستاذه يوسف شاهين، بعد أن أصبح مخرجًا مشهورا، في فيلم (هي فوضى) عام 2007، لكن شاهين قدر وفاءه وكتب اسمه تاليًا له كمخرج أول، وجاءت تلك الخطوة بعد سلسلة طويلة من الأفلام عمل خلالها يوسف كمساعد مخرج بجانب شاهين حققت نجاحا كبيرا، بدأت رحلته بفيلم (المصير) عام 1997 في فيلم (المصير) ثم المهاجر، (إسكندرية نيويورك)، و(الآخر)، ثم توالت نجاحات يوسف بمفرده، فبات واحدا من نجوم الصف الأول، حيث قدم (جواز بقرار جمهوري) ،(ويجا) الذي قام بتأليفه وإخراجه عام 2005، و(أنت عمري، خيانة مشروعة، الريس عمر حرب، دكان شحاتة، وكلمني شكرا)، وأخيرًا يستعد لتقديم تجربته الجديدة (وجه القمر).

يعلق الناقد السينمائي عصام زكريا، على أهمية دور مساعد المخرج قائلاً: المخرج المساعد سر نجاح أي عمل فني، وهو أيضاً سر فشله، فهو ذراع المخرج والمنفذ لرؤيته، وهناك مخرجون كبار بدأوا حياتهم كمساعدين، ومنهم من بدأ في أعمال أخرى مساعدة كالديكور والتصوير والمونتاج، فالبداية التدريجية للمخرجين تضمن تميزهم بعد ذلك، ليعرف كم تستهلك هذه المهنة من وقت وجهد وما هو الأفضل في كل شيء.

الدراسة ليست كافية

وينصح زكريا طلاب معاهد وأكاديميات السينما المتخصصين، في دراسة الإخراج بالنزول إلى سوق العمل، والعمل كمساعد ثالث ثم ثانٍ ثم أول، حتى يتقن كل منهم أدواته، ويلم بتفاصيل المهنة، فيصقل موهبته ويعلو اسمه مستقبلا، فقواعد الإخراج النظرية التي تدرس بالمعاهد ومدونة بالكتب لا تصنع مخرجاً ناجحا فالاحتكاك والمحاكاة لأرض الواقع أهم.

وقال زكريا: علَّم يوسف شاهين أجيالا من المخرجين الموهوبين الذين عملوا معه كمساعدين مخرجين، إذ لم يدخلهم إلى قاعة للدرس ليشرح لهم القواعد، بل أتاح لهم فرصة الاحتكاك العملي والتعلم على أرض الواقع.

وبحسب زكريا، فإن نجاح المساعد في عمله يعتمد على التزامه بتنفيذ تعليمات المخرج بدقة ونظام، لافتا إلى أن: المخرج يضع رؤية في الخيال ومساعد المخرج يضعها على أرض الواقع، وكم من أعمال كانت الفكرة جيدة وجاء التنفيذ سيئا، وهنا يكون المساعد فاشلا وغير منظم ولا يلتزم بالتعليمات.

أما المصور السينمائي أشرف بيلا: المخرج القوي هو القادر على اختيار مساعدين أكفاء؛ لأنهم ينفذون رؤيته، ويصبغون بها عناصر العمل الفني كالديكور والإكسسوارات، حتى حركة الممثل، فالمساعد عين المخرج اللاقطة للتفاصيل، فلو تفرغ المخرج للتفاصيل لضاعت رؤيته وفشل العمل الفني

ويرى بيلا لجوء مساعد المخرج إلى الابتكار بعيدا عن رؤية الإخراج ومدير التصوير هو الفشل بعينه؛ لأن دوره تنفيذي فقط، وأي محاولة للإبداع الذاتي تهبط من أسهم العمل.