2013/05/29

أرواح عارية.. كشف البواطن لإعلاء كلمة الحب
أرواح عارية.. كشف البواطن لإعلاء كلمة الحب


سوزان الصعبي – تشرين

ليس سهلاً أن تكشف عن جوانيات الناس في عمل فني، لكنه إغراء كبير بالنسبة لأي كاتب يحب نبش عوالم الإنسان وتحويل الواقع إلى قصص فيها من اللغة الحياتية واللفظية ولغات الصمت ما يجعلها عملاً درامياً تلفزيونياً يتناول صورة الحياة بمزيد من النكهات الحلوة والمرة.

أراد العمل الدرامي «أرواح عارية» ومن خلال عنوانه أن يفصح عن قدرته على تعرية شخصياته الموجودة فينا وبيننا، منطلقاً من عمارة تقطنها مجموعة من الأسر التي هي أبطال العمل، ومتخذاً القرار بأن يبدأ الحلقة الأولى بتصعيد درامي يشد المشاهد من أوله قبل أن يفلت منه أو يتشتت، فالحدث الساخن المتجسد بشجار الزوجين (ربى وسامر) وخروجها من البيت كاشفة عن خلاف شديد بينهما وصمها بالعار أمام بعض الجيران، ومن ثم هربها من العمارة واحتمائها بالشارع بديلاً عن الزوج المخدوع، والتقائها بالمصادفة بشاب يحمل أخلاقيات الشهامة(صلاح، قصي خولي) وحمايته لها بل ووضع بيته تحت تصرفها كملجأ لها، كل ذلك جعل الحلقة الأولى ناجحة بامتياز مادامت قد امتلكت حدثاً مغايراً عن العادي وفي الوقت نفسه مثيراً للجدل حول موضوع الخيانة الزوجية ، خاصة أنها ارتكبت هذه المرة من قبل الزوجة، لا من قبل الزوج المبررة خيانته غالباً في الحياة  وكذلك في الدراما.

ظلت( ربى، سلافة معمار) مختبئة في بيتها الجديد طوال أيام ومن ثم أشهر، وظل غيابها سؤالاً قاهراً عند( سامر، عبد المنعم عمايري) كما خيانتها، وبقي(صلاح) متحلياً بأخلاق العربي من صدق وإيواء للضيف من دون أن يزعج ضيفته بما قد يقع بين رجل وامرأة، والغريب أنه ملك من العقل المنفتح ما جعله شخصية محببة ومثيرة للإعجاب على الرغم من أنه شاب عادي لم يقرأ كتاباً يوماً، أقصد أنه ابن هذا المجتمع الذي مازال يعتقد بأمور وأخلاقيات ومحرمات معينة صيانة لشرفه، وغالباً ما يسقط في استسهال إلباس المرأة الخطيئة التي يشاء، فكيف تخلص صلاح من هذه الموروثات الاجتماعية؟! وكيف وقع في حب ربى متجاوزاً مسألة مهمة وهي أنها متزوجة وملاحقة من زوجها وعائلتها ومن كل المجتمع؟ هل أراد الكاتب بذلك التحدي أن يحفز المجتمع على المغفرة والحب والتخلص من براثن العادات والتقاليد المتوارثة؟ هذا ما بدا لنا من خلال هذه الشخصية الجذابة خاصة بالنسبة لجمهور النساء، فهو قادر على التجدد وحب المرأة نفسها من جديد حتى بعد أن تخطئ بحق انتظاره، ولا يخجل من البكاء والنحيب في حضنها حين تعود إليه أخيراً متخلصة من عبء المجتمع، فكم كانت تلك اللحظات الطفولية من قبل هذا المحب صادقة مخالفة للتوقعات، وكم أداها فناننا خولي بإبداع اختلف عن إيقاعه في العمل، إيقاع شعرنا أنه يتشابه مع بعض أدواره السابقة خاصة في(تخت شرقي) كما لاحظ أحد الزملاء في عدد سابق من هذا الملحق.

أما عن(عبير وآدم) فهما زوجان ظهرا في العمل بعد انقضاء نصفه، ما جعلهما قصة جديدة ساهمت في حمل العمل قبل أن يهبط أو يقع في الرتابة، وهي تقنية تحسب للعمل وللكاتب(فادي قوشقجي)، والغموض الذي أحاط بقصتهما والجو المتوتر الصامت غالباً والباكي كثيراً إضافة إلى الأداء المتميز لكل من(ديمة قندلفت ورافي وهبي) جعل من كل حلقة مجالاً لكشف جديد عن روح تتآكل، فالزوج الذي اعتمد الخيانة رديفاً لحياتهما عرّض طفلهما للموت نتيجة لمبالاته، من يومها والأم مصابة بهزيمة نفسية أوصلتها للمشفى، ونستغرب أن تعفو عنه في الحلقة الأخيرة بعد أن يتم علاجها، ولكن هل كان هذا العفو منطقياً؟ أعتقد لا.

يبدو أن غاية الكاتب في إعلاء كلمة الحب جعلت الحلقة الأخيرة ساحة للاعتراف عبر رسالة بصوت ربى وصور كل ثنائيات العمل: ناديا وأمجد، رزان وملهم، ميادة وأيمن، والأبطال سابقو الذكر، ليعود كل واحد إلى رشده وحبيبه بعد إشكال أو شيء من التباعد، فكانت رسالة وجدانية حميمية تعبر عن شغف الإناث وانتظارهن للحظة اللقاء، رسالة مطولة طلبت فيها من صلاح أن يعود إليها إن كان يصدقها، في مناجاة عبرت عن لسان حال كل العاشقات اللواتي هددتهن المسافات بالبرد العاجل.

قصص أخرى أضافت للعمل حقيبة كبيرة من الجرأة تمثلت بسعي الشاب المراهق ( أمير، يامن الحجلي) إلى التخلص من روتينية الحياة المتمثلة بالبيت والمدرسة، وذلك عبر طلبه من حبيبة طفولته وشبابه( نهلة، دانا مارديني) بارتداء ثياب تكشف قليلاً عن أنوثتها أمام شاشة الانترنيت، فقبلت الفتاة بعد رفض وخجل، وكاد الشاب أن يميل لحياة الانحراف بتأثير صديقه، لكنه عاد أخيراً لطيبته، وكان تبريره جميلاً حين قال لها إنه لم يفعل ذلك إلا ليثبت لها رجولته, وهي حال الكثير من شبابنا هذي الأيام.

هناك أيضاً قصة( رزان، ميسون أبو أسعد) وقد تعرضت لأزمة عاطفية كبيرة قبل سنوات نتيجة أنها وافقت حبيبها( آدم) أن يستضيفها في بيته فما كان منه إلا أن تركها لمصيرها، وهي اليوم تعاني من أزمة ثقة باعدت بينها وبين( ملهم، وضاح حلوم) وجعلتها صريعة نزاعات معه.

إذاً, يطرح العمل قداسة الحب ومشكلات الخيانة الزوجية وادعاءات التحرر الفكري والعاطفي، ونزعات الشباب وبحث الجميع عن الحب، لكنه وقع في بعض مطبات أو طرح قصصاً وحلولاً غير منطقية، كقصة ( أمجد، خالد القيش) الذي يبحث عن عائلته المجهولة ويجدها أخيراً عن طريق صديق، وهي قصة كان يمكن الاستغناء عنها لندرتها في مجتمعنا، أو كان يمكن أن يجد والديه في مكان آخر، فالحياة بعيدة عن هذه المصادفات.