2013/05/29

أزمة الإنتاج الدرامي في مصر بين سندان الثورة ومطرقة السوق الخليجية
أزمة الإنتاج الدرامي في مصر بين سندان الثورة ومطرقة السوق الخليجية


حنان حامد – الحياة


هل أثّرت الثورة في مصر سلباً في الإنتاج الفني وسوق التوزيع؟ وهل انعكست الأزمات الاقتصادية على نقص السيولة اللازمة للدراما؟ وما سر إنتاج أكثر من 70 مسلسلاً درامياً عرضت خلال رمضان الماضي وانخفاض العدد هذا العام؟

أسئلة طرحتها «الحياة» على أهل الاختصاص، ومنهم المنتج محمد فوزي الذي تحدث عن تداعيات أزمة السيولة في السوق على العملية الإنتاجية. وقال: «لا يمكن فصل الأمور عن بعضها، فنقص السيولة في السوق قلل من الإعلانات، ما تسبب في نقص دخل القنوات التي تعرض المسلسلات، والتي باتت غير قادرة على الوفاء بالتزاماتها والدفع للمنتجين في المواعيد المحددة. ثم إن تأخر سداد القنوات مستحقات المنتجين يقلل من السيولة المتاحة لهم لإنتاج أعمال جديدة، خصوصاً أن أموالهم موضوعة في الأعمال المعروضة التي لم يتقاضوا ثمنها كاملاً. لذا، انعكس الوضع العام على العملية الإنتاجية، لنجد هذا العام عدداً قليلاً جداً من الأعمال الدرامية لا يقارن أبداً بما كان عليه في السابق».

وأكد فوزي أن تداعيات أزمة السيولة وقلة الإنتاج الدرامي انعكست سلباً على الوضع الاقتصادي لتزيد من حدته بسبب رفعها معدل البطالة، وأضاف: «يعمل في الفن عدد كبير من الفنيين خلف الكاميرات من مصورين ومهندسي ديكور وعمال دهان وحديد وزجاج وملابس وكوافير... إلخ، وكل واحد من هؤلاء مسؤول عن أسرة ينفق عليها من عمله في المسلسلات، لهذا فإن انخفاض عدد الأعمال الدرامية، يقلل من فرص عمل هؤلاء».

وعن سر إنتاج أكثر من 70 مسلسلاً لرمضان الماضي على رغم الظروف الاقتصادية وتداعيات نقص السيولة قال فوزي: «كان الجميع لديه قناعة العام الماضي بأن الثورة حدثت وانتهت والبلد سيستقر وينطلق في المجالات كلها. وتفاءل الجميع وقرروا أن يدخلوا بثقلهم في الإنتاج، والحقيقة أن مبدأنا الحقيقي كان أن نقف مع الدراما وندعم العملية الإنتاجية لتستمر، لأن العمل هو أهم شيء للبلد. ولكن، حدث ما حدث وبات هناك نقص في السيولة بسبب ما لم يعرض من أعمال أو ما عرض ولم يحصل على دخل كافٍ من الإعلانات، ما لم يشجع المنتجين هذا الموسم». وشدد فوزي على أهمية استقرار الأوضاع في مصر لضمان تعافي الاقتصاد ومن ثم عودة الإنتاج إلى سابق عهده، وقال: «العملية عرض وطلب وهذه هي ضوابط السوق ولكي يزيد المعروض يجب أن يزيد الطلب عليه، وزيادة الطلب والقدرة الشرائية مقرونة بتحسن الأوضاع الاقتصادية وضمان الدخل».

وفي ما يخص التوزيع الخارجي للمسلسل المصري، قال فوزي: «كانت السوق الخارجية تعتمد في الماضي في شكل أساسي على المسلسل المصري، لكنّ الوضع الآن تغير بعدما صار لهذه الدول إنتاج خاص بها يعبر عنها وعن واقعها، فصارت تفضل مواضيعها ومنتجها، خصوصاً أن لديها كفاءات فنية وتطورت عندها عملية الإنتاج الدرامي كثيراً عن ذي قبل. والخطأ بالأساس خطأنا لأننا لم نفرض سيطرتنا الإعلامية واعتبرنا أن الإعلام اختيار وأغفلنا دورنا الحقيقي على مدى السنوات العشر الأخيرة، وفيها كان الآخرون يطورون إنتاجهم ويقلصون الاعتماد على المسلسل المصري». وعن المخرج من أزمة المنتج الدرامي المصري، قال فوزي: «يجب الخروج من الأسواق التقليدية إلى أسواق جديدة لتتعرف إلى المنتج المصري ويصبح هناك جمهور أكبر ومعلن جديد خصوصاً أن الفن، سواء السينما أم التلفزيون، رسالة مهمة لها دورها في المجتمعات، وعملية إيصال هذه الرسالة تتم بمتعة المشاهدة وليس بالخطابة».

مبالغة

ورأى المنتج خالد حلمي أن العدد الحالي للمسلسلات المنتجة ليس قليلاً بل هو المعدل الطبيعي والمناسب لرمضان لكي يتمكن المشاهد من متابعة ما يعرض، وأشار إلى أن كثرة الإنتاج هي مبالغة زائدة عن الحد كما حدث العام الماضي.

واعتبر حلمي أن أزمة السيولة لعبت دوراً في تقليص المنتجين لعدد الأعمال المنتجة. فمن كان ينتج ثلاثة أصبح يكتفي بمسلسل واحد وهناك من كان ينتج 5 لم ينتج جديداً هذا العام، كما أن المسلسل الواحد بات ينتج بالشراكة بين جهتين لتقسيم النفقات وتقليص المجازفة.

وعن وجود سوق للمسلسل المصري، قال حلمي: «أصبحت السوق المصرية الآن مليئة بعدد كبير من الفضائيات ما يسمح للمنتج بتسويق الدراما بسهولة، إذ لم يعد في حاجة إلى السوق الخارجية كما في السابق، مع العلم أن السوق الخليجية وبعدما كاننت تشتري ما لا يقل عن 10 مسلسلات رمضانية أصبحت اليوم تكتفي بعمل أو اثنين على الأكثر، نظراً إلى اعتمادها على الدراما المحلية».

واعتبر حلمي أن أزمة السيولة والتداعيات الاقتصادية، لم تؤثر في جودة المنتج المصري الذي صار أكثر كفاءة بعد الثورة، وأردف: «أصبحت الصورة ذات جودة عالية في الدراما التلفزيونية لأننا أصبحنا نستخدم التقنيات والكاميرات السينمائية وفريق عمل من السينمائيين الذين اتجهوا إلى الدراما بسبب أزمة السينما. ويعتبر هذا الأمر من إيجابيات ما بعد الثورة، على رغم كونه رفع كلفة الإنتاج أكثر».

وعن نفقات الإنتاج وارتفاعها وأجور العاملين، قال حلمي: «الفنانون متعاونون جداً وكثير منهم خفض أجره تماشياً مع الظروف وجميعنا ننظر إلى استمرار العملية الإنتاجية، فلو بالغنا في الأجور، لن يعمل أي منا، وعموماً أرى أن المبالغة في شكل عام هي سبب الأزمة، سواء المبالغة في الإنتاج أم في شراء الأعمال من الفضائيات، أم المبالغة في الأجور، ومن دون مبالغة ستسير الأمور إلى الأفضل خصوصاً لو توافر مناخ استقرار عام في البلد».

طفرة

ولفت الناقد طارق الشناوي إلى أن هناك تراجعاً شديداً في الإنتاج كما كان متوقعاً، واعتبر ما حدث السنة الماضية طفرة إنتاجية في التلفزيون بسبب افتتاح عدد كبير من القنوات التلفزيونية التي تريد ملء شاشاتها بمادة درامية. وقال: «بعد الثورة انطلقت قنوات عدة، وفجأة صارت القناة الواحدة تضم أربع قنوات. وكان من الطبيعي أن تلد القناة قنوات عدة مجاورة لها يعتمد الكثير منها على ملء مساحاته بالمادة الدرامية. لكنّ ما حدث هو أن القنوات تعاقدت مع شركات عدة ولم تسدد مستحقاتها، فكان رد الفعل الطبيعي ألا تدخل الشركات معترك الإنتاج لأن دورة رأس المال توقفت، خصوصاً مع الانخفاض الحاد في الإعلانات الذي لم يحقق الربح المادي الذي كان متوقعاً منه».

وعن رؤيته المستقبلية للأزمة، قال الشناوي: «أتوقع أن تستمر الأزمة ومنها ستولد الحلول وقد تكون حلولاً لمصلحة الفن وخدمته، تماماً كما سبق وحصل مع السينما ذات الكلفة المنخفضة أو ما يطلق عليها السينما المستقلة أو الشبابية نظراً إلى تراجع الإنتاج التقليدي للنجوم الكبار بما يخلق مساحة لأعمال فنية أجمل وأعمق قدمها الشباب وأطلت منها روح الإبداع وازدادت مساحتها حتى إن منها ما شارك في مهرجانات وحصل على جوائز».