2013/05/29

أشتغل في التلفزيون وعيني دائماً على السينما.. باسـل الخطيب: «مريم» فيلم عن مصير الطفولة في زمن الحرب
أشتغل في التلفزيون وعيني دائماً على السينما.. باسـل الخطيب: «مريم» فيلم عن مصير الطفولة في زمن الحرب


سامر اسماعيل – تشرين

بعد حصوله على الجائزة الكبرى في مهرجان الداخلة في المغرب عن فيلمه «مريم»، ها هو المخرج باسل الخطيب يتكلم هنا عن هذه التجربة، مجاهراً بعشقه لفن الصورة التي لطالما كان شاعرها حتى في أعماله التلفزيونية، مصراً على تدوين الزمن العربي سينمائياً بعد استهلاك المشاهد بساعات بث تلفزيونية لم تشكل ذلك الوعي الجمعي الذي تحققه السينما.

•دعنا نعرف بداية رأيك بمقاطعة بعض المهرجانات الدولية والعربية للفيلم السوري، ولاسيما أن فيلمك الجديد «مريم» تعرّض لذلك في مهرجان دبي الأخير؟

••مع الأسف مقاطعة الفيلم السينمائي السوري ليست جديدة في المهرجانات الدولية والعربية، ولاسيما أننا عانينا كفنانين سوريين من هذا الأمر عبر مقاطعة الفضائيات العربية جزءاً كبيراً من الدراما التلفزيونية، الآن يتكرر الشيء ذاته مع الأفلام السورية في مهرجان دبي الدولي، حيث كان من المقرر أن تشارك ثلاثة أفلام سورية في فعاليات الدورة الماضية لهذا المهرجان هي «العاشق» لعبد اللطيف عبد الحميد، و«صديقي الأخير» لجود سعيد وفيلمي الجديد«مريم» والغريب في الأمر أن هذه الأفلام الثلاثة تم إدراجها في برنامج المهرجان، ووجهت لنا الدعوات للحضور، لكننا فوجئنا قبل عشرة أيام من افتتاح هذه التظاهرة برسالة موجهة من إدارة مهرجان دبي تعتذر لنا عن رفضها عرض الأفلام السورية، وبحجة واهية وغير مقبولة؛ مفادها أن القائمين على المهرجان لا يوافقون على مشاركة أفلام سورية من إنتاج وزارة الثقافة السورية، أو المؤسسة العامة للسينما، كونها تتبع لجهة حكومية رسمية، ولذلك تم استبعاد هذه الأفلام من برنامج المهرجان، لكنني أعدّ ذلك طبيعياً في سياق أن جميع مهرجانات العالم مسيسة بالضرورة، حتى في مهرجان «كان» الخيارات السياسية لهذه الدولة أو تلك هي التي تحسم الأمر تجاه تقييم هذا الفيلم أو ذاك، فما بالك إن كانت هذه المهرجانات عربية؟ اللافت أن إدارة مهرجان دبي اتصلوا بي بعد منع عرض فيلم «مريم» لديهم، قائلين لي بالحرف الواحد: إن الأمر خارج عن إرادتهم، وإنهم امتثلوا لقرار سياسي يمنع عرض «مريم» وبقية الأفلام السورية، لكنهم عبروا لي عن أسفهم لغياب السينما السورية التي فقدوا بغيابها تجارب سينمائية مهمة، ما يترك انطباعاً لدينا كسينمائيين أن رحلة الفيلم السوري ستكون رحلة صعبة في أي مشاركة مستقبلية في مهرجانات عربية أو دولية، لكنه في الوقت ذاته يترك تحدياً لدى الفنانين السوريين لعرض أفلامهم، كون جزء كبير من هذه المنافذ سيكون مغلقاً بالتأكيد، وهذا ما حققه فيلم «مريم» بمشاركته في مهرجان «الداخلة» في المغرب وحصوله هناك على الجائزة الكبرى، إضافةً لعرضه في قلب أوروبا عبر مهرجان لاهاي في هولندا وبحضور جماهيري كبير من النقاد والإعلاميين والجاليات السورية في الخارج، إضافةً للجمهور الأوروبي.

•لماذا تناول الفيلم فترة نكسة حزيران عام 1967, دامجاً إياها مع زمن خروج العثمانيين من سورية 1918 وصولاً إلى زمننا الراهن؟

••إن اختياري لتناول فترة نكسة 1967 في فيلم «مريم» نبع من قناعة موجودة لدي ووردت على لسان شخصية الفيلم الرئيسة «مريم» التي لعبت دورها الفنانة سلاف فواخرجي عندما تقول: «إن هذه الحرب لم تكن مجرد حرب عسكرية خسرنا فيها الأراضي» بل كانت هزيمة في عمق وروح المواطن العربي، ولاسيما وقعها في نفس وروح المثقف العربي.. تركت وصمتها في مجمل الأعمال الأدبية والفنية التي قدمت فيما بعد عن هذه الهزيمة، ولذلك تطرح «مريم» ذلك السؤال على الجندي «عبد الله»: هل انتهت الحرب فعلاً؟

سؤال لا يستطيع وقتها «عبد الله» الإجابة عنه إلا بعد موت «مريم» في ساحات مدينة القنيطرة، وصولاً لمقولة الفيلم: «إن هناك دائماً من تجب عليه التضحية بحياته من أجل أن يعيش الآخر في وطنه عزيزاً كريماً»، وفي ذلك تكمن روح وطنية تجلت في دور الجيش العربي السوري، وهو لا يحتاج إلى أي شروحات أو دلالات، وهذا ما حاولت إيصاله عبر مشاهد متعددة في الفيلم، وهنا دعني أقول: إنني لا أحب أن أصادر قراءة المشاهد، فالفيلم مفتوح على كل القراءات، ولاسيما المشهد الأخير من «مريم» حين يتدخل الجندي السوري «عبد الله» ويساعد على خروج السيارة من المستنقع، وهنا تأكيد على الدور النبيل والإنساني الذي يقوم به الجندي العربي السوري تجاه شعبه وأرضه، وهو الدور الذي سيقوم به مستقبلاً، فالشخصيات التي كانت في السيارة هي الشخصيات التي تمثل تاريخ وطن بأكمله.

•كم تطل اليوم «مريم» بأزمنتها الثلاثة على الأزمة السورية الراهنة؟

••أعتقد أن «مريم» هو حالة سينمائية تشبه إلى حد كبير الحالة السورية التي لطالما أكدت على العيش المشترك بين جميع شرائح المجتمع السوري, الذي لطالما كانا أنموذجاً استثنائياً في تأكيده على اللحمة الوطنية وعدم قدرة الآخر على زعزعتها تحت أي ظرفٍ كان، حتى في الأزمة الراهنة اليوم تستطيع رؤية ذلك على الرغم من كل الذي تحاول الميديا ترويجه أو اختلاقه على الأرض، ولهذا يمكنني أن أذكرك هنا بمشهدين حاولت عبرهما الإطلالة على دمشق اليوم، ولكن أدع ذلك لقراءة النقاد وللجمهور الذي شاهد الفيلم مؤخراً في «سينما سيتي» ولاسيما في مشهد الفرس العربية التي تنهض في نهاية الفيلم من وحلها، وهذا أيضاً له إسقاطاته وواقعيته في ضوء ما يحدث اليوم في هذا الليل العربي الطويل، لكنه لا يخلو أيضاً من فسحة أمل، وهنا أتذكر عبارة لأحد الأصدقاء الذين شاهدوا الفيلم، حين قال لي إنه «شاهد في الفيلم أربع مريمات وليس ثلاثاً، فالفرس العربية هنا هي مريم الرابعة»، فمهمة السينما الأساسية هي تقديم جرعة من التفاؤل والأمل، ولهذا أتت قفزة الفرس العربية تحت المطر في نهاية الفيلم تحريراً نفسياً وعاطفياً وجمالياً لروح عربية تسعى للانعتاق، فالفن من دون هذه الجرعات النفسية أعتقد بأنه سيكون ناقصاً وليس مكتملاً.

•التصوير في القنيطرة وعلى بعد أمتار قليلة من فلسطين، كيف توصف للقارئ هذه التجربة؟

••بالتأكيد التصوير في مدينة القنيطرة كان تجربة غنية جداً وتركت أثراً كبيراً في نفسي، ولاسيما أنني وفريق الفيلم كنا نصور على بعد أمتار قليلة من الأراضي المحتلة، لكن ما ترك عظيم الأثر في داخلي هو تلك الكتابات التي رأيتها بأم العين على جدران البيوت التي دمرها العدو الإسرائيلي، تلك الكتابات التي نقشها جنود سوريون ومواطنون مدنيون أتوا من كل أرجاء سورية، وهي جميعها كتابات تدل على عمق الانتماء لهذه الأرض، وعن ذلك الشعور الوطني العالي تجاه الأرض، وهذه ليست محض كتابات على جدران، بل هي مواقف دوّنها أناس أتوا من الجزيرة السورية مثلهم مثل الذين أتوا من دمشق واللاذقية وحمص وحماة وحلب، فجميع تلك الكتابات الحائطية كانت دائماً تصر على العودة إلى الأرض والدفاع عنها حتى النهاية.

•استعنت في الفيلم بمقولة للشاعر الفلسطيني الراحل يوسف الخطيب: «لقد خسرنا كل شيء ولم يتبقى لنا سوى الحب». هل نستطيع فهم هذه المقولة في موقف شخصية «مريم 2012»؟

••كل الخيارات في الفيلم تخضع في النهاية لمقولة الفيلم نفسها، فالحرب التي تخوضها «مريم- 2012» هي حرب أخلاقية، حرب ضد المساومات، ضد التخلي عن القيم، ولاسيما في موقف هذه الفتاة من جدتها التي يصر الأب والأم على وضعها في مأوى للعجزة، فلقد أدركت «مريم» هنا أن ترك جدتها في دار للمسنين هو ترك لتاريخ بأكمله في مأوى للعجزة، ترك للذاكرة الجمعية، ولمستقبل وطن، فهو تخل ما بعده تخل عن كل هذه الذاكرة، ولهذا رفضت حتى النهاية خيار أبيها وأمها، ممانعةً ترك هذا التاريخ للمجهول، وهذا ما نراه اليوم عند بعضهم من خلال لحظة التخلي التي يخوضونها تجاه ذاكرتهم الوطنية والشخصية.

•احتراق «مريم 1918» كان خياراً قاسياً، كيف ترى إلى هذا المصير الذي واجهته الأغنية باحتراقها بهذه الطريقة؟


••هذا مصير الطفولة في زمن الحرب، حتى عندما تكون هذه الطفولة بعيدة تماماً عما يحدث، وهي بريئة، وغير معنية بشكل مباشر في الأحداث إلا أن الحرب تصل إلى الجميع، تصل حتى إلى تلك الصبية الصغيرة «مريم» التي كانت تريد فقط أن تغني، إلا أنه لا يكتب لها أن تكمل هذه الأغنية، فيحكم عليها بالاحتراق والموت مخنوقةً بأغانيها وبدماها الطينية التي تضمحل تحت أمطار جنازتها.. كذلك تواجه «مريم 1967» بندقية الجندي الإسرائيلي بعد أن خسرت ابنتها، واغتصبت في ساحات مدينتها القنيطرة، حيث يصبح الموت والحياة لها سيان، ولذلك يخاف العدو من حالة هذه المرأة التي لم تعد الحياة بالنسبة لها مهمة، أعتقد أن هزيمة حزيران ظلت في الوجدان العربي حتى عصرنا هذا، فقد دفعنا الكثير من التضحيات، لكن الهزيمة ظلت تطالبنا بدفع المزيد من الضرائب النفسية، لكنه في بقاء ابنة «مريم» على قيد الحياة الكثير من الأمل الذي أصر دائماً عليه في السينما.

•تداخل الأزمنة في الفيلم قدم جهداً استثنائياً في صياغة فيلم راق من الناحية البصرية والتقنية لم نشاهده في معظم التجارب التي أنتجتها المؤسسة العامة للسينما؟

••في الواقع لا أريد أن أقيم تجارب أحد من السينمائيين السوريين، لكنني أؤكد أن أحد أسباب نجاح فيلم «مريم» هو التحضير الجيد لتحقيق فيلم سوري على درجة عالية من الجودة البصرية، والتقنية، إضافةً إلى وضوح في الرؤية التي سيطل عبرها الفيلم على الجمهور، ناهيك عن بالفترة الكافية التي استغرقتها العمليات الفنية من مونتاج وشغل على الصوت وتصحيح الألوان والغرافيك، فلقطة الفرس التي تحدثنا عنها على سبيل المثال عمل عليها فريق كامل من المختصين طوال شهرين من الزمن، ولقطة انهيار برج الكنيسة في مدينة القنيطرة أخذت ما يقارب الأربعة أشهر من العمل المتواصل، ما قدم تالياً إضافات جمالية وبصرية على بنية الفيلم وصياغته النهائية التي شاهدها الجمهور في صالة العرض، ولذلك لا أفهم حتى الآن حجم هذا التقصير في صناعة الفيلم السوري، فمن خلال تعاوني مع المؤسسة العامة للسينما لم أصادف أي صعوبات، بل على العكس، فمن اللحظة التي تقر فيها المؤسسة السيناريو يصبح المخرج سيد كل شيء، فكل ما يطلبه يكون موجوداً، ولذلك فعلاً لا أفهم حتى الآن ما هي دواعي خروج فيلم سوري بمواصفات رديئة، وكل شيء يطلبه مخرج الفيلم توفره المؤسسة وفي أفضل الشروط، وهذا يطرح سؤالاً عن معظم الأفلام التي اشتغلها مخرجون معروفون لم تخرج بالصورة الفنية والتقنية المطلوبة؟

•هل نستطيع القول: إن باسل الخطيب اتجه أخيراً لتحقيق حلمه السينمائي بعد سنوات من العمل وراء كاميرا الدراما التلفزيونية؟

••بعد فيلم «الرسالة الأخيرة» الذي أنجزته قبل ثلاثة عشر عاماً، بقيت أعمل في التلفزيون وعيني على السينما، لكنني في الوقت نفسه مدين جداً لتجربتي في التلفزيون، فلولا هذه السنوات الطويلة في العمل وراء كاميرا التلفزيون لم تكن لتتشكل لدي هذه المعرفة الأكيدة بما أريد أن أقدمه للجمهور، والأهم كيف أقدمه، لكنني على يقين أن فكرة المسلسل ذي الثلاثين حلقة سوف تتراجع وتتلاشى، كوننا سنقبل على زمن لن يستطيع فيه المشاهد متابعة مسلسل يمتد على ثلاثين يوماً من العرض اليومي، فمثلما كان الماضي للسينما، المستقبل أيضاً سيكون للفن السابع، ولهذا أتمنى فعلاً أن أستطيع التفرغ لمشروعي السينمائي رغم كل ما قدمته على مدى سنوات عديدة من شغلي في التلفزيون، فالفيلم السينمائي هو الأبقى دائماً في الذاكرة والوجدان الجمعي لأي شعب من الشعوب المتحضرة أكثر بما لا يقاس من المسلسل التلفزيوني، أما عن مسلسل «حدث في دمشق» الذي بدأت منذ أسبوعين تصويره لمصلحة المؤسسة العامة للإنتاج التلفزيوني عن رواية «وداد من حلب» للكاتب قحطان مهنا وسيناريو عدنان العودة، فهو عمل ليس بعيداً عما نعيشه اليوم، فالمسلسل يتحدث عن المجتمع الدمشقي في أربعينيات القرن الفائت وصولاً إلى مطلع الألفية الثالثة، طارحاً قدراً كبيراً من الأفكار والأحداث بعد غيابي سنتين عن الدراما السورية، ورغم الظروف الصعبة التي تحقق فيها هذا المسلسل، كغيري من الزملاء الذين يشتغلون على أعمال أخرى، إلا أني حريص مع كادر المسلسل على أن نقدم عملاً يليق بسمعة الدراما السورية، وهناك حماسة وإيمان بإكمال هذه التجربة بأفضل شكل ممكن، لكن من المهم القول: إن السينما هي الضرورة الثقافية اليوم في بلادنا، بعد سنوات من الانتشار الهائل للفضائيات العربية التي دعمت الأعمال التلفزيونية، وهذا أيضاً من تبعات نكسة 67، أتذكر هنا فيلم «الخروج» الذي أنتجته هوليوود أواخر خمسينيات القرن الفائت عن رواية لكاتب يهودي صهيوني اسمه ليون أوريس، هذا الفيلم الذي تحدث عن عودة اليهود إلى فلسطين وقيام ما يدعى بـ الكيان الإسرائيلي، عندها قُدّم هذا الفيلم في أوروبا وأمريكا وبدعاية كبرى من صالات العرض، حتى أن غولدامائير رئيسة ما يدعى بالحكومة الإسرائيلية قالت عن هذا الفيلم: إنه حقق لـ «إسرائيل» من الانتصارات ما لم تحققه كل الحروب مجتمعة التي خاضتها ضد العرب.