2013/05/29

أفلام الجلاء ..تغـنت بانتصـارات الوطـن
أفلام الجلاء ..تغـنت بانتصـارات الوطـن


جريدة الثورة

تطلّب جلاء المستعمر الفرنسي عن سورية الكثير من التضحيات وتقديم الشهداء قرابين على مذبح الاستقلال والكرامة ، وكان المقاومون والثوار يسطّرون ملاحم البطولة, عهدهم الانتصار لوطنهم متسلحين بإرادة صلبة للنضال تحت راية اللحمة الوطنية والتلاحم الشعبي والسعي لدحر المستعمر .

هذه الصورة النبيلة التي قدمها المناضلون السوريون انعكست بشكل او بآخر ضمن أعمال فنية حملت فيما حملت معانيٍ خالدة مُتجددة ، فهي تجسد معاني البطولة والشهادة وأهمية المقاومة كما تظهر مكانة سورية وعراقتها ، وتحمل قيماً وطنية كبيرة راصدة الكثير من المواقف البطولية وصولاً إلى الجلاء .‏

حدث الجلاء كان الملهم للعديد من المبدعين في مختلف المجالات الإبداعية من فن تشكيلي وسينما وأدب ومسرح ودراما تلفزيونية .. لمحاولة التقاط مفرداته وما أفرزه على الأرض من واقع جديد كان لا بد من أن تحاكيه أعمال ابداعية تنهل منه وتقدمه بصورته المشرقة ضمن إطار يترجم اللحظة بحميميتها وعمق صدقها وتفاعل الناس بها والتفافهم حولها . فكانت مقاومة المحتل تلك الصورة النبيلة التي سعت العديد من الأفلام السينمائية إلى ابرازها مع الحرص على اتباع منهج المزج بين الخط السياسي والنضالي والخط الإنساني . فغالباً لم يأتِ محور الجلاء ومقاومة المحتل وحيداً في العمل وإنما كان يأتي ضمن سياق حكاية تظهر عمق الروح الوطنية لدى الناس عموماً ومن ثم تتحول الأحداث باتجاهه ، مع التأكيد على فكرة هامة بأن الشعب كتلة واحدة يدافع عن البلد ففي لحظة ما قد تجد أن أي مواطن يتحول إلى مقاوم صلب يدافع بشراسة ضد الاحتلال ، وهو الأمر الذي ظهر في مجموعة من الأفلام .‏

إذاً عديدة هي الأفلام التي سلطت الضوء على فترة الاحتلال الفرنسي والمقاومة الشعبية التي كانت تقف له بالمرصاد ، وقد تم في فترة قبل الاستقلال تصوير أفلام اخبارية بعد عام 1928 رصدت ما قامت به الحركات الوطنية التي وقفت ضد الاحتلال الفرنسي وكانت أفلاماً صامتة حتى أواخر أربعينيات القرن الماضي . أما على صعيد الأفلام الروائية فقد قُدِمت أفلام تناولت قضايا وهموماً إنسانية واجتماعية متنوعة ورصدت في قسم منها موضوع الكفاح وأشكال النضال ضد المستعمر الفرنسي ، وخاصة تلك التي دارت أحداثها فترة ثلاثينيات وأربعينات القرن الماضي ، كما تناولت أفلاماً دارت أحداثها فترة الخمسينيات فعكست حال الناس بعد الاستقلال . كما قامت عدة أفلام بالربط بين النضال ضد الاحتلال الفرنسي في سورية والنضال في فلسطين ضد المحتل ليأخذ العمل بعده العروبي مع التأكيد على فكرة أن النضال ضد المحتل لا يتجزأ .‏

قام التلفزيون السوري بإنتاج الفيلم الروائي الطويل (وتشرق الشمس من جديد) إخراج أحمد أبو سعدة وتأليف وليد مارديني عام 1966 ، كما قدم المخرج نفسه فيلم (انتظار) المأخوذ عن رواية الكاتب د.بديع حقي بعنوان (التراب الحزين) ، وأقدمت المؤسسة العامة للسينما بعد تأسيسها على إنتاج مجموعة من الأفلام التي كانت أحداثها تدور فترة الاحتلال الفرنسي وطرحت ضمن موضوعاتها النضال ضد المستعمر ، وجاء قسم منها مأخوذاً عن روايات أدبية لكتاب معروفين ، ومنها الفيلم الروائي القصير (شموس صغيرة) لزكريا تامر وإخراج خالد حمادة الجندي عام 1969 . أما من الأفلام الروائية الطويلة فنذكر فيلم (الفهد) الذي انتج عام 1972 وهو سيناريو وإخراج نبيل المالح عن رواية للكاتب حيدر حيدر وتمثيل أديب قدورة وإغراء وخالد تاجا وأسعد فضة .. وإن كانت قصته أقرب لتكون حكاية فردية في البداية إلا أنه أظهر بزوغ الوعي الوطني والتحول من الهم الخاص إلى العام ، وتدور قصته حول فلاح بسيط اكتشف أن السلطة الإقطاعية هي امتداد للسلطة الاستعمارية حين انتزعت منه أرضه، ثم سجن وضرب من قبل الدرك فهرب من السجن إلى الجبال ومعه بندقية، وهناك بدأ صراعه مع الدرك ليفتتح الموال لأغنية جماعية جاءت فيما بعد . أما فيلم (بقايا صور) إخراج نبيل المالح والذي كتب له السيناريو مع سمير ذكرى ومحمد مرعي (1979) فقدم صورة بانورامية عن الحياة والمواجهة بين الفلاحين والدرك في الريف السوري عبر نماذج حياتية متعددة منها المناضل الذي حمل بندقيته مقرراً أن يواجه كل ألوان العسف بذراعيه . وفي فيلم (الشمس في يوم غائم) الذي انتج عام 1985 وهو من إخراج محمد شاهين وسيناريو محمد مرعي فروح عن رواية للكاتب الكبير حنا مينه وتمثيل منى واصف وجهاد سعد ورفيق سبيعي ويوسف حنا .. تدور الأحداث في مدينة ساحلية أيام الاستعمار الفرنسي، محورها شاب ينتمي إلى أسرة غنية ويطمح إلى تغيير حياته والابتعاد عن مناخ العائلة فيتعرف على حياة الفقراء في حارة شعبية والذين قاوموا الاستعمار الفرنسي، فينتمى إليهم محققا ذاته التائهة ويتمرد على واقعه .‏

فيلم (آه بحر) سيناريو وإخراج محمد شاهين عن رواية (الدقل) للكاتب حنا مينه ، وتمثيل منى واصف وخالد تاجا ورنا جمول وجلال شموط .. وأنتج عام 1994 تدور أحداثه نهاية الثلاثينات وبداية الاربعينات من القرن الماضي في ظل الاحتلال الفرنسي، وفيه يكون البحار صالح حزوم مطلوباً للدرك وقد أتت أسرته من لواء اسكندرون إلى اللاذقية في محاولة للبحث عنه ، ومن ضمن أحداث الفيلم نجد خطيب ابنة صالح يعمل على تأمين السلاح للمناضلين ضد المحتل ، وهناك أيضاً فيلم (حسيبة) الذي انتج عام 2008 والمأخوذ عن رواية بالاسم نفسه للكاتب خيري الذهبي وهو من إخراج وسيناريو ريمون بطرس وتمثيل : سلاف فواخرجي, طلحت حمدي, سليم صبري, جيانا عيد ،صالح الحايك، مايا نبواني، كندة حنا ، يرصد تحولات عدد من النساء الدمشقيات خلال الفترة الواقعة ما بين 1927 وحتى العام 1950 من خلال التحولات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي شهدتها المنطقة في الفترة ذاتها، بحيث يكون والد حسيبة (صياح) من المقاومين للمحتل يسكن الجبل مع الثوار وابنته التي تتصرف كالرجال لا بل تخرج معهم في غاراتهم ، وبعد عامين ينزل إلى دمشق ، وفي أكثر من مشهد نجد صياح الذي يحمل هماً وطنياً حقيقياً في داخله يحاول مد يد العون للمناضلين فيخبئ السلاح في المنزل ويذهب للنضال ، كما أن خطيب ابنة حسيبة يسافر فيما بعد إلى فلسطين لمقاومة المحتل هناك . وفي فيلم (دمشق يا بسمة الحزن) إنتاج عام 2008 وإخراج ماهر كدو ، سيناريو محمود عبد الواحد عن قصة الكاتبة إلفة عمر باشا الأدلبي وتمثيل : كندة حنا وطلحت حمدي .. والفيلم يتناول حكاية صبرية التي تتعرض إلى الحصار الاجتماعي التقليدي ، والفيلم الذي تدور أحداثه في الفترة الممتدة من عام 1925 وما قبلها بقليل وحتى سنوات الأربعينيات ، يعرض عبر خط رئيسي فيه قصة نضال وكفاح واستشهاد ، ففي أحد مستويات الحكاية هناك المقاومون الذي يجمعون الأسلحة ويخبئونها في أحد الأماكن من الحي ، ومن بينهم رشيد (ابن خالة صبرية) ونرى اشتباكات تظهر مقاومتهم للمحتل ، وفي مشهد آخر نرى مجموعة تتدرب على السلاح في الغوطة وهي مؤلفة من الشباب المثقف الواعي لخطورة الاحتلال ولأهمية تحرير الأرض ، والأمر لا يقف هنا وإنما نكتشف فيما بعد الدور الذي لعبته النساء في الحركة النضالية ضد الفرنسي المحتل حيث كانت خالة صبرية تجمع (الفشك) لإيصاله إلى الثوار .‏

عموماً مما لا شك فيه أن مرحلة النضال ضد المستعمر الفرنسي ربما تحتاج إلى أفلام أكثر وأعمال تسعى إلى بلورة الحالة من بدايتها وحتى الجلاء ، لا بل هناك شخصيات هامة مرت خلال تلك المرحلة وكان لها دورها التاريخي الفاعل من المهم أن نسلط عليها الضوء عبر أعمال سينمائية راقية تحاكي فترات هامة من تاريخ سورية .‏