2012/07/04

أفلام شبابية كسيحة الخيال
أفلام شبابية كسيحة الخيال


طارق الشناوي الشرق الأوسط


هل العمل الفني الشاب هو الذي يقدمه الشباب فقط؟ أم إن الإحساس الشاب هو أساس البناء الفني؟ لقد كانوا يقولون دائما إن الموسيقار محمد عبد الوهاب حتى بعد أن بلغ التسعين من عمره ظل شابا في إبداعه الفني. أتصور أن هذا هو الفيصل؛ أن نرى أو نسمع إبداعا شابا، بعيدا عن البحث في البطاقة الشخصية أو جواز السفر عن العمر الحقيقي للمبدع.

الأسبوع الماضي عرض فيلمان؛ كل منهما يراهن على الشباب، سواء في اختياره للقضية التي يتناولها، أو في النجوم الذين تسند إليهم البطولة، وأيضا في الجمهور المنتظر أن يحضر العرض.. فيلما «المركب» للمخرج عثمان أبو لبن، و«إذاعة حب» إخراج أحمد سمير فراج هما آخر صيحة في ما تعودنا أن نطلق عليه «سينما شبابية».

ففي فيلم «المركب» كان كل شيء يبدو شابا؛ القضية وكأنها تنويعة من بين عشرات التنويعات على الفيلم الأثير القديم الذي تحول إلى «أيقونة» لتلك النوعيات، وأعني به فيلم «إحنا التلامذة» للمخرج عاطف سالم الذي قدمه قبل نحو 55 عاما، مستندا إلى واقعة حقيقية لجريمة قتل شارك فيها عدد من الشباب أيقظت المجتمع المصري في تلك السنوات، وعلى الفور كان الفكر السينمائي الذي يحلل ويدقق مستيقظا وشارك عدد من الكبار أمثال نجيب محفوظ في كتابة السيناريو.. الغريب أن أحد هؤلاء القتلة كان في الوقت نفسه هو شقيق بطل الفيلم شكري سرحان الذي حرص على أن يؤدى دوره.. «إحنا التلامذة» كان قائما على تحليل العوامل الاجتماعية التي دفعت الشباب لارتكاب الجريمة، تستطيع أن ترى أن الكاتبين الجديدين الشقيقين هيثم وأحمد الدهان وهما يشرعان في صياغة «المركب» وضعا صورة «إحنا التلامذة» أمامهما باعتباره النموذج الذي ينبغي أن يحتذى، وهكذا يبدأ «المركب» بتلك المقدمة التي نرى من خلالها كيف تعيش كل أسرة في الفيلم وأسلوب توجيه أبنائها الذي يتباين بين عدم الاهتمام والإهمال الشديد وكأنه لا توجد أي مسؤولية أدبية تجاه هؤلاء ويصل في بعضها إلى التدخل القاسي الذي يصل إلى حد الاختناق.

الكل مدان، هناك عائلة غير مكترثة بالابنة (يسرا اللوزي) التي نشاهدها في حوار مع أمها (رغدة) وهى تلعب القمار وغير مدركة بأن هناك شابة مسؤولة منها. وتتعدد الأنماط الأخرى مثل هذا الشاب السمين (أحمد سعد) الذي نكتشف أنه يعيش إحساسا مرضيا بأن أخاه لا يمنحه حقه الشرعي في ميراث والديه، والابنة المحجبة التي أدت دورها ريم هلال تعانى أيضا من كبت الأسرة لها وهى لا ترتدي الحجاب عن قناعة، ولكن إرضاء لما يريده أهلها، ولدينا فرح يوسف التي تتزوج عرفيا ولا يدرى أهلها عنها شيئا.. الكل يجتمعون في رحلة بالمركب إلى أعماق البحر، والخطة هي أن يعودوا قبل أن ينتهي موعد الدراسة، وهذا هو ما يتحقق بعد نحو ربع ساعة من أحداث الفيلم. بعد ذلك، لا يجد كاتبا السيناريو أي أحداث يملآن بها ما تبقى من زمن الفيلم الذي يقدماه سوى أن يفتعلا أحداثا من أجل إثارة المشاهد ودفعه للخوف على أبطاله؛ تبدأ بموت قبطان المركب الصغير الذي أدى دوره أحمد فؤاد سليم، ويضعهم هذا الموت المفاجئ في مواجهة مباشرة لأول مرة مع الموت، هم أنفسهم يشعرون باقتراب النهاية وأنهم سوف يلقون حتفهم في عرض البحر لأنهم لا يعرفون قيادة المركب ولا إلى أين يتجهون، كما أن الماء والطعام معرضان للنفاد، ولأن هذا لا يكفي، وحتى يصبح الأمر أكثر تعقيدا، كان ينبغي أن نكتشف ثقبا في المركب يؤدي إلى تسريب المياه والتهديد بالغرق، وعلى الرغم من فداحة تلك المأساة، فإنه يدعمها بواحدة أكثر افتعالا، وذلك عندما تنزلق قدم يسرا اللوزي من فوق المركب وتشرف على الغرق وينقذها زملاؤها، وحتى تزداد المأساة يغرق أحد الأبطال الذي أدى دوره الوجه الجديد أحمد سعد، وتفشل محاولات إنقاذه؛ حيث تحول ضخامة جسده دون إنقاذه، ولا يجد السيناريو شيئا جديدا سوى أنه بين الحين والآخر ينتقل دراميا إلى أهالي أسر الأبطال، ولا يضيفون أي معلومة درامية؛ مثل أب يسأل أمًّا عن ابنتها، أو أم تتصل بصديقة لابنتها، أو أخ يرفض أن يأكل لأنه غير مطمئن على شقيقه، ثم نشاهد رغدة وهى لا تزال تلعب القمار أو تشرب الخمر.

لم ينجح المخرج في توجيه أبطاله الجدد، وكان أغلبهم يبدو متلعثما في الأداء.. ليس المقصود بالتلعثم المعنى الحرفي للكلمة في أداء الكلمات، ولكن في الإحساس والتعبير اللفظي والحركي بها.. بعضهم يبدو وكأنه يحفظ الحوار.. شهد الفيلم عودة لرغدة بعد غياب عن السينما، ولكن الدور لم يسمح بأي إضافة، فلا تزال رغدة غائبة.. المخرج لم يستطع أن يقدم لنا حالة إبداعية، والسيناريو كان بطيئا يبدو فيه الكاتبان وكأنهما بحاجة إلى الاستزادة أكثر في تعلم حرفية الدراما. إنه فيلم عجوز في بنائه الفني على الرغم من أن أبطاله من الشباب، بل إن بعضهم يقف لأول مرة أمام الكاميرا، إلا أن كل ذلك لم يشفع لنا ونحن نرى أمامنا فيلما ينتمي إلى زمن فات ولا يمكن أن يصمد لو استدعيت من الذاكرة أي فيلم سابق عالج مشكلات الشباب وليس فقط «إحنا التلامذة».

الفيلم الثاني هو «إذاعة حب» للمخرج أحمد سمير فراج، على العكس تماما، يبدو أنه، ظاهريا، فيلم عصري يرتدي «كاجوال» ويتخلله الحوار الذي دأبنا على أن نصفه هذه الأيام بالروش، فهو يأخذ من لغة الشباب ويقدمها في مفردات الفيلم مثل «نفض وأحلق» و«كبر الدماغ» و«مزة» وغيرها من مفردات قاموس الروشنة!! فيلم «إذاعة حب» تأليف محمد ناير، وهو من الكتاب الجدد، وقد وضع يده على قضية بها الكثير من روح الشباب، خاصة أنها ابنة هذا الزمن، وهى تلك الإذاعات الجديدة التي أطلقنا عليها «شبابية»، وهى منتشرة الآن في مصر والعديد من الدول العربية. ولهذا، فإن المكان الرئيسي الذي تجري فيه الأحداث هو إذاعة خاصة اسمها «إذاعة حب»، وتلعب هذه الإذاعات في جانب كبير منها على عواطف المستمعين. واستطاع مثلا المذيع المصري أسامة منير الذي يعمل في واحدة من تلك الإذاعات أن يحقق قدرا كبيرا من الشهرة حتى إنه شارك بشخصيته في بطولة عدد من الأفلام التي تستند إلى أنه تخصص في تلك الإجابات التي يقدمها وينصح فيها الحبيبين بكلمات متكررة وكأنها من المحفوظات العامة عن التضحية والوفاء والرومانسية.. حرص المخرج على أن يلعب دوره بأسلوب ساخر ممثل جديد ليبدو للناس أنه ليس له علاقة بكل هذه المعاني التي يرددها في برنامجه بلا إحساس.. على الجانب الآخر، هناك ممثلي «الدوبلاج» في هذه المحطة الذين يقدمون بأصواتهم أعمالا فنية أجنبية أو كارتونية أو يقدمون مسرحيات عالمية وبينهم الأبطال المشاركون في الفيلم: شريف سلامة وإدوارد ومنى هلا، وهناك جريدة متخصصة في العلاقات الاجتماعية تديرها انتصار تعمل بها منة شلبي ويسرا اللوزي.. و«منة» تعيش مأساة أنها لم تتحقق عاطفيا، وعبر المخرج عن ذلك بأسلوب تقليدي؛ حيث إنها ترتدي نظارة وترتدي ملابس تنتمي إلى ذوق قديم، ولا تستطيع أن تقيم علاقات عاطفية مع أحد. بينما شريف على الجانب الآخر يعيش تلك المأساة نفسها التي تجعله غير قادر على إقامة علاقة عاطفية ناجحة.. ومثل كل الأفلام القديمة، فإن لكل بطل صديقا ينصحه بما ينبغي أن يفعله، وهكذا إدوارد ينصح شريف، ويسرا اللوزي تنصح منة. ولا يعمق السيناريو الشخصيات التي يقدمها؛ إنه يرسمها أحادية التكوين: خط واحد فقط، حتى عندما قرر أن يبحث عن جذور العلاقة بين انتحال ممثل «الدوبلاج» الصوتي للشخصيات التي يؤديها، لم يملك أي رؤية درامية أو نفسية ليضعها في السيناريو. وفى النهاية، وكعادة أفلام هذه الأيام، لم يجد شيئا يقدمه للجمهور قبل تترات النهاية سوى أغنية في الختام. بينما لعبت الممثلة انتصار على «إيفيه» المفروض أنه كوميدي، ولكن الحقيقة أن به قدرا كبيرا من التجاوز الأخلاقي والفجاجة، ولا أدرى كيف سمحت به الرقابة، كما أنني لا أتصوره يحقق أي إمكانية للضحك. لم يجد المخرج أي أدوار للأبطال المشاركين، وكل منهم كان يبدو وكأنه يضيف الحوار من عنده.. وهكذا مثلا كانت منى هلا تقف في المشهد صامتة لا تدرى ماذا تقول، بينما إدوارد يستطيع أن يخترع كلمة أو موقفا ضاحكا.. كل شيء كان يخضع للمجهود الخاص داخل الفيلم، وكان المخرج يطبق مقولة: «التمثيل مسؤولية كل ممثل».. منة شلبي لا شك أنها فنانة موهوبة، إلا أن تلك الموهبة بحاجة إلى عمل فني ومخرج يوجه، وهذا لا يتوفر في المخرج أحمد سمير فرج الذي حاول أن يقدم جوا عاما للفيلم بتقطيع فني للقطات به إيقاع عصري، ولكن افتقد الرؤية الإبداعية الخاصة.. وهكذا يمر زمن الفيلم وتحاول أن تتذكر شيئا فلا تجد موقفا أو مشهدا يعلق بالذاكرة، حتى شريف سلامة، وهو يعتبر مشروعا لنجم جديد يدخل إلى الساحة، فإنه بعد عرض الفيلم لا يزال مشروع نجم لم يتحقق في انتظار فرصة مقبلة.. ليست هذه «سينما الشباب» التي ننتظرها، إنها أفلام عجوزة كسيحة الخيال!!