2013/05/29

أم الشهيد .. مشاهد درامية تفوقت عليها المشاهد الواقعية
أم الشهيد .. مشاهد درامية تفوقت عليها المشاهد الواقعية


محمد قاسم الخليل – الثورة

الشهادة أرقى القيم وأرفع الذمم، وكذلك أم الشهيد أرقى الأمهات وأكرم ها من أم ربت أبناءها على حب الوطن ، ودفعتهم إلى التضحية والفداء في سبيله .

وقد قدمت الدراما السينمائية والتلفزيونية عدة أعمال عن الشهادة والشهداء ، وقدمت جانبا من تضحياتهم في سبيل الوطن وكانت هذه الأعمال تصنع في المناسبات الوطنية . ونلاحظ أن الدراما السينمائية والتلفزيونية لم تلامس شخصية أم الشهيد إلا في مشاهد معدودة ، ولم تقرأ تلك النفس الكبيرة القراءة التي تستحقها‏ .‏

فعلى مدى تاريخها الطويل لم تظهر أم الشهيد ،كما لم يخص الدراميون أم الشهيد بعمل قائم بذاته يحكي عواطفها ودواخلها وموقفها مما آل إليه فلذة كبدها ،وكيفية استقبالها لخبر استشهاده ونيله هذا الشرف العظيم،ولم يظهر عمل تكون فيه أم الشهيد محور الأحداث و صانعتها،مع أنها في الحقيقة والواقع الأم المثالية والقدوة.‏

وتستحق الأعمال القليلة التي أظهرت أم الشهيد أن نستعيدها من الذاكرة ،علها تكون محرضة على دراما تستفز المؤلفين والمخرجين على صنع أعمال درامية تعطي لأم الشهيد بعض ما تستحقه من لفتة درامية ،وإن كانت الدراما لا ترقى إلى دموع أم شهيد تظهر في المشاهد الإخبارية مهما حاولت الاقتراب من الواقع .‏

ويعود سبب عدم منح الأم شخصيات رئيسية هو تغليب الرؤية التجارية في صناعة الدراما التلفزيونية والأفلام في القطاعين العام والخاص ،بدعوى أن مثل هذه الشخصيات غير مناسبة للعرض الجماهيري ،وهو ظن في غير محله بدليل نجاح عشرات الأفلام العالمية التي كانت الأم فيها شخصية أولى ويكفي أن نذكر منها (الأم) للكاتب الكبير مكسيم غوركي.‏

عندما نبشت في الذاكرة، لم أجد سوى عمل واحد صنع بشكل خاص عن أم الشهيد ،وكانت هي المحور للعمل وركيزته الدرامية،وهو فيلم (فداك يا فلسطين) إخراج الراحل أنطون ريمي عام 1970 ، وهو مقتبس عن مسرحية ( بنادق الأم كارارا ) لبريخت ، والتي سبق أن قدمت على خشبة المسرح القومي بدمشق عام 1967 بعنوان(بنادق الأم أمينة) بتوقيع رفيق الصبان.‏

يحكي فيلم (فداك يا فلسطين) عن عائلة تعيش في مخيم للاجئين الفلسطينيين ،وفي أول مشهد من الفيلم تطل أم محمود التي تعيش مع أبنائها محمود ويوسف وطارق تحت الاحتلال الإسرائيلي ويقررون استمرار حياتهم بلا مشاكل، وعندما يقتل الإسرائيليون أحد الأبناء أمام عيني أمه، تنتزع الأم الخوف من قلبها ،وتشجع أولادها على متابعة النضال ضد الاحتلال الإسرائيلي.‏

وقد جسدت الفنانة الكبيرة (سناء جميل) شخصية أم محمود ،والتي أدت فيما بعد شخصية سمية أول شهيدة في الإسلام في فيلم (الرسالة) للعقاد.‏

العمل الثاني الذي يذكر في هذه المناسبة مسلسل (الخنساء) بأداء الفنانة منى واصف ،وفيه جزء من العمل مكرس لإظهار نفسية الأم وهي تدفع أولادها للمعارك ،وبعد استشهادهم جميعاً قالت الحمد لله الذي شرفني بقتلهم ،وكانت من قبل ملأت الدنيا شعرا بعد مقتل أخيها صخر. وقد ارتقت منى واصف بالشخصية إلى تجسيد الحالة المفعمة بالمشاعر الفياضة ،من خلال أداء يظهر موقف الأم الشجاعة وهي في أواخر العمر ،وبدلا من أن تنهار وتستسلم كما هي الحالة الغالبة على الأم في هذه السن،تدفع أولادها الواحد تلو الآخر للقتال، وكانت تحمل المسلسل على عاتقها باعتباره من مسلسلات السيرة الذاتية.‏

ومرة أخرى نقول إن الواقع أكثر إثارة للمشاعر الإنسانية من الدراما ،حيث شاهدنا كثيرا من الأمهات السوريات وهن يعلن أن الشهداء من أولادهن هم فداء للوطن. وتحضرنا من مشاهد أمهات الشهداء في الدراما مشهد أم نصار في آخر مشهد من مسلسل (الخوالي) بأداء الفنانة هالة شوكت ، حيث تقف مع جملة من النساء وهي تودع ولدها الشهيد . ومن المشاهد النادرة المفعمة بالمشاعر الجياشة التي تكرس قيمة الشهادة عند الأم نستذكر مشهدا أدته الفنانة نجاح حفيظ في مسلسل (بسمة الحزن) تأليف الفت الادلبي وإخراج لطفي لطفي. فعندما تتكاثر الهموم على الأم بسبب تصرفات أولادها الطائشة تذرف الدموع وعندما يحاولن معرفة سبب بكائها تقول إنها تذكرت ابنها البار وأن الشهادة كانت من نصيبه وليس من نصيب الأخوين اللذين شذا عن أخلاقية المجتمع والتربية السليمة.‏

ويرسم عبد اللطيف عبد الحميد صورة جميلة لأم الشهيد الحنون في فيلم (ليالي ابن آوى) حيث يلتحق أحد أولادها في الجيش السوري، ويشارك في صد العدوان الإسرائيلي ،ويستشهد في المعركة، وعندما تكثر مشكلات أولادها تنهار لتخبرهم أنها تذكرت ابنها الشهيد . وتحضرنا بهذه المناسبة أيضا تمثيلية (العريـس) 1975 تأليف خالد حمدي وإخراج شكيب غنام ويدور محور الحكاية حول شاب يستعد لحفل الزفاف،وفي هذه الأثناء يدعوه الواجب الوطني فيلبي النداء ، ويستشهد في المعركة . وهنا نشاهد تشوق الأم لمعرفة مصير ابنها ونرى كيف ترتسم على وجهها مشاعر الألم والصبر ولا سيما عندما يصر والد الشهيد على إقامة حفل شبيه بحفل الزفاف وسط الدموع ،وأن يفرح أهله وجيرانه بهذا الاستشهاد وتقام الحفلة في أجواء تلهب المشاعر وتؤكد أهمية الشهادة في سبيل الوطن وقيمتها ومعانيها الكبيرة .‏

وتتشابه بعض خيوط تمثيلية (العريس) مع تمثيلية بعنوان (شجرة الورد) تأليف وإخراج محمد الطيب عام 1981، حيث شاب في مقتبل العمر يعنى بشجرة الورد الجوري ،وعندما تقوم المعركة يذهب للدفاع عن الوطن ويستشهد في المعركة،وكانت المسألة الأهم كيف استقبلت أم الشهيد نبأ استشهاد ابنها ،حيث استقبل الأبوان الخبر استقبال الصابر الناذر أولاده فداء للوطن .‏