2012/07/04

أنجلينا جولي: "بلاد الدم والعسل" جعلني مخرجة
أنجلينا جولي: "بلاد الدم والعسل" جعلني مخرجة


محمد هاني عطوي – دار الخليج


قبل فترة وجيزة تسلمت النجمة الأمريكية الشهيرة أنجلينا جولي من المرشح المنسحب من انتخابات الرئاسة المصرية محمد البرادعي جائزة “الأفضل قيمة” عن فيلمها “في بلاد الدم والعسل” الذي تدور أحداثه في فترة الحرب التي شنتها صربيا ضد البوسنة والهرسك . وسعت جولي إلى عمل هذا الفيلم بلغة أهل البلاد نفسها مع ممثلين غير معروفين بالنسبة للمشاهدين، كما تولت بنفسها التأليف والإخراج .

أرادت أنجلينا جولي أن لا تدع تاريخ هذه الأزمة الدامية أن تذهب سدى وأن يضمد التاريخ جراحه بصمت مطبق، وقد تحدثت عن هذه التجربة المهمة لمجلة “برومبير” في هذا الحوار:

ما الذي دفعك إلى مقاربة موضوع الحرب في يوغسلافيا السابقة؟

- كان عمري 17 سنة عندما اشتعلت الحرب في العام ،1992 وعندما ذهبت إلى تلك المنطقة قبل سنوات عدة شعرت بالخجل عندما أيقنت أنني لم أعلم إلا النزر اليسير عن تلك الحرب الدامية وما دار على الأرض من فظائع . وعندما بدأت أبحث عن الوثائق وأدقق في المعلومات تعلمت أشياء جديدة كنت أجهلها بالفعل، لا سيما موضوع الجمود من قبل البلدان الأخرى التي رفضت لفترة طويلة التدخل لإيقاف المواجهات الدامية هناك، الأمر الذي جعلني أصاب بالصدمة، ولقد حاولت أن أعمل في هذا الفيلم بطريقة تجعل المشاهد لا يحس في أي لحظة من اللحظات أنها تدور في الحرب العالمية الثانية نظراً لفظاعتها، بل عملت مع الفريق على التركيز على الألوان والملابس والموسيقا لأذكر الناس الذين يشاهدون الفيلم أن أحداث البوسنة والهرسك هي حديثة وليست من الحرب العالمية الثانية .

هل كانت الرغبة لهذا العمل من منطلق التذكير وإعادة سرد القصة أم من الرغبة في خوض تجربة الإخراج؟

- لم أشعر مطلقاً من قبل أنني أود دخول تجربة الإخراج، وفي المقام الأول كان الهم المسيطر على فكرتي هو كتابة السيناريو وكان ذلك بمثابة الواجب، خاصة بعد أن أيقنت مدى جهلي في هذا الموضوع . وعندما انتهيت من كتابة السيناريو عرضته على زوجي براد الذي أحبه وشجعني على المضي قدماً فيه، حيث قمنا بإرساله إلى أشخاص عدة عاشوا هذه التجربة، لكن دون اقحام لاسمي في السيناريو . وكنت عازمة على إلقاء السيناريو في سلة المهملات لو أحسست أن أحدهم شكك ولو قليلاً في المضمون . والحقيقة أن بعضهم كان لديه بعض الملاحظات الواجب عملها لكن كانت ردود فعلهم جميعاً ايجابية جداً . في هذه اللحظة، بدأنا نلاحظ أننا ربما لن نحصل أبداً على التمويل المطلوب لصناعة هذا الفيلم الأمر الذي جعلني المخرجة بحكم الأمر الواقع . لا شك أنني لم أكن مؤهلة تماماً لخوض هذه التجربة من الناحية التقنية، لكنني كنت أعلم أنني سأبذل كل ما بوسعي من خلال ما أملك من معلومات ومعارف واحترام وتقدير من الآخرين، والحق أقول إنني لم أزل حتى الساعة عاجزة عن إدراك أنني قمت بإخراج هذا الفيلم .

لا شك أنك اتصلت بكبار المخرجين السينمائيين من أجل التزود ببعض الأفكار أليس كذلك؟

- بكل تأكيد لاسيما المخرج مكائيل وينتربوتوم الذي صور معه فيلم “قلب لا يقهر” في العام ،7002 وهذا المخرج يصور كثيراً والكاميرا على كتفه ويعرف كيف يخلق جواً حول الممثلين يجعلهم ينسون تماماً وجود الكاميرا، وهذا ما نسميه بواقعية المشهد، وهو ما حاولت بنفسي تطبيقه في الفيلم . أما في ما يتعلق بالعمل مع الفريق، فالفضل يعود لكلينت إستوود الذي علمني الكثير في هذا المجال، بمعنى أنه يتوجب عليّ البقاء مع فريق العمل على الأرض وكأنني واحدة منهم، وأن لا أكتفي بالجلوس في الخيمة أو الكاميرا وألقي بالتعليمات لهذا وذاك، كما علمني أن أحدد ما يتوجب عليَّ فعله خلال وقت محدد كي لا يضيع الوقت هباءً، فتحديد الهدف والوقت أمر مهم لإنجاز العمل على أكمل وجه .

قبل التصوير انتشرت بعض الأقاويل عن مضمون السيناريو الذي يصور أو يسرد حكاية مسجونة بوسنية وقعت في حب صربي كان قد اغتصبها، الأمر الذي أدى إلى الرجوع عن الإذن الذي منح لك من السلطات من أجل التصوير في البوسنة والهرسك فهل أدى هذا الجدل إلى التأثير فيك على الصعيد النفسي؟

- الواقع أن العلم بما عاناه هؤلاء هو أمر لا يمكن تجاهله وأنا أتفهم جيداً رد فعل الناس وما يصدر عنهم من أقاويل وانتقادات، ولكن عندما تعمل ليلاً ونهاراً على موضوع مثل هذا من أجل ألا ينسى أحد ما حدث لهذا الشعب، فإنك بالضرورة ستشعر بالألم عندما تعلم أن هذا الشعب نفسه هو الذي يشكك بنيتك، وقبل فترة عرضنا الفيلم على نساء بوسنيات أجمعن كلهن على مساندة العمل وإن أفضل انتقاد في العالم لا يصل أبداً إلى أدنى مستوى من الألم الذي أحسست به عندما استمعت إلى ردود أفعال الأشخاص الذين انتقدوا العمل .

هل أنت راضية عن النتيجة وهل تنوين إعادة تجربة الإخراج مرة أخرى؟

- هذا الفيلم هو الذي كنت أحلم حقاً في تصويره، وهو الذي دفعني إلى خوض تجربة الإخراج، ولكن إن وجدت يوماً ما قصة تؤثر بي وتستحق بالفعل المجازفة مثلما حدث مع هذه التجربة، فإنني ربما سأعاود التجربة ولكن حقاً لا أشعر بالحاجة الماسة إلى إعادتها .

كيف تعيشين هذا الفارق السريالي تقريباً بين مهمات العمل الإنساني الذي تقومين به والهستيريا التي تحدثيها في الصحافة الشعبية؟



- الواقع أنني لا ألقي بالاً لهذا الأمر، لكن من ناحية ثانية ثمة أماكن لا تجد فيها “الباباراتزي” وهو أمر غريب حقاً حيث لا نجد أحد منهم يأتي مثلاً ليلتقط لك صوراً أمام منزل مليء بالألغام في كمبوديا، لكن ما أن تكون مستلقياً على البحر أو تقضي إجازة مع أسرتك حتى تجدهم يطلون برؤوسهم كالسناجب، وهذا يعني أنك كلما كنت تتصرف بعبث أو لنقل بحرية شخصية في حياتك تجد البابارازي يلاحقونك من أجل سبق صحافي على الصفحات الأولى للمجلات أو الصحف التي تنشر الفضائح . وأعتقد أن الجانب الايجابي في هذا العمل الجديد أن عدداً كبيراً من المشاهدين سمعوا عنه بفضل الأوساط الاعلامية التي ربما لا يكف بعضها في الحديث عني، ما يعني أن لكل شيء جانب سلبي وآخر ايجابي .

كيف تفعلين من أجل ترتيب مسألة الأمن أثناء رحلاتك؟

- الحقيقة لا أكترث كثيراً للأمر فأنا عادة أقوم بالبعثات الإنسانية من أجل الآخرين، وعليَّ تحمل كافة المشقات وكثيراً ما وقعت في مأزق كانت تهدد حياتي، كما حدث في سيراليون ذات مرة خلال الحرب، حيث كان يتوجب عليَّ تأمين مئات الأشخاص داخل ملاجئ في المخيم بمساعدة سيدة كانت برفقتي، ولم نستطع حينها تنفيذ هذا الأمر إلا عند هبوط الظلام ولقد وجدت نفسي في هذه المرة وجهاً لوجه مع مسلح يشهر سلاحه في وجهي وكان يوشك على أن ينزلني من الشاحنة ليطلق عليًّ الرصاص لولا تدخل الرجال الذين كانوا برفقتنا من الذين كنا نسعى إلى حمايتهم! وفي مرة أخرى أصبت فعلاً بالرعب عندما وجدت نفسي محاصرة في مبنى للأمم المتحدة مع عشرات الرجال الذين حاولوا خلع الباب صارخين “نعلم أنها هنا ونريد جواز سفرها لنمزقه” . ومنذ فترة وجيزة ذهبت إلى أفغانستان وقلت لبراد زوجي عن هذا الأمر لأنه كان شديد القلق، لكن كل الأمور سارت على ما يرام وأرجوا أن لا يقرأ هذه المقابلة، لأنني لم أخبره بكل ما حصل معي من أحداث ومفاجآت، فعندما وصلت إلى أفغانستان وعند نزولي من الطائرة، فوجئت بأحد الجنود يدعوني لإجراء مساءلة بسيطة قائلاً لي إنهم يعلمون أنك هنا ولقد ساعدت أشخاصاً للهروب من هنا كما أنك أمريكية وامرأة وأنت أحد الأهداف المفضلة لديهم!

ولقد قدم لنا الجنود خوذات وسترات واقية من الرصاص وأخذوا عينة من دمي ثم تركوني أقضي يوماً جميلاً مع الناس هناك في إحدى القرى حيث بدأنا ببناء مدرسة وانتهى أشغال البناء منذ فترة وجيزة وهي جاهزة للعمل .

هل أنت قادرة على القتل من أجل الدفاع عن نفسك؟

- أعتقد ذلك، لاسيما إذا تعلق الأمر بحياة زوجي وأولادي.