2012/07/04

ماهر منصور - السفير   بدا المخرج نجدت اسماعيل أنزور كبطل هارب من روايات غابرييل غارسيا ماركيز التي عرفت بالواقعية الخيالية في حديثه مع «السفير». فللمخرج طموحات سينمائية وأحلام كبيرة يسعى إلى تحقيقها، وبعد أن يفعل «لن أفكر بالعودة إلى الدراما التلفزيونية أبداً»!.
ليس التلفزيون قدراً يصر أنزور، لافتاً إلى أنه «ربما طال مكوثنا في العمل التلفزيوني بسبب ظروفنا الصعبة» و«السينما التي أطمح إليها لا تتوافر شروطها الانتاجية في العالم العربي». وإن كان الرجل قد أدرك أن مسلسله «نهاية رجل شجاع» قد شكل في مطلع تسعينيات القرن الفائت فاصلة في الفن التلفزيوني الدرامي ولا سيما على صعيد الصورة، فإنه يشير اليوم إلى أن «ثمة منعطفا مقبلا للفن السابع» سيتحقق مع أفلامه، «لا على مستوى الوطن العربي كما حدث في الدراما وإنما على مستوى العالم».
سرعان ما يطيح نجدت أنزور بكل ما يمكن أن تعتبره كمستمع لتصريحاته بأنه خيالي وحالم. يصر على واقعية طرحه، ويعرض لـ «السفير» في مكتبه في دمشق ما أنجز من فيلمه «الظلم - سنوات العذاب»، أي أربع عشرة دقيقة فقط. يعرض الدقائق هذه تاركاً المجال لنا «للتعرّف إلى المستوى السينمائي الذي كنت أطمح إليه..».
يبدو واضحاً ان الفيلم تجربة سينمائية عالمية لم تكتمل (لأسباب سياسية تتعلق بالعلاقات الليبية – الإيطالية). فالفيلم يتناول معاناة الشعب الليبي جراء الاحتلال الإيطالي لليبيا. ويعرض الجزء الذي تابعناه وتم تصويره في جزيرة تريمتي في ايطاليا كيفية معاملة الأسرى الليبيين من قبل قوات الاحتلال الإيطالي، وكيفية إجبارهم على تنفيذ أعمال شاقة طوال النهار سيدفع كل من يتخاذل عن تأديتها عمره ثمناً. في الدقائق المنجزة من الفيلم، يطالعنا أنزور بتفاصيل أخرى عن كيفية معاملة الأسرى الجدد من اللحظة التي تطأ فيها أقدامهم الجزيرة - المعتقل، ثم كيفية لم شمل الأسرى القدامى والجدد معاً، حيث سيجمع المعتقل الإيطالي ما فرقه الاحتلال بين الليبيين، فيلتقي ابناء العم في المعتقل بعيداً عن الوطن، وذاك الذي لم يعثر على قريبه بين الوافيدن كان يكفيه في فيلم انزور أن يعانق أياً من الأسرى الجدد ليشتمّ رائحة بلاده.
في الدقائق الأربع عشرة، تنتقل كاميرا أنزور سريعاً من الجو إلى أعماق البحر، ومن الفضاء الواسع لمقلع تكسير الحجر (وسيلة التعذيب)، إلى الفضاء الموحش للمعتقل لتلتقط إحساس قاطنيه. ثمة كابوس يقلق مضجع بطل الفيلم (أسير ليبي): يد تخرج من قاع البحر لتشد القدمين المقيدتين إليها. ثمة موت يتمشى بين الأسرى ليختار ضحيته الليلة، وثمة خوف ووجع وحنين. وكل ذلك يلتقطه المخرج أنزور بقليل من الكلمات والكثير من حركة الكاميرا.
بدت الدقائق الأربع عشرة هذه المرة متقدمة على الكثير مما قدمته السينما العربية من قبل، وليس مبالغة القول ان الصورة الناطقة بالعربية والتي حملت توقيع المخرج نجدت أنزور العربي السوري عليها، من شأنها أن تطيح بأي تصور مسبق عن ضعف قدرتنا على مقارعة أبرز الانتاجات العالمية.