2012/07/04

أيام الشارقة المسرحية..الانعتاق من خصوصية محلية الى أبعاد مسرحية عربية
أيام الشارقة المسرحية..الانعتاق من خصوصية محلية الى أبعاد مسرحية عربية

سعاد زاهر - الثورة

المهرجانات المسرحية ليست مجرد فرصة لرؤية عروض تأخذك في عوالمها المسرحية بعيدا عن كل ماهو واقعي...وتنقلك في فسحة ابداعية بتنا نحتاجها اكثر من اي وقت مضى..هو فرصة لمزيد من الاطلاع على تجارب قد لاتتاح لك الا من خلال أمثال هذه المهرجانات...

أيام الشارقة المسرحية التي تختار عروضها من خلال لجنة من مختلف دول الامارات العربية قدمت لنا عبر اسبوعين فكرة موسعة عن طبيعة هذا المسرح واتجاهاته الفنية وما الذي يحرك مخرجيه وكتابه...‏

العروض..نصوص محلية برؤى إنسانية‏

فضاءات العروض والسينوغرافيا التي يلعب بها أبطال العرض أدوارهم في غالبية العروض كانت تبدو تقدم رؤاها ضمن حالة بصرية متقدمة الى حد كبير عن جوانب العرض الاخرى.. لأن مخرجيها تمكنوا من ادارات عروضهم بحنكة بصرية....‏

عروض عديدة مثل حرب الرهان، قرموشة، السلوقي، (حرب النعل) لفرقة مسرح الشارقة الوطني والذي فاز بجائزة أفضل عرض مسرحي...‏

عرض الرهان لفرقة مسرح جمعية حتا للثقافة... فاز ممثله العراقي محمود أبو العباس بجائزة التمثيل في الملتقى.. فقد قدم دوره باتقان يجعلك تتماهى معه في مختلف الحالات المسرحية التي حفل بها العرض... رهانه ربما كان معتمدا على ذاكرة حية تماهت مع دوره المسرحي الذي يجسد فيه دور المقاوم في وجه الاحتلال بكل صيغه ومؤامراته التي يحاول فيها ان يتغلغل حتى بين الاخوة.. ركز العرض على هذا البعد ليرينا كيف فرق بين الاخوين منذ البداية بوسائل دنيئة لايمكن كشفها مباشرة لأنه يصيغها معتمدا على وسائل خبيثة...‏

مسرحية قرموشة للكاتب عبد الله صالح والمخرج أحمد الانصاري والتي قدمتها لنا فرقة مسرح دبي الاهلي.. العرض يركز على الحنين للماضي، لقيمه لحميميته عبر أداء تمثيلي برزت فيه بدرية أحمد لتتمكن من انتزاع جائزة التمثيل في الملتقى...‏

عرض السلوقي الذي يتكئ على رواية للكاتب الروسي ميخائيل بولفاكوف...يقدمه المخرج حسن رجب شريكا مع الكاتب اسماعيل عبد الله...عبر عرض حاز في المرة الاولى التي قدم فيها في قطر على جائزة أفضل عرض متكامل ومجموعة أخرى من الجوائز..‏

الندوات...المسرح العربي بين عقدين‏

ندوات الملتقى تركزت في شكلين الاول: من خلال الملتقى الفكري..‏

والثاني من خلال ندوات يومية كانت تقام مباشرة بعد العرض..وفيه يتم تناول العرض بالنقاش والتحليل.الامر الذي يهيئ لنقاش مسرحي غني... يضيف لحالة العرض حين يوضح آلية التلقي..‏

بالنسبة للملتقى الفكري فقد شارك فيه مسرحيون من مختلف الوطن العربي وقدم كل نصه من منطلقات مختلفة، بحيث تكاملت الرؤى لتقدم بانوراما عن حال المسرح العربي خلال عقدين من الزمن ومن أبرز المداخلات تلك التي قدمها من سورية ابراهيم حاج عبدي وفيها ركز عبدي على تطوير الادوات لدى المسرحيين السوريين بما يتناسب مع ايقاع الحداثة الجديد ومتطلباته..‏

ليبين أن المتابع للحركة المسرحية في سورية خلال العقد الاخير يلاحظ بروز تجارب جديدة ضمن اطار التجريبي يسعى الى تكريس مفاهيم جديدة لشروط التلقي المسرحي بغرض إحداث نوع من الانقلاب في المفهوم التقليدي الراسخ للمسرح، منها هيمنة المخرج من خلال مايمكن تسميته مسرح الصورة عبر إهمال المخرج للنص والارشادات الاخراجية والحوار والتركيز على الحالة المسرحية والظروف المحيطة بالفرد والمجتمع معا..ويرى عبدي أن هذه التجارب الجدية رمت حجرا في بحيرة المسرح ودوره ووظيفته وحرصت على عدم الالتزام بكل مايقيد التجربة من الانطلاق نحو آفاق مجهولة...‏

ومن الاردن قدم جمال عياد حالة الحراك المسرحي في الاردن ليبين أن المسرح في الاردن انما هو جزء عضوي من الحراك المسرحي في الاقطار العربية لاينفصل عنه بأي حال،بل يتطور معه او ينتكس جدليا بحسب ايقاعاتهما والحالة الثقافية المتبلورة والمشتركة فيما بينهما. ومرد ذلك كما يذكر عياد الى ان صانعي المسرح في الاردن هم من خريجي العواصم العربية..غير أنه يرى أن الاهم هنا هو العامل الفكري، اذ لاتزال عوامل التقارب في الفضاء الاجتماعي بين الشرائح الكبرى في الاقطار العربية تحضر بقوة أكبر من عوامل التباعد..‏

ومن المغرب تحدثت الدكتورة نوال بنبراهيم متناولة الابداع المسرحي العربي المعاصر-واقع الممارسة وأفق الانتظار..لتتحدث عن التراكم الكمي والنوعي الذي استوعب بعض التحولات البنيوية التي عرفها المجتمع المغربي، لتتكاثر الفرق التي وفرت امكانية تشغيل الكفاءات المسرحية مبينة أن المسرح المغربي راكم تجارب مختلفة خلقت خريطة تجنيسية تضمنت أنواعا مسرحية عديدة.. كان هاجس المشتغلين عليها اتقان أصول المسرح وتقنياته واستمرار المسرح المغربي ضمن المنظومة المسرحية العالمية..‏

عدا عن عبدي وعياد فقد تحدث مسرحيون من مصر د.سيد الامام ومن العراق ياسين النصير..‏

أنشطة أخرى‏

عدا عن العروض والتي تعتبر النشاط الرئيسي في الملتقى كنا مع تكريمات عديدة أقامتها اللجنة العليا لأيام الشارقة المسرحية منها تكريم الفنانة المصرية سميحة أيوب والمسرحي الاماراتي ناجي الحاي ومختلف الضيوف والاعلاميين الذين شاركوا في الملتقى..‏

النشرة اليومية التي حملت اسم (الأيام) كان لها اسهامات مميزة مع الضيوف من خلال مبادرات قام بها كل من (عائشة العاجل وأسامة مرة) من دائرة الثقافة والاعلام في الشارقة...من بين تلك المبادرات جعل العديد من الضيوف يكتبون حول انطباعات ذاتية او مقالات مسرحية الامر الذي أعطى تفاعلا مختلفا ما بين النشرة اليومية والضيوف...‏

لاشك أن المسرح يعاني ولاشك ان معاناته مستمرة ولكن أمثال هذه الملتقيات تفيدنا لأنها تطرح الاسئلة وتعيد طرحها مراراً وتجعلنا نعيد النظر في الارث المسرحي العربي وفي واقعه وتكشف لنا عن كم كبير من الاعمال المهمة التي بفضلها ستبقى شعلة المسرح مستمرة..‏