2013/06/26

أين اختفى دعاة الفضائيات؟
أين اختفى دعاة الفضائيات؟

صهيب عنجريني – السفير

لعب رجال الدين من جهة، والإعلام المرئي من جهة أخرى، أدواراً فاعلة في التطوّرات السياسيّة التي شهدتها البلدان العربيّة خلال السنتين الماضيتين. وشكّل تلاحم هذين العاملين عنصراً مساهماً بقوة في «توجيه الشارع»، في أكثر من بلد عربيّ. وكان الفضاء العربي شهد خلال العقد الماضي، حضوراً كبيراً لعدد من الدعاة الإسلاميين، على نحوٍ أسهم في تحويلهم إلى ظاهرة بارزة على الشاشات. وفي مقدّمة هؤلاء، تحوّل الداعية المصري عمرو خالد إلى نجم تلفزيوني، من خلال مجموعة من البرامج، بدأها العام 2001 ببرنامج «ونلقى الأحبّة» الذي عرضته حينها شبكة Art. واستمرّت الشبكة بعرض برامج خالد حتى العام 2006، ليتنقّل الداعية بعدها بين عدة فضائيات.

اشتهر خالد في تلك الحقبة بطرحه أنموذجاً مغايراً للنمط المعهود عن رجال الدعوة والدين الإسلامي، إن بالمظهر أو بطبيعة الخطاب الذي جاء معاصراً ومنفتحاً على الآخر، واستهدف بالدرجة الأولى شريحة الشباب. قدَّم مثلاً العام 2007 برنامج «دعوة للتعايش» الذي يدعو لـ«الحوار مع الآخر وتقبل واحترام ثقافته وفكره وإيجاد أرضية مشتركة من الألفة». وفي العام ذاته اختارته مجلة «تايم» الأميركية ضمن قائمتها السنوية للمئة شخصية الأكثر تأثيراً في العالم. واختارته لاحقاً مجلة «فورن بوليسي» واحداً من أشهر عشرين شخصية مثقفة مؤثرة عالمياً. كما اختارته مجلّة «نيوزويك» ضمن قائمة «الطبقة المتميّزة» العام 2008، وفي العام ذاته أكدت إحصائيات أن برنامجه «قصص القرآن» قد حظي بمتابعة تفوق مسلسلات يحيى الفخراني ونور الشريف ويسرا.

لم يكن عمرو خالد وحيداً في هذا المضمار، فقد فتحت الفضائيات العربية هواءها لدعاةٍ آخرين استهدفوا الشباب العربي، ومن هؤلاء طارق السويدان، الذي يدير قناة «الرسالة» منذ العام 2005. كان برنامج «علمتني الحياة» من أشهر البرامج التي قدمها السويدان، حيث تناول البرنامج عبر جزءين (2009 و2010) قضايا دينية واجتماعية، وبأسلوب معتدل، ومن تلك القضايا «العلم، الوسطية، الحوار، القراءة، السعادة...». لكنّ العام 2011 شهد انعطافة في توجهات السويدان، إذ عدل حينها عن تقديم جزء ثالث من برنامجه، وقدّم بدلاً منه برنامجاً بعنوان «رياح التغيير». أخذ البرنامج على عاتقه إطلاق مشروع حمّله اسم «مشروع التغيير الحضاري» ويهدف إلى «بلورة خطة استراتيجية عملية لإعادة الحضارة الإسلامية والخلافة الراشدة». وأتبعه العام 2012 ببرنامج ذهب نحو استحضار التاريخ الإسلامي، وحمل اسم «أسرار القيادة النبوية»، وهو يحضّر اليوم لإطلاق برنامج يستعرض التاريخ الإسلامي أيضاً وبعنوان «تاريخنا في الميزان».

ينتهج الداعية المصري عمرو خالد النهج ذاته في برنامجه الجديد «قصة الأندلس»، مستعيداً التاريخ الإسلامي للعام التالي على التوالي بعد برنامجه «عمر صانع حضارة» الذي عرضته قناة mbc العام الماضي.

المثير للانتباه اليوم وفي زمن «الربيع العربي»، أنّ الخطاب الإسلامي المعتدل يكاد يختفي من التداول عبر الشاشات العربية. وذلك على الرغم من أن السنوات الأخيرة شهدت ولادة عدد كبير من الفضائيات «الإسلامية»، علاوة على الإطلالات الدائمة لعدد من المشايخ عبر فضائيات عربية كبرى. يأتي ذلك بالتزامن مع بروز خطاب ديني تعبوي، متناسب مع تنامي مدّ ظاهرة الإسلام السياسي في المنطقة. ونتيجةً لذلك انخفضت نجومية الدعاة الوسطيين، وبات المتلقّي العربي على موعد دائم مع نجوم جدد رفعوا راية «الدعوة إلى الجهاد». ولعلّ الشيخ عدنان العرعور واحد من أشهرهم، وقد تحول بفضل الأزمة السورية إلى ظاهرة تلفزيونية بامتياز. لم يوفّر العرعور جهداً في استثمار مواقع التواصل الاجتماعي مثله في ذلك مثل معظم المشايخ الداعين إلى الجهاد. افتتح العرعور صفحته على تويتر بتاريخ 25 آذار العام 2011، وأتبعها بافتتاح صفحة على فايسبوك في 18 نيسان من العام نفسه. ومن تصريحاته الشهيرة تلك التي أطلقها عبر قناة «روتانا خليجية» وجاء فيها: «لو مات نصف الشعب في سبيل حرية سوريا لنعموا بالجنّة ونعم النصف الآخر بالحرية». ويتماهى ذلك الموقف مع التصريح الشهير للشيخ يوسف القرضاوي: «ولو مات نص الشعب السوري.. ومالو». الفارق الكبير بين نمط الخطاب الذي احتفت به الفضائيات العربية في الأيام الخوالي وبين النمط السائد اليوم، يجعل من سؤال «أين اختفى الدعاة» ضرورة ملحّة... وربما لا تحتاج الإجابة إلى جهد كبير.