2013/05/29

أيـــــن التـــاريـــخ الــــذي قــدمنـــــاه فــي الـــــدرامــــا الســــــورية..؟
أيـــــن التـــاريـــخ الــــذي قــدمنـــــاه فــي الـــــدرامــــا الســــــورية..؟


عمر محمد جمعة – البعث

قد يفهمُ البعض بأننا نحرف البوصلة قليلاً ونخلط المفاهيم ونعيد إنتاج الأسئلة ذاتها، حين ندعو إلى مراجعةٍ وقراءةٍ مسؤولةٍ وجديةٍ للمسلسلات السورية وصورة التاريخ وشخصياته ورموزه وأحداثه التي قدّمتها الدراما خلال العقدين الماضيين، ولاسيما أن كثيراً من تلك الأعمال رافقتها أثناء الإعداد وبعد العرض موجة من الاعتراضات والتشكيك والاتهام بتسطيح التاريخ وتشويهه والإساءة لرموزه وشخصياته، وبالتأكيد لن نعيد التذكير بما عانته مثلاً مسلسلات "نزار قباني- تيم حسن" و"في حضرة الغياب- فراس إبراهيم" و"أسمهان- سلاف فواخرجي" أو الحملة المحمومة التي تعرّض لها الكاتب الراحل ممدوح عدوان بعد انتهاء عرض "الزير سالم"، غير أن ثمّة الآن ما يستدعي حقاً وبعد مضي هذه السنوات أن نقف بتأمل عند تلك الأعمال والاعتراضات، والرفض أو حتى القبول اللذين واجهتهما، وعلى أي شيء بنى كلا الفريقين أحكامه وقناعاته، خصوصاً وأن لا مسلّمات في التاريخ المدوّن أو المنقول شفاهية، فكيف بالدراما الفن الذي يجنح في مكوّنه الأساسي "الحكاية" إلى الخيال والافتراض أكثر من الحقيقة؟!.

> لقد نجحت الدراما السورية –كما نزعم- ورغم الصعوبات والهوامش الشائكة الكثيرة، في مقاربة التاريخ بمستوياته المختلفة المعاصرة والمغرقة في القدم، واستثمار أحداثه وتحوّلاته، واستعادة شخصياته التي لم تبدأ مع أبطال حكايات "ألف ليلة وليلة- شهرزاد وشهريار"، أو "صلاح الدين" و"ملوك الطوائف" و"صقر قريش" ولن تنتهي عند "عمر" و"رابعة العدوية" و"أبو خليل القباني" و"جبران خليل جبران" و"محمود درويش" وسواهم، غير أن السؤال الذي يفرض نفسه إزاء ما نشهده من سعار نحو رموز وشخصيات شاهدنا بعضها على الشاشة الصغيرة: هل تحقّق كتّاب ومخرجو ومنتجو مثل هذه الأعمال من نتائج ما قدّموه، وبحثوا في المنعكسات السلبية والإيجابية، ورصدوا استجابة المتلقي أو المشاهد لها وأثرها في وعيه، وهل وصلت باعتقادهم الرسالة التي يودون إبلاغها من خلال استعادة هذا التاريخ أو تلك الشخصيات والرموز؟!.

ندرك أن ليس من مهمات الدراما وحدها إضفاء أو نزع القداسة عن هارون الرشيد والحجاج بن يوسف الثقفي مثلاً، أو تبرئة فاتك بن أبي جهل الأسدي من دم المتنبي، أو دحض اتهام أبي العلاء المعري بالزندقة والكفر، أو تصنيف الناس بين لاحق بفلسفة ابن رشد وآخر مولع بفلسفة الغزالي، غير أن الثوابت والاستنتاجات تقول اليوم إن الدراما التاريخية، وقد غدا صنّاعها مؤرخين بالصورة، يجب أن ترتقي بالوعي والوجدان الإنساني وتهذّبه، ذلك أنها تؤدي في وقتنا الراهن الدور الأكثر خطورة وتأثيراً في تشكيل هذا الوعي، حتى لتكاد تطغى على مصادر وكتابات المؤرخين والباحثين المطوية أصلاً في خضم هذا المجتمع الاستهلاكي المعطوب بالمعلومة السريعة والذهنية الخاملة والكسل المهيمن على مجمل الأرواح.

كما ندرك أن ليس بمقدورنا أن نطلب من صنّاع الدراما أن يكفوا اليد التي قطعت رأس تمثال المعري أو دمّرت نصب الشاعر محمد الفراتي، أو أحرقت رموز الثقافة والحضارة الإسلامية في حلب وسواها، فذلك مسؤولية جماعية، إنما لابد أن ندعو القائمين على درامانا إلى الالتفات ولو قليلاً إلى ما قدّمناه لنتساءل حتى لو كان السؤال مريراً: لماذا لم تستطع أعمالنا حتى اللحظة ورغم كمّها الهائل أن تصنع إنساناً مثل ذلك الإنسان الذي يقف بخشوع ورهبة وتبجيل أمام آلاف الرموز والنصب والتماثيل التي تحتل ساحات روما وأثينا وباريس.. وغيرها، ويعتبرها جزءاً من روحه وفلسفة وجوده، فيما يتسابق الشباب العربي إلى هتك وهدم تلك الرموز التي أطاحت حتى الآن برأسي شاعر الفلاسفة وفيلسوف الشعراء أبي العلاء المعري وعميد الأدب العربي طه حسين؟!!.

حتماً هو سؤال إشكالي وصعب جداً، إذ كما أسلفنا أن الدراما لا تستطيع وحدها تحمّل نتائج هذا العمى الفكري والظلامية الفتاكة والوزر الأخلاقي الذي يتمدّد سواداً وخراباً إلى كل القيم النبيلة، بيد أن السعي الدؤوب والموضوعية تقتضي أن تتكاتف الجهود، وفي طليعتها جهود صنّاع الدراما الذين يكتبون التاريخ بمعادل بصري مؤثر ومغاير، وتتكثّف للإجابة عن التساؤل المرير الممض، وصولاً إلى تشريح المشكلة ومعرفة أين يكمن الخلل، هل هو في ذاكرة المشاهد ووعيه وتربيته وذائقته المشوّهة أو المختطفة (وهنا لا نعمّم)، أم في سوية الأعمال التي اتهمها البعض بتشويه التاريخ وتسطيح الأحداث واللهاث خلف الربح وتغييب الحقيقة أو طمسها، وإنتاج مثل تلك النماذج التي أهانت التاريخ واستهانت به؟.

إن تلك المراجعة والقراءة المتأنية المنتظرة لما قدّمناه، قد تفضي بنا إلى سبل تمكننا على الأقل من تهذيب وعي الشباب ولجم اندفاعه، والذي ينبغي أن يدرك ويعرف أن تدمير التراث الحضاري المحلي وتخريب رموزه هو انتحار مجنون سيهوي بنا وبتاريخنا إلى قيعان لا قرار ولا منتهى لها، ولن يجدي في تلك الساعة التساؤل: أين التاريخ الذي قدمناه في الدراما السورية؟!.