2012/07/04

إحسان صادق : الدراما اللبنانية لا تتناول مجتمعها
إحسان صادق : الدراما اللبنانية لا تتناول مجتمعها

أمينة عباس - البعث

ممثل، ملحن، كاتب، ومعدُّ برامج منوعات، حائز على وسام الاستحقاق الوطني برتبة فارس، له ما يزيد عن ثلاثين فيلماً سينمائياً، إضافة إلى العديد من الأعمال التلفزيونية والاستعراضية والبرامج الإذاعية والدرامية، شغل منصب نقيب الفنانين المحترفين في لبنان 1995-1999 و2003-2006.

إنـــــه الفنان اللبنانــــــي القدير «إحســــــان صـــادق» الذي حلّ ضيفاً على دمشق مؤخراً فالتقتـــه «البعــــث» وأجــــــــرت معه الحوار التالي .

> حدِّثنا عن الدراما اللبنانية التي عاشت مرحلة ذهبية في فترة من الفترات.. كيف تجدها اليوم؟.

<< كثيرون يعرفون أن الدراما اللبنانية كانت إنتاجاً وتوزيعاً منتشرة في جميع أنحاء الوطن العربي وذلك في الفترة الواقعة ما بين أواسط الستينيات وحتى أواسط السبعينيات، ولكن ما إن اندلعت الحرب في لبنان حتى تأثّرت هذه الدراما كثيراً على صعيد الإنتاج الذي قلّ تدريجياً حتى أصبح في أخفض مستوى له في السنوات الأخيرة.. ويجب ألا ننسى أيضاً أن تعدد المحطات التلفزيونية في السنوات الأخيرة ساهم في خفض ميزانية الإنتاج الدرامي بعد أن اتجهت الأموال نحو أنواع أخرى من الفنون، ومعروف أنه دون ميزانيات جيدة لا يمكن صنع دراما جيدة، مع الإشارة إلى أن الدراما اللبنانية لا تفتقر إلى العناصر البشرية، ففي لبنان طاقات وإمكانيات فنية متميزة في جميع المجالات، وهذا يعني أن الإنتاج الخجول لها سببه عدم وجود المال اللازم لصنعها .

> تُتهم الدراما اللبنانية بالعموم بانحدارها على صعيد المضمون، فهل تتفق مع هذا الكلام؟ وما أسباب الضعف الذي تعاني منه على هذا الصعيد؟.

<< إن المضمون الذي تتناوله هذه الدراما وتجسّده على الشاشة ليس له علاقة بالمجتمع اللبناني، ونحن نتمنى ومن كل قلوبنا لو أنها كانت تعكس هموم ومشاكل هذا المجتمع.. المؤسف أن معظم الأعمال بعيدة عن هذا، وتذهب لتتناول ليس موضوعات هامشية فقط بل وبشكل سطحي أيضاً، وهذا يدل على استسهال كبير من قبل بعض الكتّاب الذين لا يرغبون في بذل الجهد الكافي لتقديم نصٍّ ذي قيمة، وهذا ما يجعلهم أحياناً يقتبسون أفكاراً أجنبية ليبنوا عليها موضوعات محلية .

> هل هذا يعني عدم وجود كتّاب قادرين على تقديم نص ذي مضمون عميق؟.

<< نعم، في أحد جوانب المشكلة، هناك نقص في عدد الكتّاب لدينا .

> غالباً ما تقدم أعمال هذه الدراما إضافة إلى البرامج الأخرى في لبنان المرأة اللبنانية بصورة معيّنة تبدو فيها متحررة من كل القيود، فما سبب ذلك؟.

<< لا بد من التأكيد على أن هذه النوعية من الأعمال والبرامج تسيء للمرأة اللبنانية وتقدمها كحالة استثنائية، ليس لها ارتباط بواقع أو بمجتمع، وهذا عيب كبير في العديد من النصوص التي تقدمها الدراما اللبنانية، أما البرامج فهي كثيرة ومتعددة في ظل الحرية الإعلامية التي يتمتع بها لبنان والتي يجب أن تكون منضبطة، علماً أن قانون تنظيم الإعلام المرئي والمسموع يحدد نوعية المواد التي تُعرَض، وهذا يعني أنه إن كان من خطأ فهو خطأ وزارة الإعلام، لأن أصحاب المحطات في النهاية تجّار يروّجون لتسويق هذه الدراما بأية وسيلة ممكنة .

> تتحدث عن عدم وجود ميزانيات مناسبة للإنتاج الدرامي، في الوقت الذي تُصرَف فيه أموال طائلة في مجال الغناء والفيديو كليب، فما تفسيرك لهذا الأمر؟.

<< لا توجد شركات إنتاج للأغنية اللبنانية بالمعنى المفهوم، بل هناك أموال تضخ عبر ما يسمى بشركات الإنتاج التي تصرف على الفيديو كليب بهدف الترويج لكل ما هو منفّر ومرفوض في المجتمع، وهنا أؤكد أنني لستُ ضد الفيديو كليب في أية أغنية إذا كان له قصة ومبرر، وإذا قُدِّم بشكل راقٍ، والمؤسف أن ذلك غير موجود على أرض الواقع، إذ تُقَدَّم هذه الفيديوهات كليبات بشكل لا يتفق مع الرقي الفني الصحيح وبطريقة مجانية وخطيرة في كثير من الأحيان يُساء من خلالها للمرأة والرجل وللعادات والتقاليد والقيم، وهن أشير إلى أن وراء هذه الموجة من الفيديو كليب في عالمنا الفني أفراداً يمتلكون أموالاً طائلة فيختارون هذه السوق لتصريفها بشكل غير راقٍ .

> ولماذا لا يتجهون نحو الدراما لإنفاق هذه الأموال؟.

<< أعتقد أن مجال الدراما ليس صعباً إن أرادوا، بل هو الأسهل باعتبار أن مقوّماتها موجودة (كاتب-مخرج-ممثل)، ولكن رغم ذلك لا تغريهم كثيراً لأن الفيديو كليب أسهل قليلاً في مجال سعيهم لنشر صورة المرأة التي يريدونها، في حين أن هذا الهدف يبدو أصعب قليلاً في الدراما .

> مسيرة سينمائية غنية وطويلة بلغت ما يقارب من ثلاثين فيلماً.. ألا يحزنك عدم وجود سينما في لبنان اليوم؟.

<< المشكلة الأكبر أن السينما ليست موجودة لا في لبنان ولا في العالم العربي، وحتى السينما المصرية تراجعت بنسبة سبعين بالمئة، وهذا ما يؤكده المصريون أنفسهم، في حين أن صناعة السينما –بالمعنى الصحيح للصناعة- في البلدان العربية الأخرى غير موجودة في ظل العدد الخجول الذي تنتجه بعض الدول، في حين أن الصناعة تتطلب حداً أدنى (ثلاثين فيلماً في السنة) أما السينما في لبنان فينطبق عليها ما ينطبق على حال الدراما التلفزيونية، فبعد مرحلة توهّج عاشتها السينما اللبنانية في أواسط الستينيات حتى أواسط السبعينيات، حيث كانت الحركة السينمائية ممتازة وكنتُ أحد المحظوظين حين شاركتُ في عدد كبير من الأفلام كان آخرها فيلم "غداً لن تتبدّل الأرض" مع عبد الله المصباحي في المغرب بالاشتراك مع يحيى شاهين وسميرة بارودي، ولكن اندلاع الحرب اللبنانية قضى على كل شيء، فتراجعت السينما وضعفت الميزانيات فصار حالها حال الدراما التلفزيونية، خاصة وأن السينما تحتاج إلى أموال كثيرة لأن تقديم فيلم سينمائي جيد يحتاج إلى ما لا يقل عن مليونَي دولار .

> البعض يقول: إن عصرنا ليس عصر السينما، فهل تتفق مع هذا القول؟.

<< السينما فن دائم وصالح لكل زمان ومكان، وهو فن هام ومطلوب لأنه يقوم على تقديم المتعة والفائدة.. من هنا تبدو مقولة «إن عصرنا ليس عصر السينما» لا معنى لها وغير صحيحة، ولكن ما أثّر على السينما فعلاً وجعلها تتراجع –برأيي- عدة أمور، منها انتشار التلفزيون وتعدد المحطات الفضائية التي عوّدت المواطن على الكسل والاسترخاء، في حين أن مشاهدة فيلم سينمائي يحتاج منه إلى الاستعداد والتحضير بهدف الذهاب إلى مكان العرض، إضافة إلى عدم وجود ما يغريه سينمائياً ويدفعه بقوة لحضور السينما، وقد مرّت أمريكا بمثل هذه الحالة، وللخروج منها صنعت أفلاماً بميزانيات ضخمة لا تتوفر في التلفزيون، مما أجبر المواطن الأمريكي على الذهاب إلى السينما.. من هنا فإن الفيلم الأمريكي اليوم يحقق ملايين الدولارات في العروض الأولى.. أما المشكلة الأخرى التي أثّرت على السينما في العالم العربي فتكمن في موضوع عدم القدرة على التسويق بشكل جيد، فوقفت السينما العربية أمام طريق مسدود .

> سفر برلك" فيلم للأخوين رحباني وكنتَ أحد أبطاله.. حدّثنا عنه وماذا بقي من ذكرياتك عنه.

<< يذكّرني هذا الفيلم دائماً بعاصي ومنصور الرحباني وما كان بيننا من صداقة حميمة، خاصة وأنني عملتُ معهما أيضاً في التلفزيون الأردني بأحد برامج المنوعات، أما فيروز فلا تربطني بها إلا زمالة العمل .

> ما هي خصوصية هذا الفيلم بالنسبة للتجارب السينمائية الرحبانية؟.

<< أعتقد أن فيلم "سفر برلك" من أهم الأفلام العربية التي تتمتع بمواصفات عالمية، ويعود السبب إلى نوعية الموضوع الذي تناوله الفيلم، حين يعود بنا إلى زمن العثمانيين، وتسليط الضوء على التعاضد والتعاون الذي قام بين السوريين واللبنانيين في تلك الفترة.. فالفيلم يقدم رسالة مهمة جداً، وقد توفّرت له ميزانية ضخمة ومخرج ممتاز هو هنري بركات.. أما أفلام الرحابنة الأخرى فيجب أن نعترف أن "بيّاع الخواتم" لم يحقق النجاح الذي حققه "سفر برلك" الذي لا يغيب يوماً عن المحطات الفضائية، لأن مخرج "بياع الخواتم" يوسف شاهين لم يقدمه سينمائياً كما يجب، والأمر نفسه ينطبق على فيلم "بنت الحارس" .

> ما هي الأخطاء التي وقع بها الرحابنة في الأفلام التي ذكرتَها؟.

<< قد لا أستطيع الحكم بشكل دقيق، إلا أنني أعتقد أن عدم نجاح المخرج بالدرجة الأولى هو السبب، فيوسف شاهين مثلاً رغم أنه مخرج متميز، إلا أنه قدّم فيلم "بيّاع الخواتم" بإطار ضيق، بينما كان فيلم "سفر برلك" مختلفاً تماماً مع أن قصة "بيّاع الخواتم" كانت جميلة جداً .

> تُقدَّم تجارب سينمائية لبنانية جديدة بين فترة وأخرى وتشكل حضوراً متميزاً في بعض المهرجانات، فما رأيك بها؟

<< تابعتُ بعضها وهي أفلام جيدة في أغلب الأحيان.. وبالمجمَل لا بد من تقديم تجارب متعددة في هذا المجال بهدف الوصول إلى الأفضل.. وتبقى التجربة مبررة ومشروعة للجميع .

> كيف ترى حال السينما العربية بشكل عام؟.

<< السينما كصناعة غير موجودة، وما هو موجود عبارة عن محاولات وتجارب في هذا المجال .

> هل تتابع عادةً ما يُنتَج سينمائياً؟.

<< أتابع ولكن ليس دائماً.. وفي العموم فإن ما هو متميز قليل جداً .

> هناك بعض من المحطات الفضائية المتخصصة بتقديم الأفلام السينمائية، فهل هذا لصالح السينما؟.

<< هو لصالح السينما من حيث أن هذا الفن يصبح أكثر انتشاراً، وبالتالي يتابع المُشاهِد ما أُنتِج سينمائياً في السابق وما يُنتَج حالياً، إلا أن الفرق يبقى كبيراً بين أن يقدَّم الفيلم عبر محطة تلفزيونية وبشاشة صغيرة، وبين أن يُقدَّم في صالة عرض سينمائية بشاشة كبيرة، فالمتعة مختلفة، والإحساس كذلك.. إن المتعة الكبيرة هي مشاهدة فيلم في مكان محدد تقصده بهدف المتابعة الجماعية، في حين أن المتابعة في المنزل غير مركَّزة.

> هل لدينا جمهور سينما؟

<< يوجد، لكنه أصبح قليلاً جداً .

> ما هي الأفلام الأكثر انتشاراً في صالات العرض السينمائية اللبنانية؟

<< الأفلام الأمريكية .

> كفنان متعدد المواهب في الغناء والتلحين والتقديم والتمثيل كانت لك أيادٍ بيضاء في ولادة العديد من برامج المنوعات، فما تقييمك حالياً لهذه البرامج التي تحولت إلى موضة في المحطات الفضائية؟.

<< على الرغم من أن هذه البرامج ترفيهية بالأساس إلا أن هذا لا يعني أنها يجب أن تكون دون هدف كما هو موجود في معظم البرامج التي تُقدَّم، وأؤكد هنا أنه يجب أن تتضمن هذه البرامج مضامين معيّنة، وهذا ممكن، وأشير إلى أن كل البرامج المنوّعة التي أنجزتُها كانت تُقدَّم بمضامين إنسانية واجتماعية عبر «اسكتشات» اجتماعية وإنسانية فيها إلى جانب الغناء .

> هذه البرامج بحاجة إلى ميزانيات خيالية اليوم، فهل توفّرت بسهولة؟

<< غالباً ما أنفِّذ هذه النوعية من البرامج المكلفة جداً بميزانيات مشتركة.

> ما رأيك ببرامج المنوعات المنسوخة عن برامج أخرى أجنبية وقد باتت منتشرة كثيراً؟.

<< لا يهمني إن كانت هذه البرامج منسوخة أم لا لأن الأهم برأيي أن يكون لها مضمون يعنى بهموم الإنسان ومشاكله وألا تكون مجرد برامج لملء ساعات طويلة من البث .

> لا بد وأنك متابع لبعض أعمال الدراما التلفزيونية السورية، فما تقييمك لها؟.

<< لنعترف في البداية أن الدراما السورية في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي لم تكن موجودة بشكل مزدهر ومتوهج، وكانت الدراما المصرية واللبنانية هما المتسيدتين في الساحة الفنية، وفيما بعد قفزت الدراما السورية قفزات نوعية وسجّلت بصمة خاصة لها وحققت نجاحاً كبيراً لأنها انطلقت من واقع البيئة السورية وقُدِّمت بشكل فني عالي المستوى وبميزانيات ضخمة .

> ما هي النصيحة التي يمكن أن تقدمها لصنّاع الدراما السورية لتحافظ على نجاحها؟.

<< أهم شيء يجب أن تبقى الدراما السورية مؤمنة أن نجاحها مرتبط بمدى ارتباطها ببيئتها من خلال الاعتماد على نصوص تعالج مشاكل وهموم المجتمع السوري، إلى جانب عدم البخل في الميزانيات، والأهم أن يبقى ضمير صنّاعها حياً ليبقى الهدف والغاية خدمة المجتمع والإنسان .

> مَن مِن المخرجين السوريين يحرّضك على متابعته؟.

<< هناك عدة أسماء أذكر منها : حاتم علي-هيثم حقي-نجدة أنزور-المثنى صبح وجميعهم يعملون بتقنية عالية المستوى .

> هناك حضور متميز للعديد من الفنانين اللبنانيين في الأعمال التاريخية السورية فهل تميل لهذا النمط من الأعمال؟.

<< قدمتُ أعمالاً تاريخية كثيرة، وبصراحة أنا اليوم ميّال أكثر للأعمال الاجتماعية المعاصرة التي تحاكي العصر الحالي


> هل اختلفت معايير النجومية بين الأمس واليوم؟.

<< بغض النظر عن هذه المعايير أنا مؤمن دوماً أن البقاء للأصلح، ومع هذا أشير إلى أسماء كثيرة من أبناء جيلنا تحولوا إلى نجوم بفضل الاجتهاد والاستمرار وقد احتاجوا إلى وقت، أما اليوم وبفضل وسائل الإعلام المنتشرة يمكن صناعة نجم بين ليلة وضحاها .

> ألم يطل غيابك عن الدراما اللبنانية؟.

<< انقطعتُ عنها لمدة عشر سنوات، والسبب كان انشغالي بتأسيس نقابة الفنانين المحترفين، وهذا أخذ من وقتي كثيراً .

> هل من مشاريع قريبة لديك؟.

<< أحضِّر اليوم لعمل درامي وأنا في مرحلة إعداد النص، إضافة إلى برنامج منوعات .