2013/05/29

إلهام أبو السعود: أطفالنا يرددون كلمات وألحان الإعلانات والدعايات
إلهام أبو السعود: أطفالنا يرددون كلمات وألحان الإعلانات والدعايات


فاتنة الشامي – تشرين

نتذكر الكثير من أغنيات الأطفال القديمة... نتذكر أغنيات جميلة كلماتها هادفة قريبة إلى قلب الطفل، جملها اللحنية بسيطة.. أغنيات موجهة للأطفال.. لها أبعاد مختلفة ساهمت في توسيع أفقهم وخيالهم.. أحببناها ورددناها ونحن صغار، وأعدنا سماعها بأصواتنا لأبنائنا..

لكن في ظل مانسمعه ونشاهده على الساحة الموسيقية، والموجة الجديدة من قبل بعض الفنانين بإنتاج أغان للأطفال، وفي الوقت الذي يجب علينا فيه تكثيف خيال الأطفال وتنمية عقولهم ومواهبهم.. نجد أن الأغاني جاءت مصحوبة بكلمات وموسيقا فقيرة ثقافياً بعالمهم تصعب عليها مداعبة خيالهم وتطوير آفاقهم بل وأبعدتهم عن طفولتهم.
هذا الواقع يجعلنا نتساءل: هل تتناسب هذه الأغاني حقاً ومع خيال الأطفال وتحاكي عالمهم؟ وهل موسيقاها وكلماتها صحية بما يكفي لتطورهم النفسي والعقلي؟ وهل هذه هي الأغنيات التي سيرددها أبناؤنا على مسامع أولادهم؟ وما الذي يجب أن تكون عليه أغنية الطفل في عصرنا الحالي ولاسيما أن طبيعة ونفسية طفل اليوم تختلف عن طباع طفل زمان؟ وهل تصلح أصلاً هذه الأغنيات لأطفال عصر الكومبيوتر؟ لمعرفة الإجابات علينا أن نعرف أولاً ماهية أغنية الطفل؟
وماهي مقوماتها؟
أسئلة طرحناها على الملحنة المرأة الوحيدة في سورية لأغنية الطفل الباحثة الموسيقية إلهام أبو السعود في حوارنا الآتي معها:


فن الغناء


ماأثر الغناء في الطفل؟

فن الغناء ظاهرة من ظواهر النشاط الإنساني التي يمارسها الفرد في جميع أدوار حياته، والغناء شكل من أشكال الفنون التي تعد من الروافد الأساسية لتربية الأطفال وتنشئتهم اجتماعياً ونفسياً وعقلياً، وأثره في حياة الطفل كبير لأن الغناء يلازمه منذ مولده إلى أن تستيقظ مداركه على غناء أمه، ثم يصحبه في مراحل نموه المختلفة، يحس به ويستجيب له، وأقصد (والكلام للملحنة أبو السعود) الغناء الذي يلعب دوراً مهماً وأكيداً في تنمية إظهار القدرات التي يتمتع بها الطفل من جسمية وعقلية، كما أنه يتعرف على عالم اللغة الفني، وينمي تذوقه الجمالي من خلال تلك الأغنيات البسيطة التي تلعب دوراً مهماً في حياته، وعن طريق الأغنية يعبر الطفل عن رغبته الطبيعية، وعن ذاته وعواطفه ومشاعره.
وتؤكد أبو السعود أننا نستطيع استغلال استجابة الطفل للغناء في مجال التربية والتعليم والتثقيف، وفي أحيان كثيرة لعلاجهم من بعض الحالات النفسية كالخجل والخوف والأنانية.. وكان القدماء يعدون هذا النوع من التربية انعكاساً واضحاً لإبراز الخصال الحميدة التي يتوخونها في سبيل تهذيب سلوك الطفل وتفتح ذهنه واستيعابه وفهمه للقيم الجمالية التي تزخر بها الحياة.
وصفوة القول أغاني الأطفال لها من دون شك تأثير عميق في الطفل وسلوكيته، فهي من ناحية تنمي وجدانه، وتفتح آفاق عقله على عالم كبير ومدهش تبرز فيه خصوبة عالم الطفولة المنغم، فيبتعد الطفل عن كل ماهو شاذ وقبيح يمكن أن يعترض حياته الجميلة.


استغلال حقيقي للطفولة


ماذا تقولين عن أغنيات الأطفال في العصر الحالي؟

في عصرنا الحاضر ومايتمتع به من تقنيات إعلامية هائلة وواسعة الانتشار يتأثر الأطفال تأثراً كبيراً لايمحى بأغاني الكبار التي تقدم لهم في البيت والشارع ووسائل النقل والإعلام، وكل ذلك يتم في زمن غابت فيه أغنية الطفل المعبرة عنه والمناسبة لعمره وإدراكه..
وتتساءل الباحثة: ما الذي يحدث؟.. وتجيب قائلة: نرى استغلالاً حقيقياً للطفولة في أبشع أنواع الاستغلال وخاصة تشجيع الأطفال ذوي الموهبة والأصوات الطفولية الجميلة على تقديم أغنيات الكبار في النوادي الليلية وبرامج الإذاعة والتلفزيون.. تلك الأماكن التي تقضي على فرح وبراءة الأطفال في ظل حقيقي لأغنية الطفل..
وتلك الظاهرة التي انتشرت في المجتمع العربي هي انعكاس طبيعي للبيئة التي يعيشها الطفل وافتقار هذه البيئة للوعي التربوي الذي من شأنه أن يفضي إلى بناء صحيح وسليم لشخصية الطفل.


عامل الإبهار



هذا واقع يتفق كثير من علماء التربية والنفس عليه لكن ماذا عن الأغنية التي تقدم للطفل؟

كنت أفضل أن يكون السؤال: ماذا يغني أطفالنا اليوم؟ لنبحث معاً عن أغنية تصلح تربوياً وفكرياً وفنياً للطفل العربي فماذا نجد؟ قد يصعب الجواب عن هذا السؤال (تتابع أبو السعود حديثها) بسبب آلاف الأغنيات التي تطرحها أجهزة البث العربية يومياً، والتي قد يخاطب بعضها الطفل بطريقة أو بأخرى لم نشهد لها أثراً في ذاكرة الطفل.. وإذا كنا نستمع اليوم إلى أغنيات أب لابنه أو طفل لوردة، أو أم لابنتها.. فهل يعني هذا أنها أغنية طفولية؟ مع الأسف فإن أطفالنا لايجدون مايغنونه مما هو موجه لهم نتيجة لعدم وجود مايجذبهم، فيرددون ألحان الإعلانات والدعايات التجارية وغيرها من أغاني الكبار.. وهي على كل حال في حاجة إلى نظر فكري وفني مع أنها موضع اتهامات متعددة..
هذا مايغنيه الأطفال لأن هذا هو المطروح حالياً في أجهزة الإعلام المرئية والمسموعة وبشكل ملح كما هو الحال مع الأغنيات العادية، كذلك طغيان أفلام الكرتون وغيرها في الفترات المخصصة للأطفال، كل ذلك أمام ندرة الأغنيات الخاصة بهم، حتى البرامج التعليمية التلفزيونية لاتهتم بإدخال الفكرة الغنائية واللحنية إلا فيما ندر فيما عدا محاولات جد قليلة وناجحة لإحدى فقرات البرامج التعليمية في تلفزيون دمشق، وتضيف أبو السعود قائلة: في يومنا هذا نجد أن مطربي الأطفال يحاولون جاهدين إثبات مقدرتهم الغنائية وخبرتهم في الطرب وأصول التطريب مايشعر الأطفال بالعجز عن تتبعها وترديدها وحفظها، وتالياً أدائها، كما أن هناك عامل الاهتمام في انتقاء الملابس الفاخرة المبهرة بألوانها البراقة مايجذب انتباه الأطفال إلى الشكل دون المضمون، ومن الملاحظ أيضاً عدم إفساح المجال للطفل بتقديم نفسه من خلال المنافسة والإبداع والتعبير عن الأحاسيس والقدرات الصوتية.

بعض الملحنين يتخذون من أغاني الأطفال مجالاً لإثبات براعتهم الفنية


خيال.. لاألعاب.. لاأفكار


وفي سياق حوارنا معها تتحدث أبو السعود عن أغاني الأطفال في الماضي وتقول: في الخمسينيات والستينيات قام بعض الفنانين بمحاولات شهدت ردود فعل إيجابية من الكبار، لكن لدى دراسة هذه الأغنيات علمياً وموضوعياً تبين أنها كانت عبارة عن أغنية الكبار للصغار وتوجيهية أكثر مماهي إبداع طفولي أو تربوي تلقائي، فهي لم تخاطب خيال الطفل ولا ألعابه وأفكاره، وظلت أغنية صالحة للترداد فقط في المناسبات ولم تأت بجديد، كما أنها لم تكن في أغلبها متوافقة مع المناطق الصوتية للطفل.
وفي السبعينيات والثمانينيات شهدت جملة محاولات عربية كانت أكثر توفيقاً عن كل ماسبقها وان بقيت في سياق عطاء الفنان الموهوب من جهة، وهدية الكبير الذي لم يستطع أن يكون طفلاً من جهة أخرى.


الأغنية الشعبية



وماذا عن الأغنية الشعبية؟

كانت أغنيات الطفولة أكثر غنى وأشد ارتباطاً بالحياة وظواهرها ذلك أن عملية الخلق الفني تجري بالتلقائية الشعبية ولاتكاد توجد بيئة عربية لم يكن للأطفال فيها أغانيهم المستقاة من ألعابهم المنسجمة معها، وأغنية «يامطرة رخي رخي» فيها من العفوية الاحتفالية بهطول المطر بعد طول انتظار هي حقيقة تتخذ من نقرات المطر إيقاعاً لها، وتعتمد أسوة بالأغنية الشعبية على تداعي الصور الفنية التلقائية والجملة اللحنية السهلة الإيقاع الذي يأتي من الطبيعة أو من ضربات الأقدام في الدوران والركض، وهناك من الأغنيات الشعبية في الوطن العربي أعداد لايمكن حصرها بسبب اتساع الرقعة الجغرافية والامتداد التاريخي وغنى الموروث الشعبي، ورغم قيام عدد من المجموعات الشعبية بالتفتيش في التراث وإخراج كنوزه وأدائها إلا أن ذلك الاهتمام لم يخص الأطفال بأي حصة فيه رغم أنهم هم مبتكروه العفويون وأصحاب الحق في المحافظة عليها (هذا ماأكدته الباحثة أبو السعود) وتابعت تقول: هذا الواقع يؤكد لنا أن الاهتمام بتقديم الأغنية الشعبية للطفل يكاد يكون معدوماً مايدعو إلى حتمية الالتفات إلى مايمتاز به هذا النوع من الأغنيات من سهولة اللفظ وأصالة اللحن وحساسية الموضوع وشعبيته بعد إدخال التعديلات عليها وتهذيبها فنياً بحيث تتلاءم مع روح العصر.. وقد يصل التعديل إلى حد تغيير النص كلياً إذا كانت القيمة اللحنية الموسيقية لها من الأهمية بما يتناسب مع ضحالة الموضوع والفكرة والمعنى والهدف التربوي للنص.

ماذكرته آنفاً يوضح لنا أن هذه الأغاني يشوبها العديد من أوجه القصور منها: احتواء بعض الأغاني على كلمات غريبة على أذن الطفل ولا تتلاءم مع طبيعة حياته وخصائص نموه بصفة عامة، ونموه اللغوي بصفة خاصة، وافتقار بعضها إلى النطق السليم للغة العربية ومخارج الألفاظ بها، إضافة إلى أن اللحن في معظم الأغاني المعاصرة يتصف بالجمل الموسيقية والبناء الأوركسترالي المعقد حيث يصعب على الطفل العادي متابعة الإيقاع أو اللحن وهما عنصران مكملان لفهم البناء اللفظي، ويبدو أن نسبة كبيرة من الملحنين يتخذون من أغاني الأطفال مجالاً لإثبات براعتهم الفنية عدا عن أن أغلب أغاني الأطفال يؤديها مطربون ومطربات محترفون يتبارون في إثبات قدرتهم على التطريب والغناء مع التنوع في التزيين والعناية بالمظهر الخارجي المبهر وهي أمور لايحتاجها الطفل بل تشغله عن متابعة اللحن والمعاني في الأغنية.


المسؤول عن التردي



إذاً من هو المسؤول عن هذا التردي، وعلى من تقع المسؤولية؟

تكنولوجيا العصر وطفل اليوم مشغول بالكومبيوتر والتقنيات الجديدة لذلك فالمسؤولية تقع على عاتق البيئة (الآباء والتربية) والمسؤولية الأكبر تقع على عاتق الإعلام المرئي والمسموع لأنه المؤثر المباشر في حياة الأفراد والجماعات وطبعاً الأطفال الذين يكتسبون منه الضار والمفيد، وعلى  الشركات التجارية المسؤولة عن غزو عقول الأطفال لأنها تقدم أعمالاً مبتذلة من دون ضوابط مايؤثر في النمو المعرفي والسلوكي لهم فينعكس سلباً على تكوين المخزون اللغوي لديهم.



المواصفات


فما هي إذاً المواصفات التي يجب أن تكون عليها أغنية الطفل؟

تحدثت عن إجابة هذا السؤال في سياق حديثي لكن أهم مقومات أغنية الطفل تتلخص في اختيار النص الملائم من حيث الكلمات المناسبة لكل مرحلة عمرية، على أن تتنوع مواضيعها وأن تدور حول محيط الطفل وبيئته وتراثه، تصوغها خبرات تربوية وفنية مع الحرص على توافق المناطق الصوتية في الألحان المقدمة، على أن يكون الموضوع مشوقاً للطفل ومستوحى من عالمه، وباللغة العربية الميسرة لتعويده النطق السليم، كما يجب أن تتنوع الأغاني لتشمل الأغنية الشعبية والأغنية الفردية التي تهيئ للطفل فرصة التعبير والثقة بالنفس، والأغنية الجماعية التي تخلق لدى الطفل روح الجماعة وتحمل المسؤولية وحب النظام، وأخيراً يفضل أن تكون الأغنية من الأطفال للأطفال.


إذاً ماهو المطلوب بتقديرك؟

أطفال اليوم يختلفون عن زمننا المطلوب أن تحاكي الأغاني مستواهم الفكري، ودراسة الطفل دراسة علمية لتقديم أعمال تتميز بالتلقائية حتى وإن تطلب الأمر استشارة اختصاصي تربوي كي يكون الإنتاج أفضل لتغذية عالم الطفل وتنمية قدراته الذهنية والنفسية، إضافة إلى أن هناك عوامل كثيرة تجب المحافظة عليها ووضعها في الحسبان من قبل القائمين على صناعة أغنية الطفل، وكل الأعمال التي تحاكي عقولهم عليهم أن يعرفوا أن القيام بإنتاج أغان للأطفال ليس بالمهمة السهلة إنما هو عمل يتطلب دراية كافية بنفسية وعقلية الطفل، وحذراً بالغاً في اختيار الكلمات واستخدام جمل معروفة وليست مركبة يسهل تداولها فلا بد من أن يرددها لكي تصبح ملكه، وخبرة كافية في وضع اللحن والموسيقا وان تكون في قدرات ومتناول الطفل.


الحل


هل لك أن تقدمي بعض الأفكار والاقتراحات لحل هذا الواقع؟

أولا على المسؤولين في التربية والفن الغنائي محاولة نبش كل ما يستطيع الأطفال الموهوبون إعطاءه لعالمهم بحيث يكون ذلك منهم وإليهم.. وان ندفع الأطفال الموهوبين إلى أن يكونوا هم كتاب قصائدهم، وملحنيها ومؤديها مع الإشراف التربوي والفني الضروري من المختصين.
وتضيف أبو السعود قائلة: والاهتمام أيضاً بأغاني الأطفال الشعبية بتجميعها وإعادة صياغتها وتأليف أغان على نمطها وإفساح المجال للمدرسين الموهوبين والمبدعين ليقدموا ألحانهم ونصوصهم التي تكون غالباً ذات اثر تربوي من خلال وسائل الإعلام بعد أن يتم صقلها وتقديمها بمساعدة مختصين، والتأكيد على أجهزة الإعلام المرئية والمسموعة على دور التراث الشعبي الطفولي وألعاب الحارة وذلك بالطلب من الشعراء وكتاب الأغنية أن يتناولوا ذلك تناولاً عصرياً مدروساً، مع مراعاة البساطة في النص اللفظي من حيث المعاني والتراكيب اللغوية، وان تصاغ ألحان الأغاني ببساطة وعلى إيقاعات واضحة مع مصاحبة آلة وتوزيع موسيقي يتصف بالبساطة والخفة وتخصيص أغان توجيهية للطفل من خلال وسائل الإعلام المرئية والمسموعة تذاع من وقت لآخر، وتمثيل مختصين ومربين في مجال تأليف النصوص والموسيقا في لجان برامج الأطفال بالإذاعة والتلفزيون كخطوة أولى للحد من الأغاني التي لاتناسب الطفل، وأخيرا مراعاة الدقة في اختيار نوعيات الأغاني المسجلة والمتداولة في الأسواق والخاصة بأغاني الأطفال بعد أن لوحظ تدني مستوى الكثير منها..