2013/05/29

(إن كان حبيبي لابس قنبازو)!
(إن كان حبيبي لابس قنبازو)!


جوان جان-  تشرين

كانت وسائل الإعلام- والفضائيات في المقدمة منها- ومازالت مقصداً للفنانين العرب الذين يدركون أن مجهوداتهم الإبداعية لا يمكن أن تكتمل وتتبلور إلا من خلال الإعلام الذي يسلّط الضوء على أعمالهم الفنية سواء أكانت دراما أم موسيقا أم غير ذلك

من ألوان الفنون التي قطعت أشواطاً كبيرة بفضل الاهتمام الإعلامي- الفضائي الذي تجلّى بسلسلة تكاد لا تنتهي من البرامج الحوارية التي تستضيف الفنانين العرب في حوارات موسّعة عن آخر أعمالهم وفيما إذا كانوا بصدد تحضير أعمال جديدة، أو بهدف إطلاع الجمهور على تجربتهم الحياتية والفنية، خاصة إذا كانوا ممن تقدم بهم العمر وبلغوا مرحلة يستطيعون من خلالها أن ينقلوا خلاصة تجاربهم للأجيال اللاحقة.

والواقع أن العديد من الفنانين العرب حققوا انتشاراً واسعاً من خلال البرامج التي استضافتهم في الفضائيات العربية، وهذا الأمر دفع بعضهم إلى تركيز اهتمامه على الظهور الإعلامي الفضائي بدرجة تركيزه نفسها على الظهور في الأعمال الفنية.

هذه النقطة استغلها بعض الفنانين والفنانات بدرجة تبتعد عن النزاهة عندما حوّلوا هذه البرامج التي فتحت أبوابها لهم إلى سباق ماراثوني من حيث كثافة الظهور التي لم تكن مرتبطة في أحيان كثيرة بنشاط فني إبداعي بقدر ما كانت مرتبطة بتقلّبات اجتماعية شخصية يقدم عليها أو تطرأ على حياة الفنان أو الفنانة بقصد إعادة تموضعهم على الشاشات بعد إحساسهم أن الأماكن التي يحتلونها بدأت بلفظهم وتلقّف سواهم.

ومن بين تلك التقلّبات الاجتماعية التي يستغلها الفنانون والفنانات الأخبار الشخصية من زواج وإنجاب وطلاق وخصومات شخصية، إلى آخر ما هنالك من انعطافات اجتماعية لم تكن في يوم من الأيام حكراً على الفنانين الذين استغل بعضهم ما قد يتعرض له من قضايا اجتماعية ليثيرها فضائياً، وهو الأمر الذي تماهى معه بعض الإعلاميين الذين انساقوا تماماً وراء هذه الحالة اعتقاداً منهم بأنهم يقدمون إعلاماً حارّاً عندما يغوصون في أدق تفاصيل حياة الفنان أو الفنانة.

إلا أن أشد حالات الاستغلال بشاعة التي يلجأ إليها بعض الفنانين والفنانات لتسليط الأضواء عليهم هي قراراتهم الشخصية بارتداء أشكال محددة من اللباس والاستغناء عن أشكال أخرى ليحصدوا نتيجة هذه القرارات الشخصية عشرات الحوارات الفضائية عن دوافع هذه القرارات وملابساتها ومواقف هؤلاء الفنانين والفنانات ممن لم يأخذ بها بعد، لتنحسر بعد فترة الأضواء عنهم الأمر الذي يحتم عليهم اتخاذ قرارات أخرى مغايرة لقراراتهم الأولى تعيدهم إلى مظهرهم السابق ليحصدوا تالياً المزيد من الحوارات التي تحاول معرفة أسباب تراجعهم عما مضوا فيه. وهكذا تجري الأمور ضمن حلقة مفرغة يقع في فخّها الإعلاميون الذين يعتقدون بأنهم يحققون من خلال هذا النوع من الحوارات سبقاً صحفياً بينما هم في الواقع يكرّسون ثقافة أقل ما يقال عنها إنها ثقافة متخلّفة، لا همّ لها سوى تضييع وقت المشاهدين فيما لا ينفع.

وهنا نتساءل: ألا يكفي ما يضيعه المشاهدون العرب يومياً من الساعات في متابعة فضائيات التحريض على القتل والذبح وبثّ وبعث روح الكراهية في النفوس حتى تطلع علينا بعض الفضائيات لتضيع وقتنا بعشرات الساعات كي نعرف لماذا اختار هذا الممثل أن يرتدي هذا النوع من اللباس أو لماذا اختارت تلك الممثلة أن تتخلى عن ذاك النوع من الاكسسوارات؟ ولماذا نقبل على أنفسنا أن نكون ضحايا لتجارة تلك الممثلة التي وجدت في البسطاء منا مجالاً متاحاً كي تمارس هوايتها بالمتاجرة في أي شيء وكل شيء؟

بعض فضائياتنا العربية التي تفاءلنا خيراً عند انطلاقتها بأن تقدم الوجه الحضاري لمنطقتنا ولشعوبنا وتراثنا وأن تنفض عن كاهلنا عقود الجهل التي عانينا منها، ها هي اليوم تثبت أنها أكثر جهلاً من كل فترات الجهل التي مررنا بها.