2012/07/04

احذر قبل أن تهدر إنسانيتك... فربما هناك عين ويد وكاميرا موبايل تترصدك
احذر قبل أن تهدر إنسانيتك... فربما هناك عين ويد وكاميرا موبايل تترصدك

محمد أمين – الوطن السورية

إنها لحظة توثيق الأمل والحلم والألم، لحظة ستصبح تاريخاً بعد حين نقرؤه ونتأمل فيه وأرشيفاً لغيرنا، لحظة أبطالها بامتياز (الصحفيون الجدد) أو (صحفيو الموبايل) الذين وإن لم يشعلوا الثورات والحراك في بلدان عربية متعددة إلا أنهم أسهموا إلى حد بعيد في تأجيج أوارها كانوا حداة هذه الثورات وعيونها التي لا تنام، عيون يقظة تترصد لتخليد اللحظة. فاحذر قبل أن ترتكب فعلاً لا إنسانياً وتلفت فربما هناك عين ترى ويد لا ترتجف وموبايل يصورك ليرى العالم كله ماذا فعلت وكيف هدرت إنسانيتك وكيف تعديت دون وجه حق على حياة الناس. احذر فأنت بالمرصاد من حيث تدري ولا تدري.

إننا نعيش زمن الإعلام التواصلي هذا الإعلام الذي اخترق الحجب وأزاح الستارة عن المسرح المعتم.

إعلام لا يترك شاردة ولا واردة إلا ويفليها ويطلقها في فضاء لا حدود له. عندما غاب الإعلام المحترف والمراسلون المتمرسون عن ساحات الفعل ظهر إعلاميون من نوع جديد إعلاميون لم يتوقعهم أحد ويتوقع تأثيرهم الطاغي في مجرى الأحداث، إعلاميون لا تحركهم ايديولوجيا ولا مصالح مادية ولا يعرفون شيئاً عن ثقافة التوازنات ليس عليهم رقيب ولا يتلقون أوامر من رؤساء تحرير، لا يهددهم أحد بمصدر رزقهم، إعلاميون بالفطرة لا يحتاجون إلى شهادات من معاهد الإعلام العليا ولا يحتاجون إلى تدريب وتمرين فالأمر بسيط عين ويد وكاميرا موبايل وفوق هذا إرادة الفعل غير المسبوق. لقد غير هؤلاء راهناً كان يترنح وأسهموا في تشكيل لوحة المستقبل، لقد اكتشفوا هذا المستقبل الذي كانت ضاعت معالمه منذ حين من الدهر كان ثقيلاً وضبابياً وغامضاً ومجهولاً.

بدأ الأمر في تونس الخضراء بلد الشاعر أبي القاسم الشابي أستاذ الثائرين الذي بشر طلاب الحياة باستجابة القدر فعندما غابت كاميرات المحطات الفضائية العربية وغير العربية كان البديل كاميرات الموبايل التي عقدت حلفاً مع مواقع التواصل الاجتماعي على الإنترنت، لقد أنهى الشباب التونسي بمساعدة الموبايل وهذه المواقع مرحلة سوداء في حياتهم وها هم يستعدون لمرحلة أكثر بهاء وألقاً جوهرها الحرية والعدالة الاجتماعية. لقد انتحر الخوف في تونس فتلقى الرسالة المصريون فصنعوا ثورة ليس ككل الثورات، ثورة سوف تدرس في كليات الفكر السياسي، لقد علَّم المصريون العالم كل العالم كيف تُصنع الثورات عندما تتسع الهوة بين الحاكم والمحكوم وتستولي ثلة فاسدة على ثروات البلد. لقد لعبت مقاطع فيديو بثت على مواقع التواصل الإلكترونية دوراً هائلاً في اتساع نطاق الثورة وتقريب موعد رحيل من جثم على صدر مصر ردحاً ليس هيناً من الزمن فحولها من قاطرة إلى مقطورة.

لقد غيّر الإعلام التواصلي كل قواعد اللعبة الإعلامية وأسقط ورقة التوت عن الإعلام العربي الرسمي وغير الرسمي الذي كشفت الأحداث قبحه الشديد وتخشبه وتحنطه، لقد قام بدوره على أكمل وجه وأثبت أنه إعلام سلطة وليس إعلام وطن ظل أسير لغة تجاوزها الزمن وتجاوزتها الأحداث على الأرض وتجاوزتها كاميرات شباب آمنوا بالغد.

لقد أسقط الإعلام التواصلي أعرق المؤسسات الإعلامية العربية ويكفي دليلا على ذلك ما يردده الشباب في الميادين والشوارع العربية من شعارات تؤكد وتشدد على كذبه وابتعاده عن الناس الذين- يا للمفارقة- يدفعون من قوت يومهم لهذا الإعلام.

لقد أوقع الإعلام التواصلي الكثير من المحللين والمدافعين عن السلطة العربية في إحراج شديد فقد كشف زيف ادعاءاتهم التي أصبحت أمام ما يقوم به (الصحفيون الجدد) أوهى من بيت العنكبوت لدرجة أن البعض منهم قد اعتذر علناً عن تحليل ساقه دفاعاً وعن رأي قاله بينت كاميرات الموبايل سخفه وضعفه وتهاويه.

وإذا كان الإعلام المحترف يعج بالأميين والطفيليين وشذاذ الآفاق الإعلامية فإن هناك نظيرهم في الإعلام التواصلي، الذين يستغلون عدم وجود مسؤولية قانونية ما في الإفساد فيبثون مقاطع مركبة أو مصنعة للتقليل من شأن مقاطع أخرى ولصنع حقائق جديدة على الأرض وإرباك المحطات الإخبارية وايقاعها في مطبات إعلامية لغاية افتقادها للمصداقية وبالفعل فقد وقعت محطات في أخطاء جسيمة بعضها مقصود ولم يجر الاعتذار عنه للمشاهدين وبعضها الآخر كان فاضحاً لدرجة أنه أجبرها على الاعتذار علناً.

مهما ساق البعض من اتهامات لمواقع التواصل الاجتماعي على الشبكة العنكبوتية- وقد يكون بعضها صحيحاً فليس هناك شيء مجاني بالعالم- فإنها تبقي محطة فقدته جداً في مسيرة التطور الإعلامي فقد هددت هذا الواقع الإعلام التقليدي تهديداً مباشراً وأفقدته الكثير من أوراقه وفتحت أبواب العالم السبعة حيث لم يعد بإمكان أحد أن يخفي شيئاً وربما أسهمت في كف يد من كان لا يجد حرجاً ومسؤولية في مدها إلى أقصاها. وسبق لنا القول إن هذه المواقع أصبحت هي (ديوان العرب) نوثق فيها يومياتنا ونتحدث من خلالها عن خيباتنا وثوراتنا البيضاء وغير البيضاء وأحلامنا الوردية في غد أفضل غد دفعنا ثمنه خوفاً وقهرا وفقراً.

إن الإعلام التواصلي يعتبر ثورة ثانية في عالم الاتصال بعد ثورة الإعلام الإلكتروني كانت الغاية منه تواصلاً (اجتماعياً) تحول عند العرب إلى شيء آخر مختلف. تحول إلى تواصل (ثوري) وعلى صفحاته تُدون يوميات الثورات والاحتجاجات والحراك الشعبي وعليها تدون التوجيهات وشعارات أيام الجمع وعليها تُبث أخبار ومقاطع التظاهرات ومنها نعرف أسماء الشهداء والمعتقلين وفيها نشرت قوائم «العار» وفيها أيضاً نتقاذف الاتهامات وكلنا يحاول احتكار الوطن ويريده كما يشتهي ولا يدع الآخرين يشاركونه ذلك.

إنه «آية هذا الزمان» التي غيرت العالم وخلقت أجيالاً لا تعترف بالقيد وتريد الحياة وأجيالاً أخرى مرادفة تريد حياة دون مسؤولية أخلاقية وهنا مكمن الخطر. لقد تعودنا أن نمضي بالأمر إلى آخره فإما إفراط إلى حد الوجع وإما تفريط إلى حد الخيبة.