2012/07/04

ألف مبروك  حكاية التجريب والمسرح الحر
ألف مبروك حكاية التجريب والمسرح الحر

خاص بوسطة- وسام كنعان لم يكن المكان صالة مسرح تقليدية يتزاحم الجمهور على أبوابها من أجل أن يحجزوا تذاكرهم، بل كانت أروقة قلعة دمشق هي الفضاء الذي قدمت فيه فرقة (ليش) عرضها المسرحي الراقص "ألف مبروك" الذي أتى كخطوة ثانية مرتبطة بالخطوة الأولى في مشروع مسرحي أطلقته الفرقة حمل اسم (هويات) إذ قدم العرض الأول  في غاليري مصطفى علي،  العام الماضي وحمل اسم "إذا انتبهوا ماتوا" بينما جاء العرض الثاني "ألف مبروك"، ليطرح بأسلوب التشكيل الحركي ذاته، لكن بأسلوب جديد إلى حد ما. حيث سيدخل أربعون متفرجاً بالتحديد. نصفهم ذكور ونصفهم إناث، ليستقبلهم الممثلون بقطع الحلوى، وبشكل يسقط أجواء الزفاف الشرقي من اللحظة الأولى، حيث فصل خط واضح بين الذكور والإناث من الحضور، فيما بعد ستقدم مجموعة لوحات راقصة، بعضها جماعي وبعضها فردي، تحكي بلغة الجسد عن تناقضات الواقع الذي نعيشه. صراعات تؤذي الروح وتنهكها من كثرة الترحال بين الوهم، والحلم، والخيال، وصدمة الواقع القاسية، التي من شأنها أن تتركنا نعبث بذواتنا.. نجملها حتى نخرج إلى العالم الخارجي متبرجين يزيننا التصنع والكذب. بتلك الطريقة حكت لوحات نورا مراد التي ألف لها الموسيقى ووزعها الفنان شادي علي، وقد برع لتكون الموسيقى نجمة العرض إلى جانب السينوغرافيا التي جعلت الجمهور شريكاً حقيقياً في العرض، ومراقباً قريباً لتعبيرات وجوه الممثلين وراصداً لحركاتهم عن قرب شديد. انطلقت ألف مبروك من فكرة الرجل والمرأة لتتسع الدائرة، وتتحدث عن الحب، والجنس، والحلم، والصراع، والحياة بكل تفاصيلها، ومن ثم تأتي اللوحة الأخيرة لتنهي الحكاية، مع ما يشبه حلقة دبكة الأعراس الشعبية، وليجد الجمهور نفسه وسط هذه الحلقة، ولتتداخل مع الموسيقى أصوات العراضة الشامية بطريقة تعبر عن امتداد حالة التناقض التي يركز عليها العرض بدءاً من أزياء الممثلين التي اعتمدت الأسود والأبيض، مروراً بالمكان القديم الذي يتناقض مع حداثة أسلوب الرقص الذي اعتمد عليه العرض وجملة التناقضات الداخلية التي يعيشها المرء، وانتهاء بعراضة الزفاف التي عرفت عن زفاف دمشق، والدبكة الشعبية التي تشكل قوام الزفاف في مختلف المجتمعات السورية بعيداً عن العاصمة. وهكذا خلال أقل من أربعين دقيقة قدمت فرقة ليش وجبة مسرحية مختلفة باقتدار، وإن ساهم طلاب ورشة (نيلز لانز) من فرقة (فوسيت) و باسكال لاجيلي من فرقة(فيليب جانتي) في تصميم الصوت والإضاءة وهو الأمر الذي يبدو متفقاً مع نوع العرض ومستوفياً حضوره إلى جانب العناصر البصرية الأخرى التي تشكل قوام المسرحية. لكن يبدو أن حضور الفرق العالمية السنة الماضية ضمن احتفالية دمشق عاصمة الثقافة، وعلى رأسهم بيتر بروك وفيليب جانتي، قد ساهم بشكل كبير برفع ذائقة المتلقي، خاصة لمثل هذه العروض... ليكون العبء على ممثلي فرقة (ليش) أكبر رغم أدائهم المتميز، حيث أن المشاهد يشعر بحاجة لمزيد من التكنيك خاصة عندما تغيب لغة الكلام وتحضر لغة أكثر صعوبة، وهي لغة الجسد. عمل جديد كلياً وأجواء مبتكرة بالكامل.. خطوة نتمنى أن تتبعها خطوات لتطوير ذائقة عامة أثبتت دائماً تقبلها لكل ما هو جديد وأصيل في آن..