2012/07/04

«الفاروق» على خطى «الجماعة»
«الفاروق» على خطى «الجماعة»

خاص بوسطة - علي وجيه


في الموسم الفائت، قدّمت الدراما المصرية عملاً مهماً بعنوان «الجماعة»، للسيناريست وحيد حامد والمخرج محمد ياسين، تناول نشأة حركة الإخوان المسلمين في مصر من خلال سيرة مؤسّسها حسن البنا الذي توفّي، اغتيالاً، عن سن 43 عاماً.

العمل الإشكالي أثار حفيظة الجماعة الإسلامية الأضخم والأشهر في الوطن العربي، فاعترضت عليه وطالبت بإيقاف عرضه مراراً. المؤلف ليس بحاجة إلى تعريف فهو صاحب عناوين سينمائية شهيرة مثل «عمارة يعقوبيان» و«طيور الظلام». الإنتاج ضخم لشركة الباتروس بميزانية وصلت إلى 50 مليون جنيه تقريباً. الجانب الفني مشغول بعناية بمشاركة مخرجَين مرموقَين في تصوير بعض المشاهد هما شريف عرفة والشاب مروان حامد، وخبراء متخصصين في مَشاهد الأكشن. هناك عناية بالتفاصيل والكوادر وزوايا اللقطات، وصبر وتأنٍ في الإنجاز للخروج بأفضل نتيجة ممكنة. والمحصلة، 30 ساعة سينما مختلفة عن الشغل التلفزيوني المعتاد. دور البطولة المغري لأيّ نجم، أسند إلى شاب أردني كان يتلمس أولى خطوات الشهرة اسمه إياد نصّار، قدّم أداءً لافتاً بالفعل لشخصية البنا.

منذ أيام، دارت كاميرا المخرج حاتم علي لتصوير عمل إشكالي آخر هو «الفاروق» عن سيرة ثاني الخلفاء الراشدين عمر بن الخطاب. إشكالية المسلسل تأتي من الفكرة الأولية التي أكّدت ظهور وجوه الخلفاء الأربعة والمبشّرين بالجنّة بوضوح على الشاشة لأول مرة في تاريخ الدراما العربية، ما استدعى اعتراض المجامع الفقهية في مصر والسعودية، وهو ما دفع بالمخرج حاتم علي إلى التأكيد في تصريح لموقع «النشرة» الإلكتروني بأنّ هذا «لن يحصل.. سيكون ظهور الخلفاء بشكل مجتزأ.. بالصورة التي ظهروا فيها في مسلسلات سابقة.. لن يكون لوجوههم ظهور، فعمّ يتحدث الصحافيون؟».

الملاحظة المكتوبة على الصفحة الأولى من حلقات العمل تؤكّد بوضوح بأن «يُراعى في التصوير أخذ لقطات عامة للمشاهد التي يظهر فيها الخلفاء، أو يتم التصوير من الخلف، مراعاةً لعدم ظهور وجوههم، وإذا استلزم الأمر للمشاهد الأمامية يتم إخفاء الوجوه بهالة نورانية». ما يحصل على أرض الواقع، في موقع التصوير في دير علي، يشير بوضوح إلى احتمال ظهور وجوه الخلفاء والمبشّرين بشكل طبيعي. وفي حال تمّ ذلك، سيدخل حاتم علي ومسلسله تاريخ الدراما من أوسع أبوابه.

د. وليد سيف، مؤلف المسلسل والمتخصص في اللغويات، صاحب اسم مرموق في الدراما السورية بأعمال شهيرة وطّدت شراكته المثمرة مع حاتم علي مثل ثلاثية الأندلس و«التغريبة الفلسطينية». الإنتاج ضخم و«غير مسبوق» لشبكة mbc وتلفزيون قطر. التصوير يتمّ باستخدام كاميرتَي Red، وهي كاميرا متطوّرة ذات صورة مميزة حتى أنّ بعض أفلام هوليوود صوّرت بها، ومع أخذ المشهد كاملاً One shot والاكتفاء بتصوير عدد قليل من المشاهد في اليوم الواحد، يُتوقّع أن تكون النتيجة سينمائية بامتياز. «كاست» المعارك سيكون بإدارة المخرج شادي أبو العيون السود الذي قدّم نتيجة فنية لافتة في «القعقاع بن عمرو التميمي».

الناحية اللافتة الأخرى هي إسناد دور البطولة إلى شاب مغمور اسمه سامر إسماعيل، وهو خريج عام 2010 من المعهد العالي للفنون المسرحية بعرض «ذيل الطاووس» لسامر عمران، انتقاه حاتم علي من بين مئات الشبان بعد «تيست» أجراه منذ فترة. وكانت تقارير أوردت خبر استبعاد تيم حسن من تجسيد شخصية الفاروق بعد ظهوره بشخصية «جميل» في «زمن العار» و«عابد كرمان» في العمل الذي يحمل نفس الاسم، ليستقر المخرج على استراتيجية الممثل «البكر» الذي لا يضمّ تاريخه المهني ما يمنعه من أداء شخصية حساسة من هذا النوع.

هكذا، يمتد العقد الموقع بين الممثل الشاب وبين الجهة المنتجة إلى نهاية عام 2012، أي بعد انتهاء العرض الأول للمسلسل في رمضان بعد القادم، وينصّ بحزم على منع الممثل الشاب من التواصل مع الصحافة، وعدم ظهوره في أي عمل آخر طوال هذه المدّة مقابل أجر الدور وراتب شهري محدد حتى انتهاء عام 2012. الدليل على ذلك ما حصل بعد قيام سامر إسماعيل بتصوير بعض اللوحات في مسلسل «كريزي»، تأليف علا ملص وإخراج مصطفى البرقاوي، حيث طلب حاتم علي من الشركة المنتجة حذف مشاهد إسماعيل من كامل العمل، وهو ما تمّ بالفعل.

الفنان غسان مسعود سيلعب دور الخليفة أبي بكر، وكان قد اشترط سابقاً أنه لن يشارك ما لم يتم تجسيد الخلفاء بشكل كامل. ويبدو أنّ دوري عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب سيسندان إلى ممثلَين من المغرب العربي، بعد أن ذكرت بعض التقارير أنّ حاتم علي نفسه سيقوم بدور الخليفة الرابع علي بن أبي طالب.

إذاً، كواليس «الفاروق» ليست كأيّ عمل آخر. وهو إذ يسير على خطى «الجماعة» في العديد من النقاط والاستراتيجيات مع مخرج متمكّن مثل حاتم علي، فهذا يبشّر بسوية فنية عالية، وحراك قد تبدأ مراحله الآن لتستمر إلى ما بعد عرض المسلسل، على مستويات دينية ونقدية وجماهيرية متعددة.