2012/07/04

خبراء ومتخصصون: سوق الفن العالمي يمر بحالة فوضى
خبراء ومتخصصون: سوق الفن العالمي يمر بحالة فوضى

البيان

يقال في المثل الشعبي العربي بلهجات مختلفة «أعطِ الخبّاز خبزه ولو أكل نصّه» والمثل لا يحتاج شرحا؛ وفي عالم ومجال الفن بألوانه المختلفة من فنون تشكيلية وموسيقى وألوان أخرى، بات أمر الخبير أو المستشار الفني ضرورياً للفنان ذاته أو المقتني سواء كان فرداً أو مؤسسة، ولقد ظهرت على مرور الأزمنة العشرات من العوائل الارستقراطية والبرجوازية لاحقاً و«محدثي النعمة» فيما بعد ممن توجه ناحية اقتناء الأعمال والتحف الفنية بأنواعها، ففي القرن الخامس عشر ظهر في فلورنسا الإيطالية «لورينزو دي ميديشي» الذي كان راعياً للفنون هناك وفي «درسدن» الألمانية ظهرت العائلة الساكسونية الحاكمة بذات الفترة وأغدقت واحتضنت المواهب الفنية على مدى 4 قرون وحولت المدينة إلى عاصمة عالمية للفن، أما في العالم العربي فلقد انتهت حقبة رعاة المواهب الفنية من الطبقات الأرستقراطية مع أفول نجم الملكية التي انهارت تباعاً، وبرغم وجود الآلاف من مواهب التشكيليين العرب الذين ظهروا خلال عقود، إلا أن مفهوم مستشار الفن أو الخبير الفني أو ما يعرف في العالم المتقدم بوكيل أو «مدير أعمال» الفنانين - ولا نتكلم عن عالم الطرب- ليس موجوداً لغاية الآن بصورة حقيقية منظمة في العالم العربي، فكان على الفنان العربي أن يبدع بنفسه ويقتحم فوضى السوق الفني بجميع أنماطه التقليدية وغيرها.انتهزنا فرصة إقامة «فن أبو ظبي» الذي اختتم أخيرا بقصر الإمارات للتعرف على مسار ورحلات 5 من أبرز مقتني الأعمال الفنية ووكلاء أعمال الفنانين وأصحاب الصالات الفنية، فكانت هذه الجولة مع حكاياتهم في عالم الفن:يعتبر تادايوس روباك من أشهر مؤسسي الصالات الفنية الفرنسية وأبرز داعمي الفن المعاصر كما أنه بالإضافة لتبنيه نخبة من الفنانين الشباب في أوروبا والولايات المتحدة توجه نحو الفن الشرقي فأسس مبادرة تخص الفن الإيراني المعاصر، يقول عن تجربته: لقد زرتُ إيران عدة مرات لاكتشاف الفنانين المعاصرين فخرجت من هناك بعد فترة قصيرة وأنا أحمل معي 20 سيرة فنية منهم، وقررتُ تقديم هؤلاء الفنانين للعالم وبالفعل أقمت عدة معارض لهم في أوروبا لاحقت نجاحاً كبيراً، لكننا واجهنا صعوبات عديدة تتعلق بالرقابة والمعارك السياسية هناك، وبالنسبة لسوق الفن فهو غير منظم وعبارة عن فوضى يعصى ترتيبها على أمهر العقول والخبراء الفنيين، فهناك حسابات خاطئة لتقييم وتثمين الأعمال الفنية لا مبرر لها، وهناك أسرار وتعقيدات بانتشار توجه فني معين أو أسلوب ومدرسة فنية مختلفة عن السائد، وأرى أن العالم رغم كونه بات قرية صغيرة بحكم العولمة إلا أنه ما زال يحتاج إلى بذل المزيد من الجهد للوصول إلى ذائقة فنية تكتشف الحقيقي والأصيل والمتطور في العمل الفني.أما البريطاني جاي جوبلينغ الخبير بتاريخ الفن المعاصر وصاحب جاليري «وايت كيوب» فقد أسهم باكتشاف العشرات من التشكيليين البريطانيين والأوروبيين فيروي قصته مع الفنان الشهير عالمياً «داميان هيرست»: «لقد نظرتُ إلى داميان بوصفه مبتكراً لأساليب فنية حديثة أكثر من نظرتي إليه كرسام، ولقد تعرفتُ إليه من خلال المعرض الذي أقامه في إحدى مناطق لندن، ونشأت صداقة قوية فيما بيننا ولقد سألني ذات مرة: ما هو أكثر شيء تحبه في الحياة؟ فأجبته: صديقتي، فأجابني بإجابة ذكية حين سألته ذات السؤال: أحب كل شيء في الحياة، ولقد برهن على ذلك عبر علاقته بكل مفردة بمحيطه الذي يعيش فيه والعالم من بعد ذلك، وبعد فترة شاهدت مخططات تاريخية للعاصمة لندن يشتغل عليها داميان لتحويلها إلى قطعة ولوحات فنية بروح معاصرة، وبعد 4 أسابيع حققتُ له حلم عرضها ورعايتها ، حيث جذبت انتباه واهتمام عشرات من النقاد والمتخصصين في عالم الفن، وبطبعي فأنا أرفض تحويل العمل الفني إلى سلعة جامدة تباع في المزادات العلنية ولقد حاولت إثناء هذا الفنان الشاب الموهوب من محاولة بيع أعماله في المزادات العلنية في عام 2007 م حين أصر على ذلك، إلا أنني وجدت نفسي أحد المشترين لأعماله، وأعترف بأن المزادات -رغم رفضي لها- قد نقلته من المحلية إلى العالمية، وأعتقد أن الذوق العام في العالم قد تغير فآخر الإحصائيات تقول إن65% من المهتمين بعالم الفن يقومون بشراء الأعمال الفنية المعاصرة، وبعد تجربتي مع داميان وغيره من الفنانين؛ وجدتُ أن أهم عامل في نجاح العلاقة بين الفنان ومدير الأعمال أو الخبير والمستشار الفني هو عامل الثقة المتبادلة».اللبناني صالح بركات اسم معروف في عالم الفن في الشرق الأوسط، فهو صاحب صالة «أجيال» للفنون في بيروت والتي أسهمت بإيجاد بيئة داعمة للفن التعبيري في المنطقة العربية لا في لبنان فحسب، ويرى بركات الذي يعتبر أحد أهم مقتني الأعمال الفنية العربية الحديثة إن ما يجب على مدير الأعمال أو راعي الفن والخبير الفني أن ينظر بعين فنية لأعمال الفنانين بعيداً عن أي عوامل مادية أو سواها لأنه إن نظر إليها بغير تلك العين سيقع في خديعة نفسه والبشرية، وسرد بركات تجربته في دعم الفن الحديث في لبنان فقال: لقد مرت الفنون التشكيلية كباقي شؤون الحياة بفترة عصيبة أيام الحرب الأهلية والصراعات التي حدثت في لبنان، وفي عام 1989 م وحين كانت المنطقة ولبنان متوجهين نحو الفن الكلاسيكي بدأتُ باكتشاف الفنانين الجدد ودعم الفن الحديث فأسست صالة أجيال، وأعتقد أن ظهور العولمة بمعناها الشامل أسهم في تطور وعي المتذوقين نحو الحداثة، ورغم ما تشهده منطقة الشرق من تطور في هذا المجال؛ فإن فناني الشرق لا يزالوا في حالة غبن من قبل المؤسسات الرسمية وغيرها، فلو نظرت إلى ما يجري إنفاقه من موارد ومبالغ مادية نحو الفن التشكيلي في المنطقة العربية فستجده لا يشكل نسبة رقمية في ما ينفق على أمور أخرى، وأعتقد أن رعاة الفن في العالم العربي يعدون على الأصابع مقارنة بالرقعة الشاسعة والتاريخ الحضاري المميز لمنطقتنا.أما الخبير الفني الأميركي ديفيد زويرنر الذي يعتبر أبرز المقتنين والخبراء في مجال الفن الأميركي المعاصر فهو يمثل عشرات من الأسماء الفنية في العالم وعلى رأسهم: ستان دوجلاس وتوماس راف ولوك توينمانز وهم يعتبرون من أشهر الفنانين التشكيليين المعاصرين في أميركا، وقام بتأسيس عدة مراكز فنية في نيويورك وكاليفورنيا، وله رأي آخر في سوق الفن حيث يقول: ليس هناك ضمانة للنجاح في سوق الفن، فما يتحكم بهذا السوق بنسبة كبيرة لا تتعلق بالذائقة الفنية للمقتنين؛ هي عملية العرض والطلب فالطلب الكبير على لوحات فنان ما أو مدرسة تشكيلية ما هي التي ترفع السعر عالياً، كما أن أموراً أخرى تتعلق بالدعم الإعلامي وترويج لوحات فنان تسهم إلى حد كبير في بيع أعماله، وكذلك مقدار ما تنفقه صالة العرض أو ممثل الفنان ومدير أعماله على معرضه الفني، فعلى سبيل المثال يقوم الجاليري الذي أسسته بإنفاق حوالي 5. 1 مليون دولار على تنظيم وترويج وإقامة معرض لفنان مثل فريد ساندباك أو غيره، بينما الدخول مجاناً ولكننا نضع في الاعتبار أن دعم الفنان يشكل جزءاً من رؤيتنا للحياة، فالحياة دون أن تجد فيها ما يثير فيك الشغف لا قيمة لها.