2012/07/04

عباس النوري: «الأعمال الدرامية السورية مهمة ولها حضورها وجمهورها ولها سوق إعلاني قوي»
عباس النوري: «الأعمال الدرامية السورية مهمة ولها حضورها وجمهورها ولها سوق إعلاني قوي»

خاص بوسطة – يارا صالح


اعتبر الفنان عباس النوري أن مسلسل "طالع الفضة" «إحدى التجارب التي تدخل في إطار مشروع محاولة قراءة "الشام" على المستوى الإبداعي، بعيداً عن التجميل والتناول السطحي لهذا التراث والفلكلور الذي درجت الأعمال الشامية على تناوله، وبالتالي "طالع الفضة" كان محاولة لقراءة شجاعة لتاريخ دمشق، وأعتقد انه ظهر بهذا الشكل وأنا راضٍ عنه وعن المستوى الذي ظهر به».

وفي حوار أجراه معه ملحق "فضائيات وفنون" في صحيفة "دار الخليج"، قال النوري: «أستطيع القول إن النص الموجود على الورق كان حقيقياً بدرجة كبيرة جداً، يقارب العمل الاجتماعي وخصوصاً أن مزاجي الفني يجنح نحو الأعمال الاجتماعية، لأن المسلسل الاجتماعي هو امتحان حقيقي للفنان، "كيف يستطيع أن يعكس الحياة كما هي وأن يشبهها إلى أبعد الحدود"، ولذلك ما كتب في "طالع الفضة" كان قريباً جداً من مساحة قراءة حقائق، فالممثلون والمخرج تعاملوا مع النص ليس كقصة اجتماعية تنتمي إلى توقيت معين "عام 1912" وإنما هي قصة اجتماعية حقيقية وواقعية فيها أناس حقيقيون وليسوا مُخترعين لينقلوا قيماً على أساس ما تتناوله الأعمال "الأمية" التي قرأت كل شيء إلا الواقع... قرأت الفلكلور ولم تقرأ الواقع.. قرأت التراث ولم تقرأ الواقع، قرأت الأمثال الشعبية وبقت بين قوسيها ولم تتجاوزها ولن تتجاوزها، لأن المسألة ليست بحاجة إلى جرأة بمعناها المباشر كجرأة، وإنما هي بحاجة لحالة تحد لقراءة ثقافة الواقع نفسه، وبالتالي هي ليست قراءة تاريخ في مدرسة وإنما هي قراءة حياة كاملة تشبه حياتنا الآن، لأن اليوم الذي نعيشه هو نتاج الأمس».

وعن جزء ثان من العمل، أكد النوري أنه «هناك أفكار مطروحة الآن في أكثر من اتجاه لهذا المشروع مع محاولة لتقديم قراءة جدية لتاريخ دمشق وحياة هذه المدينة، وهناك توجه لكتابة مراحل تاريخ دمشق في عمل درامي، ففي "الحصرم الشامي" كانت هناك قراءة واقعية لتاريخ دمشق خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر ولكن المشروع توقف لأسباب عدة. وحالياً هناك أفكار متبادلة مع المخرج سيف الدين سبيعي حول استمرارية "طالع الفضة" في قراءة تاريخ دمشق، وحتى الآن لم نخرج بقرار وإنما نطبخ هذه القرارات على نار هادئة حتى نخرج بشيء حقيقي».

وختم النوري حديثه عن العمل بالحديث عن رسالته وعنود الخالد من العمل: «لم يكن هناك رسائل محددة وإنما هي رسالة موجهة لأنفسنا قبل أن تكون للجمهور، وهي محاولة تذكُر دمشق بشكلها الحقيقي بعيداً عن السفسطة، بل تذكير بأن دمشق مدينة تستحق أن تكون مدرسة للعالم، ونحن في مقدمة العمل قلنا إن “طالع الفضة” مكان صغير في دمشق ولكنه اتسع للعالم أجمع فما بالك بدمشق كلها».

النوري أوضح أن مشاركته في أعمال البيئة الشامية رغم الانتقاد الذي يوجه لها ليست مجالاً للنقد «وإن كنت أنقد نفسي ولكنني أعمل في مهنة بصفة ممثل، وسواء كان "أهل الراية" أو "باب الحارة" أو "ليالي الصالحية" أو ما قبلها وبالتحديد القنبلة التي فجرت هذه الأعمال وهو مسلسل "أيام شامية" في عام، 1992 هذا النموذج من الأعمال أحبه الناس وبالتالي هناك شريحة من الجمهور لابد من احترامها ومخاطبتها بطريقة تحاكي مزاجها وبالتحديد المزاج الرمضاني، هنا أنا لا أخلي طرفي منها ولكنني لست صاحبها، ومع ذلك.. فحتى في "باب الحارة" قدمت شخصية "أبو عصام" أقرب ما تكون إلى الحياة نفسها ولم أقدمها مخترعة ومفبركة ومنمطة وهذا ما سأقدمه في كل أعمالي، ويمكنني القول أيضاً إنني عندما أعمل بهذا النوع من الأعمال ممثلاً يختلف الأمر عن كوني كاتباً للعمل، مثل "طالع الفضة" وهنا بوصفي صاحب مشروع أذهب بالاتجاهات والأفكار التي أحبها والتي أؤمن بها، أما عندما أكون ممثلاً فالوضع مختلف تماماً، وبشكل عام مثل هذه الأعمال لا يمكنني إلا أن أختلف معها ولكنني في الوقت نفسه أحترمها مادامت هي محترمة عند الجمهور، على ألا تصل إلى حدود "البوجقة" والاستعراض الفارغ و"تفتيل الشوارب" فقط».

وبالانتقال إلى مسلسل "تعب المشوار"، قال النوري: «لست منزعجاً لأن العمل لم يعرض في رمضان والموضوع يعود للشركة المنتجة وتوقيت العرض، وهي مسألة تسويقية تتعلق بالتوزيع، وبالنسبة لي مسلسل "تعب المشوار" هو من الأعمال الجيدة والمحببة، وبالتالي لا خوف عليه في حال عرضه خارج رمضان، وهذا ما حصل حيث إنه ترك صدى إيجابياً لدى الجمهور وهنا أؤكد مرة أخرى أن العمل الاجتماعي دائماً هو الأقرب للناس ولاهتماماتهم».

النوري، أكد أن شراكته مع المخرج سيف الدين سبيعي لا علاقة لها بالعواطف، «والمسألة عبارة عن قناعة من الطرفين بجدوى هذا التعاون وهذه الشراكة، لأننا إذا لم نجد جدوى من شراكة معينة في عمل ما فلا نكون شركاء، وأنا مستمع جيد لكل الأفكار وهو كذلك الأمر، سواء أكنا شركاء في عمل معين أو لا».

كما نفى النوري أن تكون شخصيتاه في مسلسلَي "ليس سراباً"، و"تعب المشوار"، متشابهتين، أو القول بأنه يتدخل في أسماء الممثلين المشاركين في العمل إلى جانبه، أو في تفاصيل أخري، وأضاف: «ولكن ما يحصل أن بعض المخرجين يأخذون برأيي في بعض المواضيع وبالتالي أنا لا أحدد ولا أتدخل».

وعن مسلسل "العشق الحرام"، الذي لاقى بدوره انتقادات تخص الجرأة المبالغ فيها، قال النوري: «لا يمكننا أن ننكر أن الناس لا تحب أن ترى الحياة بشكلها الحقيقي، لأن التلفزيون العربي عوّد الجمهور على أنه وسيلة إعلانية مرهونة بالمزاج الرسمي للدول والأنظمة السياسية، وبالتالي لا يقدم الحقائق كما هي بسبب غياب الحريات الإعلامية، ولكن عندما تعرف الحريات الإعلامية، فإن أي زيارة للمحاكم سنكتشف من خلالها فظائع كبيرة وأكبر مما جرى في "العشق الحرام"، وهذا الاستنكار لا أراه نابعاً من مسألة حقيقية أو غير حقيقية وإنما الاستنكار نابع من عدم التحمل لقراءة الواقع بهذه القسوة، وأعتقد أن الجمهور على حق ولا ألوم من يستنكر أو من ينتقد حتى لو كان الانتقاد قاسياً، فهذا شكل من أشكال النقاش الاجتماعي ويمكننا القول إن الجمهور عندما يستنكر عملاً ما فهذا يدل على الاهتمام به بشكل من الأشكال وهذا الاهتمام يهمني».

وأوضح النوري مفهوم «الجرأة» برأيه، فقال: «الجرأة لا تعني أن نخرج عن المحرمات، لكن يجب أن نتجرأ على قراءة والواقع، أن نقرأ أنفسنا وعيوبنا.. فكم هو واقعنا السوري مملوء بالمتناقضات التي هي بحاجة إلى حوار، والحوار لن يكون مجدياً ونافعاً إن لم نكن جريئين في قراءة عيوبنا، وبالتالي يجب أن نجيب ونحسن الاستماع إلى بعضنا البعض أي أن نكون جريئين بحسن الاستماع لقراءة هذا الواقع، ولكن الجرأة مفهوم لا يعني الانفلات إنما ممارسة المسؤولية الحقيقية».

في موضوع آخر، اعتبر النوري أنه «لا وجود لأزمة تسويقية في الدراما السورية وهذا كلام أطلقته بعض الأصوات التي لا تجيد قراءة حجم حضورها في هذه الدراما، وللتعبير عن الحالة يمكننا أن نقول إن هناك قلقاً من الحالة العامة للبلد وإن الأعمال الدرامية السورية مهمة ولها حضورها وجمهورها ولها سوق إعلاني قوي، ولها أسماء ونجوم محبوبون من الجمهور».

وعن وضع الدراما السورية في ظل الأوضاع التي تعيشها سورية الآن، قال النوري: «الإجابة عن هذا السؤال تدخل في إطار احتمالين الأول هو المتفائل، بمعنى أننا سنزداد جرأة في قراءة واقعنا الراهن حتى على المستوى السياسي، وأعتقد أن الفنان السوري عنده ذخيرة من الإحساس بالمسؤولية العالية المستوى، إلى جانب متابعته الدقيقة وقراءته السياسية للواقع، وأعتقد أنه سيقدم أعمالاً غير مسبوقة، وهذا سيعتمد على كتاب الدراما الذين أدعوهم لأن يتصدوا لهذه المرحلة بكل جرأة. الاحتمال الثاني هو التشاؤم وأنا لست معه».

النوري رأى أنه على الوجوه الشابة التي قدمت تجاب ناجحة هذا العام أن تثبت حضورها، «ولكن أستطيع أن أقول إن مجموعة من الشباب والشابات في "طالع الفضة" قدموا أداءً ممتازاً يبشر بمستقبل كبير، والتحدي أمامهم كبير لكي يؤكدوا حضورهم».

سينمائياً، قال النوري: «أكره هذا السؤال لأنه لا توجد سينما في سورية حتى نسأل الفنان عنها، أما بالنسبة للسينما المصرية فهناك أفكار للمشاركة فيها وليس لدي الوقت حالياً، كما أن هناك معايير أخرى للسينما المصرية أنا بعيد عنها».

وفيما يتعلق بتجربته في التقديم من خلال برنامج "لحظة الحقيقة"، قال النوري: «أنا سعيد جداً بهذه التجربة وسأستمر بها فيما لو عرض علي أن يكون هناك مواسم مقبلة من البرنامج، فأنا أحب هذا النوع من البرامج المشاكسة لواقعنا الاجتماعي»، مضيفاً: «برنامج "لحظة الحقيقة" هو امتياز أمريكي واشترته محطة “إم بي سي” وهذا تحد بتقديم برنامج في غاية الجرأة للمشاهد العربي، وخصوصاً أن تقديم البرنامج نفسه في الولايات المتحدة مختلف تماماً، لأن ثقافة المشاهد الأمريكي مختلفة عن المشاهد العربي، وهو أمر ليس له علاقة بارتفاع ثقافة المشاهد الأمريكي عن العربي وإنما له علاقة بمنسوب القيم بين المجتمع الأمريكي والمجتمعات العربية، وهذا لا يعني أنه لا يجوز أن نقدم هذه النوعية من البرامج لمجتمعاتنا، بل علينا أن نقدمها شرط ألا يكون ذلك بإطار فضائحي يتناول المستوى الشخصي، وأؤكد أن أي مشترك في هذا البرنامج لم يخرج نادماً على الإطلاق، بل على العكس المشاركون أتوا ليقولوا الحقيقة وهذا أمر مهم وخصوصاً أنه ليس لدينا هذه الثقافة في مجتمعنا العربي في ظل انتشار ثقافة "العيب"، لأن المكون الأساسي لمجتمعاتنا هو مكون عصبي وديني وعشائري أكثر منه مكوناً إنسانياً».

النوري أوضح أنه يؤيد مشاركات الفنانين العرب في الأعمال السورية، «لأن هذا يغني الأعمال العربية ويقدمنا بصورة حقيقية».