2012/07/04

الأداء التلفزيوني السوري هــل ارتقــى لمستوى تحــــــديات الأزمــة؟!
الأداء التلفزيوني السوري هــل ارتقــى لمستوى تحــــــديات الأزمــة؟!


ماجد الخطيب - البعث

لا نبالغ القول بأن الجزء الأكبر من الأزمة الراهنة التي تعيشها سورية منذ شهور عدة، يعود إلى حرب إعلامية يقوم معظمها على هجوم القنوات التلفزيونية على الرأي العام السوري بطريقة مركزة وممنهجة، مستخدمة جميع أنواع الأسلحة المشروعة وغير المشروعة بغرض تحريض الرأي العام السوري على اتخاذ مواقف وسلوكيات من شأنها خدمة أجندات خارجية، لا تمت بصلة إلى آمال وتطلعات الشعب السوري.

وبالنظر لشراسة هذا الهجوم، أصبح من الأهمية بمكان القيام بتقييم موضوعي للأداء التلفزيوني السوري بشقيه الرسمي والخاص، باعتبار أن مهمة الإعلام، تتلخص بنشر الحقيقة للرأي العام بغرض حمايته من التضليل والكذب والزيف، وفي هذا الإطار أصبح ملحاً السؤال الآتي: هل ارتقى الأداء التلفزيوني السوري لمستوى تحديات الحرب الإعلامية ـ التلفزيونية ضد سورية؟

نجد أنه من المفيد إعادة استعراض المحاور الحساسة التي ركزت عليها منظومة التضليل التلفزيوني التي ضربت نقاط ارتكاز الرأي العام على مساحة الأراضي السورية، وذلك لتحقيق هدف رئيسي يتمثل بتدمير الدولة السورية، وهذه المحاور تتمثل في: السعي بشتى الوسائل إلى اتهام القوى الأمنية زوراً بالعنف والقتل الذي جرى للمتظاهرين والمواطنين، وتضخيم أعداد المتظاهرين لأرقام خيالية لا صحة لها على أرض الواقع، وإيهام الرأي العام في الداخل والخارج بضعف النظام وقرب سقوطه، وبوجود انشقاقات في السلطة، لاسيما في الجيش والقوى الأمنية، ولم تتورع هذه القنوات عن استخدام كل ما يحرض الرأي العام لإقناعه بأكاذيبها، في إطار مبدأ «الغاية تبرر الوسيلة»،  حيث استغلت الحالة الدينية، والمذهبية والعرقية، واستثمرت الأخطاء الاقتصادية والسياسية والإدارية والأمنية، وتاجرت بالطفولة والأعراض والمشاعر الإنسانية والثوابت المجتمعية، معتمدة على عملية ضخ مركّز لحزمة عريضة من الأساليب التحريضية، ممثلة بوضع الحالة السورية في مقدمة نشرات الأخبار المتوالية المدعمة بالمقاطع الصوتية والصور ( وقد تبيّن أن هذه المقاطع ممنتجة في غرف المونتاج بعيداً عن الواقع الفعلي)، وباتصالات شهود الكذب والبهتان التي تتوارد على اعتبار أنها تغطي الأحداث من أماكنها، (وقد تبيّن لاحقاً أن هؤلاء يروون أحداثاً مزيفة في أماكن مزيفة)، إضافة إلى التحليلات المستمرة على مدار الساعة التي من شأنها نشر الأوهام وتوسيع دائرة الفوضى، والبرامج المثيرة المصممة لإضافة أبعاد تحريضية جديدة من شأنها التأثير على كافة مستويات الرأي العام.

ومن الجدير ذكره في هذا الإطار أن هذه القنوات أثبتت بالصوت والصورة الوجه الوحشي لاستخدام التكنولوجيا التلفزيونية، وأظهرت من خلال التضليل الممنهج، تفوقها على تطبيقات مؤسس نظرية الكذب الإعلامي وزير الإعلام النازي غوبلز، وأعادت إلى الأذهان مقولة فيلو فرانسورث، وهو أول من بدأ باختراع التلفزيون في بدايات القرن العشرين، حيث قال: «إنه مقبل على اختراع وحش مرعب متنكر على هيئة أداة لترفيه الناس».

للأسف، علينا الاعتراف بأن القنوات التلفزيونية المهاجمة استطاعت في البداية تشكيل صدمة قوية في الرأي العام، بحيث بدا ما يقدمه الإعلام السوري بمختلف وسائله ومن ضمنها التلفزيون السوري، غير مؤثر في مواجهة القصف المركّز الذي استطاع اختراق شريحة من الرأي العام، بحيث وقعت فريسة للتحريض التلفزيوني المعادي، وفي هذا الإطار ولكي نقارب الحقيقة، نصنف الأداء التلفزيوني السوري بشقيه العام والخاص ضمن مرحلتين:

المرحلة الأولى وتمتد على الشهور الأولى من الأزمة: حيث بدا الأداء التلفزيوني السوري متعثراً بكثير من المشكلات التي أعاقت قيامه بدوره بالشكل الأمثل، فهو مثله كمثل الأجهزة الحكومية الأخرى تفاجأ بتسارع الأحداث وزخمها لدرجة الارتباك، بحيث بدا التلفزيون يغط في نوع من عدم الاكتراث بالأحداث العاصفة التي تجري حول سورية، لذلك لم يتعامل بمنهج استقرائي واستشرافي مع الأحداث التي بدأت في بعض دول المغرب العربي، ويعود سبب ذلك في جانب منه إلى إهمال إقامة توازن بين المخرجات التلفزيونية، فعلى سبيل المثال تم تشجيع الدراما بصورة لم يواكبها تشجيع البرامج والمواد التلفزيونية الأخرى بالسوية نفسها، لاسيما ما يتعلق بالبرامج السياسية والاقتصادية بمختلف أشكالها من أخبار وتحقيقات وتحليلات، والتي تلبي عدداً من المتطلبات الإعلامية الملحة للشعب السوري والعربي، وهو ما أتاح الفرصة  للعديد من القنوات الفضائية الخارجية، لتشغل بحرفية ومهنية عالية هذا الفراغ الحاصل في الرأي العام، مما مكّنها من جذب الرأي العام العربي وكسب ثقته (ليتم استغلال هذه الثقة لاحقاً لإثارة الأحداث في الدول العربية بعيداً عن التقيد بالحرفية والأخلاق المهنية التي ادعتها عند انطلاقها)، هذا بالضبط يفسر الصدمة القوية التي أصيب بها الرأي العام السوري والعربي، حيث تركت آثاراً موجعة تفاوت تأثيرها بين البلدان العربية.

المرحلة الثانية وتمتد منذ عدة شهور إلى الآن: مما لاشك فيه أن الإعلام السوري وفي مقدمته التلفزيون، استطاع خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من الأزمة استعادة دوره الإعلامي الحقيقي في الإعلام والإفهام لحقيقة ما يجري على الأراضي السورية، وكشف الكذب والنفاق الذي تمارسه القنوات التلفزيونية والوسائل الإعلامية الأخرى لتنفيذ مخططات خارجية تضر بمصالح الشعب السوري، مما أسهم إلى حد كبير بمعالجة تداعيات الصدمة التلفزيونية المعادية ومعالجة آثارها وصولاً إلى إعادة الثقة لشريحة كبيرة من الرأي العام السوري، وذلك من خلال شن هجوم معاكس تضمّن تقديم حزمة من البرامج والتغطيات المباشرة للأحداث أول بأول وبالصوت والصورة من خلال التقارير الحية من المراكز الإخبارية المنتشرة في المحافظات واتصالات شهود الحق من مناطق الأحداث في الأحياء والبلدات والمدن، ونشر اعترافات العناصر التخريبية ومن ضمنهم شهود العيان (الزور)، إضافة إلى الجولات الميدانية وغيرها من المواد الإعلامية كالتحليلات السياسية والاقتصادية والمقابلات والحوارات التلفزيونية التي تضمنت، وإن بشكل خجول، جميع أطياف المجتمع السوري بتنوع تصنيفاتها، لاسيما من المعارضين الوطنيين، وهذا أسهم نسبياً بإقناع شرائح واسعة من الجمهور السوري بحقيقة ما يجري في سورية، خلافاً لما تبثه القنوات المعادية.

وهنا تجدر بنا الإشارة إلى أهمية مشاركة القطاع الخاص التلفزيوني والإعلامي في التعاطي مع هذه الأزمة بالرغم من حداثة عهده، مما يؤشر إلى أهمية هذا القطاع لاحقاً في جميع مجالات التنمية السورية المأمولة، وننوه بأهمية المادة الإعلامية الخاطفة لقناة الدنيا «التضليل الإعلامي» التي تميزت بقصر الوقت واختيار مضامين متنوعة متوزعة بين الجدية والسخرية والمفارقات الذكية التي أظهرت مهزلة الأحداث والشخصيات المفبركة التي تصنعها قنوات الجزيرة والعربية والحرة والـ بي بي سي وغيرها، كما نلفت إلى أهمية نشرة الأخبار القصيرة «بدقيقة»، و البرنامج التحليلي «عين على الحدث»، إضافة لبرامج الفضائية السورية المتنوعة، والتي واكبت إلى حد ما الحراك السياسي لاسيما ما يتعلق بالإصلاح الجاري من قبل الحكومة، إضافة لشبكة الإخبارية السورية التي كان يجب الإسراع ببدء بثها بالنظر لأن فكرتها تؤهلها لتكون في مقدمة المواجهة الإعلامية ضد المنظومة التلفزيونية المعادية، والتي في أساسها قنوات إخبارية.

وفي الختام، فإن الإطراء لما وصل إليه الأداء التلفزيوني في الأشهر الماضية لا يعني الرضا التام عن هذا الأداء، حيث ما زال يحتاج لبذل المزيد من الجهود التي تعزز الجو التنافسي الذي يعكس التنوع في الواقع السوري، ويقوي روح المنافسة نحو تقديم الأفضل لجذب الجمهور والتجاوب مع تطلعاته الفعلية، وصولاً لمرحلة متقدمة من الثقة بين الطرفين تتيح للإعلام مساعدة الجمهور في تحديد أولوياته وتوجيهه إلى أفضل الطرق القانونية والحضارية لتحقيقها، ولابد هنا من التأكيد على تكريس الأخلاق المهنية والحِرَفية العالية في الأداء، لتكون الرد الفعال على فقدان القنوات المعادية لحرفيتها وأخلاقها المهنية.